صحيفة المثقف

التشكيلية الاردنية مها محيسن تتخذ من الطبيعة موضوعا للتعبير عن ذاتها / محيي المسعودي

والاكثر رغبة في ولوج عالم الفن التشكيلي, والعيش في عوالمه الخاصة وخضم تفاعلاته وتفاصيله وتأثيراته, وقد منحته الحيز الاكبر والواسع من حياتها , وهي الفنانة الاكثر اصرارا على التجريب المستمر لتقنيات ومواد واساليب هذا الفن , وهي بهذا النهج خطت وتخط اسلوبها الخاص بها مع الوعي بذلك احيانا اووبدونه احيانا آخر. ومع نموّها الفني المستمر تتعدد رؤاها لتذهب بها الى الحقيقية الفنية القائلة ان " الفن عالم يبدأ ولا ينتهي" وباتت تدرك هذه الحقيقة بوضوح شديد مما دفعها في الاونة الاخيرة وخاصة في العامين الاخرين الى زيادة عمليات التجريب الذاتية الخالصة والخاصة بها من حيث المواد المستعملة في تكوين اللوحة وادواتها ومن حيث الاشكال والمضامين والرؤى ومن حيث الكل المتكامل الذي تراه الاطارالعام لاي عمل فني حقيقي وناجح ومعبر عن الموضوع وذات الفنان معا. لم تكن محيسن على هذه الحال ولم تصل اليها صدفة بل جاءت نتيجة عوامل وعناصر وخصائص تتميز بها الفنانة دون غيرها من الفنانات, قد يكون من ابرزها توقد مشاعرها المرهفة وشفافيتها ونقاء سريرتها وحبها الحقيقي لعناصر الوجود الكوني وخاصة الطبيعة التي تحكم هذا الوجود على المستوى المادي وتماثل ذاتها أي ذات الفنانة , ناهيك عن تأثيرات البيئة ومجتمعها والمجتمعات الانسانية الاخرى المختلفة عليها, يضاف الى ذلك متابعتها الحثيثة والمستمرة للتجارب الفنية التي تعرض, على المستوى المحلي والعربي والعالمي , فهي حريصة على الحضور والمشاركة في أي نشاط تشكيلي رصين يُمْكنها الوصول اليه. تترجم الوان محيسن في اعمالها منذ البدء افكارها ودواخلها الانسانية وانفعالاتها المرئية وغير المرئية , ومع انها بدأت بتجسيد شكلي بسيط للطبيعة في تجاربها الاولى الا ان الالوان بدأت ترتفع درجة حراتها وكثافتها حد الوحشية مع تراكم التجربة الذاتية للفنانة , لتترجم دواخلها كانثى متماثلة مع الطبيعة. فقد شرعنا نراقب الالوان وهي تشتعل ,تتدفق, تتفجر, لتشكل ما يشبه "الاعصار اوالعاصفة اوالبركان اللوني " واحيانا نجد ذلك الاعصار اشبه بغيوم مثقلة بالمطر الذي يروي تلك الطبيعة التي تخلقها الفنانة على سطوح لوحاتها تعبيرا عن نفسها وما يحيط بها. ان الطبيعة التي تجسدها اوتدل عليها لوحات محيسن , هي طبيعة مختلفة عن الطبيعة التي يجدسها الفنانون الانطباعيون وهي مختلفة عن الطبيعة " اللايف". مختلفة من حيث الشكل والدلالة والمضمون. اذ نتلمس في في هذه الطبيعة عناصر وخصائص الانثى " مها محيسن "من حيث الخصب والجمال والتمرد والثورة والهدوء والعطاء الغزير والايثار والبراءة. ان لوحاتها تتميز بقوة وحرارة الالوان وشدة وعنف حركة هذه الالوان داخل اللوحة الواحدة اوعلى مستوى اللوحات المتتابعة في تجاربها المستمرة , وهوما يخالف شكل وسلوك الفنانة الظاهرين, اذ تتميز شخصية محيسن الخارجية بالهدوء والوداعة والود والتسامح. وهذا يعطينا ايحاء بالتناقض بين الشخصية والعمل الفني في اغلب اللوحات, ولكنه بالمقابل يكشف لنا دواخل الفنانة حين تعيش ذاتها فقط بعيدا عن مثيولوجيا اجتماعية وتربية خاصتين, يتميز بها مجتمع الفنانة. وهوترجمة حقيقية لحرية المرأة خارج اسوار التابوات الاجتماعية. وهوترجمة صادقة لاعماق شخصية ووعي الفنانة المكبوت احيانا اوالغير مُحرّك احيانا آخر. وتمزج الفنانة في اعمالها مابين الانطباعية والتجريد. فالشكل العام للوحة انطباعي , ولكنه في التفاصيل والمفاصل الرئيسية والفرعية يتحول الى التجريد, لا من حيث الشكل فقط بل من حيث المضمون والدلالة والاشارة المفتوحة على فضاءات كونية غير متناهية. فالشجرة والجبل والوادي, والسهل, والسماء بصفائها وغيومها, وكل عناصر الطبيعة تخرج عن مدلولاتها المحددة بذاتها لتنفتح على معان واشكال ومدلولات بعيدة جدا عن المدلول المعروف لاي موجود من موجودات الطبيعة. وفي هذه المدلولات الجديدة نتلمس الثورة , الغضب , الاحتجاج , السلام , التمرد , الترقب. اليأس , الامل , نتلمس الكثير من المتناقضات التي تشكل الحياة , وبهذا تكون الطبيعة عند محيسن هي الموضوع. بينما نجد اللون لغة تتحدث بها الفنانة عن ذاتها وعن ومجتمعها في كل مفاصل الحياة التي تحيطنا اونحيطها نحن في دواخلنا.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2202 الجمعة 10/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم