صحيفة المثقف

الديكتاتورية العتيدة في مصر الجديدة / ياسر الحراق الحسني

من إتجاهات متناقضة أحياناً مثل إدريس هاني ودانيال بايبس أنها ومثلها في المنطقة لا تتعدى مستوى الإحتجاج. وكل ما آلت إليه الأمور في الحقيقة هومجرد نتيجة لإستغلال الإحتجاج من طرف القوى العظمى وليس تفجراً للثورة. العسكر في مصر كانوا ولا زالوا يحكمون في بلد يحرم مواطنيه من أبسط الحقوق من الحق في عيش كريم إلى الحق في التفكير والتعبير والإعتقاد بحرية. إنه بلد يحكم فيه العسكر بقوة في فترة تم فيها الإنتقال من إستغلال التيارات الإسلاموية كتهديد يمكن للعسكر أسباب البقاء وتدفق المساعدات الغربية التي ينهبها إلى استغلالها كواجهة. في الواجهة يسمح لرموز الإسلامويين بتقلد مناصب في الدولة مقابل سكوتهم عن ملفات الفساد لقيادات العسكر والإبتعاد عن القضايا الإستراتيجية وإقناع الشعب بالتعويل على الرقية الشرعية والحبة السوداء عوض المطالبة بالضمان الإجتماعي والخدمات الصحية، وابقائه على الإعتقاد بخطر المد الشيعي والمد الصليبي لإلهائه عن إستخدام العقل والإلتحاق بركب الشعوب المطالبة بالعيش الكريم. مصر اليوم تعيش تحت وطأة ديكتاتورية أخطر من ذي قبل. فقبل احتجاجات ميدان التحرير كان ينظر إلى الإحتجاج الشعبي على أنه تحرك شرعي يعبر عن مطالب شعب منكوب. أما اليوم، فقد نجح العسكر وبمباركة الفقهاء النفعيين من قلب الصورة بحيث يتم النظر إلى الإحتجاج وكأنه إنقلاب على ما بات يسمى ب"الثورة". هذه بعض مؤشرات تسلط العسكر في مصر والتي من شأنها جعل الواهم بمثابة النادم عن اعتقاده بأن شيئاً قد تغير.

محمد طنطاوي مقابل مرسي الزناتي

الحاكم الفعلي لمصر هومحمد طنطاوي بدون منازع. فهورئيس المجلس العسكري والقائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير للدفاع. ولا ينحصر دوره في منصبه - الذي لا نعلم إجراءات التأهيل والتعيين فيه لحد الساعة - في قيادة القوات المسلحة، لكنه يمتد إلى التحكم في التنفيذ والتشريع والقضاء. وشواهد هذا تتمثل في قرار العسكر شهر يونيوالماضي تطبيق قانون طوارئ جديد بعد اعلانهم انتهاء العمل بقانون الطوارئ في البلاد المفروض منذ 31 عاماً وذلك في نهاية مايوالماضي. كما أن العسكر بقيادة طنطاوي قاموا بحل البرلمان بعد التأثير المباشر على المحكمة الدستورية العليا التي رفضت بدورها طلب الرئيس الجديد مرسي إلغاء قرار حل مجلس الشعب ودعوته للإنعقاد مجدداً. قرار للمحكمة الدستورية في مصر رفض المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ياسر علي التعليق عليه. فليس في مثل هذا ما يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى قيام مرسي "الزناتي" بدور غير الذي قام به في مسرحية "مدرسة المشاغبين". وكأن الشعب المصري قدر له أن يضحك على ما أخفاه الواقع انذاك وأظهره اليوم دون أن يأخذ من فنونه دروس العبرة.

في قضية التمويل الأجنبي

كشفت مجلة نيويورك تايمز الامريكية النقاب عن طبيعة الضغوط الأمريكية على مصر لإطلاق سراح مواطنيها المتورطين في التمويل الأجنبي للجمعيات المصرية المعروضة على القضاء ، وقالت إن الإخوان ساعدوا الدبلوماسيين الأمريكيين في حل القضية، كما أشاد السيناتور جون ماكين بموقف الإخوان من القضية وتعهدهم بمراجعة قانون المنظمات والسماح لها بالعمل بحرية وعدم تقييد مصادر تمويلها، وقال ماكين ''إن موقف الإخوان ساهم في حل الأزمة''. وكذلك كشفت التايمز عن أن واشنطن هددت الحكومة المصرية بوقف المعونة التي تسعى للحصول عليها من صندوق النقد الدولي لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، وقالت إنه حتى الآن لا يوجد مسئول مصري أعلن مسئوليته عن إطلاق سراح الأمريكيين، في الوقت الذي نأى فيه القضاة ورجال النيابة بأنفسهم عن القضية متهمين جهات غير معلومة بتسييس القضية1. أهم ما يستشف من هذا هووجود يد طولى فوق القضاء وفوق الرأي العام المصري تتحكم في مجريات الأمور بطريقة تخضع للعبة المساعدات الأمريكية لمصر ولا تتعارض مع المصالح الأمريكية في المنطقة. وبما أن الطرف المصري الذي يباشر الإرتباط الإستراتيجي مع امريكا هوالمجلس العسكري الذي يرأسه طنطاوي صار منكشفاً بالنهاية هيمنة هذا الأخير وتسلطه بما لا يقيم وزناً للقضاء أوالرأي العام أوالمجتمع المدني.

في قمع الأقليات الدينية

أصدرت محكمة جنح مستأنف كفر الزيات أول حكم قضائي على شيعى مصرى بالسجن سنة مع الشغل والنفاذ لاتهامه بسب الصحابة وتدنيس أحد مساجد المنطقة، وكانت محكمة إبتدائية -أوأول درجة على الإصطلاح المصري- أصدرت حكمها بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 100 الف جنيه على الشيعي محمد عصفور لإتهامه بتدنيس دور العبادة وسب الصحابة. وقد اوردت جريدة التحرير لاحقاً خبر قيام قاضي الإستئناف عرض الإفراج على محمد عصفور مقابل التوبة الشيء الذي رفضه المؤمن الشيعي جملةً وتفصيلاً 3. المتشيع الأزهري لم يثبت في حقه القيام بشيء يتعدى موقفه من بعض الصحابة على أساس أحداث مثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي، ما يبعث عن التساؤل عما إذا كان إستنتاج المواطن المصري وجهات نظر من شخصيات تاريخية مدانة على أساس علمي بإرتكاب جرائم قتل أوإبادة يعد سباً. كما أنه لم تثبت في حقه ما نسب إليه من تدنيس لأحد المساجد إلا من منطلق ديني متطرف يعتبر أن الشيعي نجس، فحيثما دخل مسجداً سنياً يكون قد إرتكب جريمة تدنيس لهذا المسجد! وبخصوص هذه التهمة التي تبقى نقطة عار على صفحات القضاء المصري قال الدكتور محمد الدرينى -الرئيس السابق للمجلس الأعلى لرعاية شئون آل البيت- أن التهمة الموجهة لـعصفور المنتمى إلى المذهب الشيعى ملفقة، وتساءل: "هل الشيعة كلاب نجسة ليدنسوا المساجد؟"3. على هذا النحورسم القضاء ديكتاتورية مصر الجديدة صورة ظلامية ترى من خلالها هذا الجهاز المهم في الدولة وهويصدر أحكاما من منطلقات أفكار القرون الوسطى. قضاء يمارس دور التبليغ القسري والدعوة إلى دين معين وإلى طائفة معينة على حساب الأديان والطوائف الأخرى في المجتمع المصري. ولا ينفك هذا عن دور العسكر الذين يذهبون في هذا الإتجاه إلى تقديم مكرمة للإخونجية الذين بايعوا طنطاوي على عدم الإقتراب من ملفات الفساد والقضايا الإستراتيجية الكبرى.

سجن المطالبين بالخبز والكهرباء مقابل العفو عن إرهابيين

في مقابلة مع المحامي بالنقض أحمد سيف الإسلام بخصوص العفوعن إيسلامويين مدانين بإرتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب وقتل الأبرياء ، أفاد المحامي لتلفزيون التحرير (31/07/2012) أن هناك ملفات عفوتم استكمالها خارج إطار اللجنة المكلفة بطريقة تشبه طريقة حلحلة ملف التمويل الأجنبي الذي تكلفت به أياد الحكم الخفية المتمثلة في العسكر والتي تحرك قرارات الرئيس المرؤوس مرسي. وفي مقابل هذا أمرت نيابة المنصورة بحبس 16 شخصا من أهالي إحدى القرى بالدقهلية، وذلك بعد قيامهم بقطع الطريق أمام استراحة المحافظ للمطالبة بتوفير مياه الشرب ورغيف الخبز، حيث وجهت لهم النيابة تهم التعرض لحياة المواطنين ومقاومة السلطات 4. السجن والعقاب يطال إذن المواطن البسيط المحروم من الماء الصالح للشرب ورغيف الخبز والكهرباء ويطال شريحة الثوار الذين خرجوا على نظام مبارك آملين الإنتقال إلى دولة كريمة ترتفع به إلى أدنى مستويات العيش الكريم. والعفويصدر في حق ارهابيين جددوا البيعة للعسكر بوساطة إخونجية. ولا شيء يدل على أن مصر هي أحسن مما كانت عليه أيام الدكتاتور مبارك.

اليوم في مصر هناك توجه لجعل الشعب على أهبة الإستعداد لمحاربة الصليبيين والروافض من أجل الجنة. فلا حديث عند اللاعبين الجدد عن الخبز والكهرباء والصحة والتعليم والضمان الإجتماعي. حديث مصر الجديدة هوأشبه ما يكون بمحاولة أفغنة الإنسان المصري وجعله رهينة لزعماء القبائل السياسية في مصر التي يتحكم فيها الأجنبي عن طريق نظام الجونتا العسكرية، كما يتحكم في لوردات الحرب بأفغانستان. الفارق الذي أراه في المسألة هوأن ديكتارورية لوردات الحرب في أفغانستان يتقاتل فيها الزعماء فيما بينهم للإستيلاء على مزارع المخدرات وطرق التهريب وعلى خدمة ممرات ومواقع الأجنبي، في حين أن دكتاتورية زعماء القبائل السياسية والوحدات العسكرية في مصر اجمعوا على مبايعة طنطاوي بالسمع والطاعة ولزوم الجماعة.

 

1.نور عبد القادر، المصراوي 3/2/2012

2. جريدة التحرير 02/08/2012.

3. جريدة الوفد 30/07/2012.

4.الأهرام 04/08/2012

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2200 الاربعاء 8/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم