صحيفة المثقف

منور ملا حسون.. القصيدة لديها دريئة تلوح بها لتقتحم مرافئ الضباب / فهـد عنتـر الدوخـي

إذ يحمل معلقة من معلقات(منور ملا حسون).. حتى ظلت جاهدة لترميم افق الجمال بقصيدة نثرية معفرة بنكهة عطر مسكونة بتراتيل هذا الطائر الذي يضم بين اجنحته قصائد نثرية تبدوملامحها ك(سوسنة حالمة) تضاهي بسحرها اميرات قصور سلاطين العصور الوسطى, وقد تأخذك الحيرة الى حيث الإختيار, فتجد ذلك صعبا حتى تطرق ابوابا وقد نقشت عليها اوجاع إمرأه جعلت من القصيدة دريئة تلوح بها لتقتحم مرافئ الضباب وعلى ايقاعات نبض الشعر تطوف أفئدتنا حول فصول موشحة بالتصوف والإدمان للعوم في محيط تستبد به كنوز الدنيا وتلاطفه لآلئ سارحة في ريعانها الأبدي, ولايطال أذهان البعض أن دلالاتها وهي تنثر أزهارها على بساط التأمل تزودنا بهالة من البلاغة والإيثار, إذ نقرأ أمنيات صادقة ومعطيات مراحل تجلت بضخامة احداثها.. هذه اوراق وثقت فعلها النير في جدار الزمن حتى شكلت إستجابة طوعية لدوافع تختمر في الوجدان إذ تتوغل بين أحضان لوحة مؤطرة بضفائر مجد إمرأة عراقية من رحم هذا النسيج المتآلف.. كركوك الأزلية بفنونها وتاريخها ومقومات العيش والتراحم فيها... ومع الشاعرة والناشطة الأدبية منور ملا حسون ومجموعتها الشعرية( مرافئ ضبابية) والتي تضم ثلاثون قصيدة نثرية إذ تولت وزارة الثقافة مهمة طبعها بكتاب من القطع المتوسط بمناسبة إختيار كركوك عاصمة للثقافة العراقية لسنة2010.

لقد وظفت الشاعرة كل مالديها في سلك التعليم كونها تربوية اولا وماتبقى من عزم مضاف فنجده يتقافز بلهجة واضحة من خلال أسماء محببة الى نفوسنا وإصطلاحات نتداولها ايام دراستنا الابتدائية..ك(الوطن, الشهادة, الشجرة, المكتبة, الصلاة, البلبل, النجوم , السلام, الشمس, الزهور, الزورق, الأرض, المطر,بحور الشعر, التاريخ, الإختزال,1.2.3, الرياح, الفصل, النشيد, العلم, النصر,) تلك المفردات فعلت فعلها الجدير بالملاحظة من خلال توافدها بين محتويات هذه المجموعة, لتأخذنا الى دلالة واضحة, الى أفكار يسيرة الهضم, الى لوحات تحمل عدة زوايا للنظر والتمعن بجمالها...

(قنديل يقبل القسمة على مرارة البهجة) تلك هي البوابة الأولى في هذا الصرح الكبير نفتحها لنرى أي القناديل التي تنير الدروب المؤدية الى ضفاف الأمان والبهجة,( عندما تدمع عيون الورد, ترتجف الأهداب مستجدية قاطف الورود)ص5, تم صناعة حدث درامي, غير أن مضامينه تصب في موضوع التعامل مع الأشياء النظرة الجميلة الحية والرفق بها وهي رمزية تذهب الى ابعد من ذلك.. ونقرأ في اللوحة الثانية(عزف على وتر مجهول)ص11...عصفورة حطت فوق جراحي, لتنثر على الشفق ألوانها,وفي(مرافئ ضبابية) وهوالعنوان الذي أختير لهذه المجموعة وهذه القصيدة تتألف من أربعة مقاطع..

*إذا تضيق بي الدنيا أعود الى ذاتي أحتضنها..

*أنا في ضفة الإنتظار الطويل كناري يقتله عطر الريحان..

*حين يصدأ العمل.. ارى سراب السنونوتهاجرني

*هلا أحصى أحد منا.. نجوما أغمضتها عيون الصباحات

 

ونحن نطوف على أعتاب تلك المرافئ نجد صورة تتخللها تساؤلات وهواجس وأيحاءات ليست بعيدة عن دوافع تخيل تلك الجمل وغاياتها وماتبثه من أفكار..

حين رحلت في ظلال الهدب.. خبأت همس الحكايا, حين تهجر النوارس مضاجعها.. في عينيك الذابلتين وجدت كبريائي

حين يصدأ العمل...,حين قسا على حدود أيامنا..حين سرى فيه دفئ الأمل.. وحين تؤصد أمانيك, أمام دروبنا المغلقة

وحين يثور الصمت فينا.. حين نتيه معا.. هذه الصياغة التي توفرت فيها أجناس أدبية تشحذ إدراكنا للبعد الآخر يبرزفيها الأثر الزمني( المفعول فيه) ظرف الزمان وتشكل بمجموعها زمنا بوسع القارئ أن يدرك فيه تنوع ورصانة الجملة الشعرية التي منحها الوعاء النثري الذي تدور فيه مكانة متميزة وراقية. وفي قصيدة( إنشطار) ص23.. أبحث عن الروح الآفلة في الضفة المجهولة.. نجد الشاعرة هنا دائبة لتثبيت دعامات منجزها بسيل من الجمل والكلمات والسطور والتي تبدولنا كقصة قصيرة جدا..(لكنها في سيل الضياع, إنتحرت وهي لم تولد بعد) ( وتتجذر الأمنيات بملامح سوسنة حالمة)( نمى غرسك بسواحلي). حتى نرى ماذهبت اليه وهي تحمل أدوات الغرس وجود زهرة السوسن مبعث للجمال والتفاؤل والتأمل, ونلحظ مقابل ذلك تصميم الشاعرة على مواجهة الصعاب..

لن أعلن الحداد, جسدي المقدس لن يمسه السواد( قصيدة الجرح) ص42 وتتشابه الصورة في (من يريد لؤلؤة, يحرق البحر كي يعتقها من قوقعتها) هذه الرؤية المتقنة المحكمة التي خلقتها تدفع الإنسان أن يتفانى من أجل الوصول الى هدفه ويحقق حلمه, إذ يحرق المستحيل ليحصل على مبتغاه..(في عينيك الذابلتين وجدت كبريائي) من قصيدة (ينابيع ملونة)ص69...0(ليل يرتدي السواد, لافجر في الأفق ينتظره) من قصيدة (إختزال) ص72

وعندما تغمرنا لوحة ببهاءها وهي تدنومن مخيلة طفل وماتدونه براءته من أمنيات صغيرة وهم يعبث في مزج ألوانها ودون أن يأخذ منا شئ حتى نقرأ في قصيدة(ضياع في مدينة) ص100( على ضفاف شواطئ ضبابية حيث القمر يحترق والشمس تهوي).. هذه اللقطة التي أمامنا تبدأ وتنتهي بحدث رمزي مؤثر من خلال توظيف طاقة شعرية هائلة فيها رصد مكثف لفكرة درامية وبعدا فنيا واضحا لتناول قصدية الكتابة بتلك الرؤية المؤثرة ,حتى نرى كيف أنساب المعنى في أبجديات هذا الرسم وإستحال الى بلاغة كامنة في متن هذه الجملة ,وفي الوقت ذاته منحتنا فرصة للعوم في تراكيبها وماتؤول اليه لتكريس وقع الفعل المكاني للأشياء وكيف نستطيع أن نصورها بهذه الكيفية , وغير ذلك ستتخذ منحى عابرا لايؤشر أية دلالة شعرية أونثرية..

وهنا أجد ثمة توافق في جنوح شاعرتنا( منور ملا حسون) نحوقصيدة النثر أوالقصة القصيرة التي تنبض بروح شعرية كما أراهاوخطاب قد وجهته الى الأديبة والشاعرة العربية جوزيه الحلوبمناسبة تكريمها من قبل مؤسسة المثقف العربي عند صدور العدد 2000 من صحيفة المثقف الإلكترونية.

 

كلنااليوم نعشق التغريد,نريد فضاءا صافيا, وسماءا زرقاء كعيون امرأة اسكندنافية, نلهث للحاق بقافلة الحب التي نحلم أن

المثقف.. هي الحافلة التي تقلنا لمواكبة عالم الأشراق, التوحد, الجمال, الطبيعه, الحب...

القصيدة هي الرداء الذي نلبسه لنظهر على مسرح الحياة بأجمل بهاء..

الكلمة الواعية الحسنة هي الوسام الذي نتوج به قاماتنا لملاقاة أحبتنا..

اللقاء هوالوثيقة التي تمنحنا الثقة المطلقة بأننا أحياء تجمعنا رابطة المعرفة والعلم.. من هذه المسميات نرسم علائق التواصل ونحدد أبجديات الكتابة بشكلها الساحر الممتع كالموسيقى والعطر وقهوة الصباح والمرأة الجميلة,واللوحة النابضة بالسحر والألوان الزاهية..

وبذلك نستطيع أقتحام الأنفس المغلقة وترويض القلوب الواهنة

وتجميع عرى الصداقة على طاولة المحبة والأبداع والموهبة

ان اللغة السليمة الراقيةهي التي تجمعنا في رياض منقوشة بألق الأصدقاء من الكتاب والشعراء والأدباء...

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2202 الجمعة 10/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم