صحيفة المثقف

وداعا سيدي الرئيس!! (ساتيرا) / نبيل عودة

وتقود إلى نوع من الزهد في الحياة. فهل "أباتيا" هي الحالة التي أصابت الشعوب العربية مع رؤساء دولها، حاملي القاب "اعداء الأستعمار والصهيونية"، حتى تواصل طغيانهم وفسادهم عشرات السنين؟

حتى ابن خلدون قال "إن اختلاف نحل الناس في المعاش يقود إلى اختلاف أخلاقهم". فهل كان للفقر واٌلإملاق صفة غالبة، فرضت أخلاق الخضوع والاستسلام للفساد والقمع والتخلف الاجتماعي والاقتصادي التي ميزت المجتمعات العربية في عهد مومياءات غير مخلده بن علي والقذافي ومبارك وبشار؟ ربما هي سياسة مدروسة مصدرها ذكاء الرؤساء العرب وفهمهم العبقري لابن خلدون وفلسفته الاجتماعية؟!

كيف سنعرف ذلك وهم يتساقطون مثل الذباب؟

كلمة "أمباتيا" ظلت عالما مبهما أمامي لفترة طويلة قبل أن افهمها.

كثيرا ما سألت نفسي: أين تقع ال "أمباتيا" في عالم البشر، كيف تظهر ؟ كيف تتفاعل؟ وكيف يمكن فهم تفاعلها، أوعدم تفاعلها؟ هل تقع في حقل المعرفة ؟ في حقل المشاعر؟ ربما في حقل علم الأخلاق، إن أبقى منه الحكام العرب شيئا لشعوبهم ؟ أوفي حقل الطمأنينة النفسية بأوهام الحوريات المنتظرات؟

حتى في حقل ردود الفعل كانت العرب شواذ عن "قانون نيوتن الثالث" الذي يقول: "لكل قوة فعل قوة رد فعل مساوي لها في المقدار ومعاكس لها في الاتجاه".

هل الخطأ في نظرية نيوتن ام في الفيزياء العربية ؟

أنها إشارة واضحة لخروج العرب من الفيزياء أيضا بعد أن أخرجتهم الانقلابات العسكرية "الوطنية الثورية الاشتراكية" من التاريخ؟

هل كان لمضمون "أمباتيا" دورا في تفجير الانتفاضة العربية مثلا؟

هل لها تأثير على العلاقة بين القامع والمقموع؟

هل هناك "أمباتيا" في الحياة العملية للإنسان،ضمن مجتمعه ، أوضمن بيته، أوضمن تشكيلة وعيه السياسي؟

هل لها علاقة بالسلوك البشري؟ أومبدأ وحدة النفسية والنشاط، كما يفسر السلوك فيلسوف "السلوكية" الأمريكي دكتور دافيد واطسون بناء على فكره المادي الميكانيكي، بقوله "ان الأشكال المعقدة للنشاط النفسي، هي نتيجة ردود فعل بسيطة "؟

ربما أصيب العرب بحالة "أتاراكسيا "، التي تعني طمأنينة النفس وعدم التأفف أوالتذمر، بعد عقود من غياب الأمل بفجر جديد، حتى السماء تجاهلتهم رغم ضجيجهم واضطرارهم لتمجيد نفس مومياء الرئاسة خلال عدة أجيال إمتنعوا خلالها عن ردود الفعل مهما تراكمت؟!

حتى لواضطرتك دولتك الإشتراكية الوحدوية الثورية ،المعادية مع الترصد وسبق الإصرار للاستعمار والصهيونية والرجعية، البحث عن طعامك بأكوام القمامة؟ وبيع شرفك وشرف عائلتك لشيوخ نفطيين، من أجل القضية الكبرى: تحرير الوطن المحتل ، يجب ان تفهم انها الوطنية والتضحية وحذار ان تتهاون بالشك بوطنيتهم اوأن تشكك بنواياهم اوبعدائهم للإستعمار والصهيونية، حتى لا تسحل بالشوارع ، أوتصبح عميلا متآمرا تستحق المعالجة في دوائر الشبيحة.

اعتبروا انفسكم برلمانيين عرب يستقبلون رئيسهم الضاحك المحبوب، صفقوا وزيدوا الهتاف صخبا، الستم ظاهرة صوتية مميزة بين الشعوب ؟!

هل تُحرر الأوطان الا بتجويع الشعب وإملاقه وحبس مفكريه ومناضليه بالزنازين ودفعه لبيع شرفه؟ ربما ما نشهده هو تطوير لنظرية سياسية بعثية قومية جديدة ؟!

يمكن القول أن الثورات العربية هي نتيجة ردود فعل بسيطة تراكمت حتى تحولت إلى نوعية أخرى من الرد لم يكن يتوقعها الأغبياء المرتاحون على كراسي رئاسة الدول العربية ، محاطون بجلاوزتهم وشبيحتهم وبثيناتهم ؟

 

حقا، جاءت ردود الفعل متأخرة، ولكن أن يكون الأمر متأخرا، أفضل من ألا يحدث إطلاقا!!

إذن كيف نفهم معنى "امباتيا" ودورها في الأحداث العربية ؟

بعد البحث المضني وجدت تفسيرا ربما ليس كافيا، وهوان كلمة "أمباتيا" تعني الشعور بما يعتمل بأعماق الآخرين ، وقدرة التسرب لمشاعرهم ، اختراق تجاربهم ومعارفهم وأفكارهم وأحاسيسهم لدرجة الإحساس بما يطابق أحاسيسهم. بمعنى آخر أن تكون قادرا على وضع نفسك في حذاء الآخر.. أوحتى في كلسونه ، هنا سقط الرؤساء العرب!!

لكن كيف يتطابق على حالة الإنفصام المرضي بين المواطنين ورؤساء دولهم؟

في دراستي للفلسفة لم أجد الكلمات التي أشرح بها بدقة هذا المصطلح.

وقعت في إشكالية التشابه بين "أباتيا" و"أتاراكسيا" و"أمباتيا". التقارب بينهما مذهل ومكمل لبعضه البعض. حالة عربية لا شبيه لها في عالم البشر. هل مصدرهما واحد؟ هل فتور الشعور والزهد بالحياة ، لها رابط ما بالقدرة على التسرب لمشاعر الآخرين وفهم أحاسيسهم ؟ ظلت حيرتي قائمة، حتى سمعت حكاية من امرأة، بعد الانفجار العربي الغاضب،الذي يبدوانه امتد للمناطق المغلقة للمواطنين. قالت أنها وصلت لوضع ميئوس لم تعد الحياة تعنيها، الفتور والزهد بطيبات الحياة لم يعد يفارقها، زوجها لم يعد يعني لها شيئا، معاشرته وخدمته هي آخر ما يهمها. الموت لم يعد يرهبها، تتمناه وتنتظره، لعله المنقذ من حياة الذل وغياب ما يستحق التمسك به. لا فجر جديد يبشر بتغير الحال، الثرثرة عن تحرير الوطن قتلتنا، يردحون ضد الاستعمار، الذي لا نراه إلا في خطاباتهم، وهم أسوأ منه. في الفترة الاستعمارية كان واقعنا أفضل، تحدثنا على الأقل وتنظمنا احزابا وهيئات شعبية بحرية ، ثرنا وعوملنا كثوار. بدل أن نتقدم بعد أن صرنا نظاما وطنيا ثوريا اشتراكيا وحدويا نتراجع ، نواصل السقوط في هوة لم نصل قعرها بعد.. بدل أن نحرر ارض الوطن التي أشبعونا غناء ومراجل ضد محتليه، نزداد ثرثرة وفقدانا لرغبتنا في الحياة.

لمن سنحرره؟

لشيوخ نفط نبيعهم شرفنا من أجل سد رمقنا؟ لنظام يسرق ثروتنا ويبيعنا أناشيد وخطابات وابتسامات تلفزيونية؟ ماذا تركوا لنا لنتمسك به؟

واصلت حديثها الحزين، قالت:

-حتى حياتي الخاصة أضحت لوحة مصغرة من حياتي العامة. لم يعد ما يعنيني، فأنا متزوجة منذ أربعة عقود.. بعمر مواز لسيطرة رؤساء الفساد، أي منذ إطلالة نظمنا الثورية، لم أعد أشعر برغبة في الاقتراب من زوجي.. رغم إلحاحه الدائم... اتهمني أني باردة جنسيا، وعربد وهدد بالضرب.. ربما أراد أن يصير زوجا وشبيحا أسوة بسائر الرؤساء، يظن نفسه قائدا لمجلس الثورة في البيت، ومن كثرة عصبيته وإلحاحه ذهبت للعلاج لدى طبيبة مختصة.

سألتني :

- ما مشكلتك بالضبط ؟

- ربما برودة جنسية.. اوملل من حياة الخضوع، لا أشعر بجاذبية نحوزوجي ولا برغبة في معاشرته، أوالاستجابة لطلباته حتى البسيطة.. أراه عالة علي وعلى بيتي لدرجة لم يعد يهمني أمره، ولا اشتاق لمعاشرته أوخدمته، ولم أعد أحتمل وجوده ولا سماع ثرثرته.

- احضريه معك في المرة القادمة، وسأجري الفحوص المناسبة لأرى ما يمكن ان أفعله.

وواصلت السيدة الحديث :

- بعد أسبوع عدت مع زوجي إلى عيادة الطبيبة. قالت له الطبيبة انه من أجل علاج برودة زوجته الجنسية، وصدها له وابتعادها المتواصل عنه.. وعدم تلبية أوامره وطلباته، عليها أن تفحصه أولا، لتفهم اسباب تمردها.

وأضافت:

- رجاء اخلع ملابسك.. لا حاجة للارتباك.. أنا طبيبة ورأيت آلاف مما تظنه مميز رجولتك. . تأكد ، رغم انك رئيس بيت، أوحتى لوصرت رئيسا لجمهورية عربية، فلا فرق، لن تزداد رجولة أوسحرا. هل تعرف، عندما كنت صغيرة استغربت أني لا أملك ما يملكه أخي ويفخر به. شكوت لوالدتي، فماذا قالت لي والدتي ؟ قالت أني بما املكه استطيع عندما أكبر أن املك وأسيطر على آلاف مثل الذي عند أخي. . لذا لا ترتبك، وليكن واضحا لك ولمعشر الرجال، وبينهم الرؤساء العرب إذا ظل من يوهمهم برجولتهم، أنكم لستم الأفضل بهذا الشيء الذي تفخرون به...الرب منحكم هدية التبول وقوفا، ولكنه منحنا القدرة على الوصول للمتعة الجنسية مرات متكررة. .. فما هوالأفضل حسب رأيك؟ لنفترض أن أذنك تحكك بشدة ، ما العمل؟ ستدخل أصبعك وتحكها. بعد ذلك تخرج أصبعك. قل لي من يشعر بالمتعة أكثر ؟ أصبعك أم أذنك؟

وواصلت الزوجة حكايتها:

- خلع زوجي ملابسه.. بان عاريا كما ولدته أمه.. رغم اشمئزازي من منظره، خجلت عنه. . ولكننا في عيادة للعلاج.

قالت الطبيبة:

- الآن در حول نفسك دورة كاملة.. مرة أخرى.. سر خطوة للأمام. . ارجع خطوتين إلى الخلف.. تقدم كأنك رئيس عربي يستعد لإلقاء خطابه الملكي. حسنا. الآن استلق على السرير من فضلك. . لا تستر عورتك. . لا تخجل. . لا فرق بينها وبين عورة رؤساء الجمهوريات البارزة عوراتهم في وجوههم..استلق. . حسنا. . يداك على الجنبين. . الآن أرى.. قم وارتد ملابسك وانتظر زوجتك في الخارج.

قامت تسجل ملاحظات في دفترها.

خرج زوجي وبقيت لوحدي مع الطبيبة. قالت:

-يا سيدتي آنت لا تعانين من برودة جنسية أومن حالة نفسية تجعلك ترفضين النوم معه أواستمرار سيطرته على البيت. . أنا أيضا لم أشعر بجاذبية نحوزوجك، كيف صبرت كل هذه السنين؟؟!!

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2200 الاربعاء 8/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم