صحيفة المثقف

اربيل – بغداد: مخاض صعب / كاظم الموسوي

تجمّل الاسماء لما يخطط، وتربط بما يحصل من ازمات وتوترات حادة في اغلب الاحيان ولكنها لم تكن على الاغلب عفوية. ويهدد بها كلما يراد منها تأزيم الاوضاع المتأزمة اساسا، اوللخروج من المآزق الداخلية. سماها بعضهم "سايكس بيكوجديد" وربما اسوأ من خطة الرجلين اللذين وضع اسميهما على مخطط ليس من بنات افكارهما، بل هكذا جاءت صدف توزرهما عنوانا للمخطط الاستعماري الذي ارادته القوى الاستعمارية فرصة لها لاقتسام امبراطورية العثمانيين المريضة، الخاسرة والمهزومة في حروب الافتراس الاستعماري. وربما تكون افظع مما جاءت به تلك الخطة اللعينة. وبوادرها رسمت على خارطة العالم العربي وبدأت الالوان تتخبط عليها. وليس ما يجري في شمال العراق، اوكردستان العراق، او"كوردستان الجنوبية" إلا ارهاصات اولى اوانعكاسات متقدمة.

ليس مصادفة ان تتأزم الاوضاع بين "حكومتي" الاقليم والمركز، كما يسمونه في وسائل الاعلام العراقية، العربية والكردية، وليس مصادفة ان يوضع الدستور الذي يدعي كل طرف وصاله به بالشكل الذي اعطى للإقليم ما اعطاه من عناوين كبيرة لا تتفق وواقع الاقليم كجزء متميز من وطن وشعب، بل هُيأ لفترات مثل هذه، ليكون، كما هي القضية الكوردية وزعماؤها في تاريخ العراق السياسي حمالة الاشكاليات والأزمات وخنجر التوترات والتدخلات الاجنبية في الشؤون الداخلية العراقية. وقد وضع الدستور العراقي المكتوب بعد الاحتلال برغبة الاطراف التي أُوصلت الى سدة حكم العراق بتقسيماتها الطائفية والاثنية، وبزعاماتها المرتهنة تاريخيا بغيرها، دون استفتاء حقيقي فعلا كما يدعون اوخيار الشعب كما يرغبون. وحصلت متناقضات حادة اقرب الى المهزلة منها الى الوقائع غير المحسوبة بدقة وبمصلحة عامة وإرادة وطنية صادقة.

بدأت الازمات منذ فترة بين اربيل وبغداد، واستفادت اربيل من قوات الاحتلال لمصلحتها بتقديم تسهيلات جغراسياسية لها وأمنية كبيرة بحكم الموقع والارتباطات التي لم تتعظ من تجاربها السابقة ونصائح هنري كيسنغر المعروفة حينها. ومن ثم تحكم قيادات الاحزاب الكوردية في شان الاقليم من جهة وفي العراق من جهة اخرى، على صعيدي القيادة السياسية والحصة المالية، ضمن تقسيم المحاصصة والنسب التي وضعتها المصالح الفئوية الضيقة قبل المبادئ الوطنية والمصالح العراقية. والعمل على تشكيل مؤسسات دولة وليس اقليما داخل الدولة الوطنية، ورسم خارطة جغرافية اوسع من الاقليم الذي اتفق عليه، والذي يضم ثلاث محافظات اغلبيتها من السكان الكورد، هي اربيل والسليمانية ودهوك، بينما الخارطة الجغرافية التي ترفعها بعض القيادات الكوردية تضم محافظات ومناطق اخرى من العراق تمتد بين وسط العراق وحتى غربه، وتسميها مناطق متنازع عليها، وأهمها محافظة كركوك التي تحتوي على خزانات نفط رئيسية في العراق. هذه القيادات الكوردية تحاول في استثمار تدهور الاوضاع السياسية في العراق والتي لها اصابع غير قليلة في تأجيجها من خلال سلوكها اليومي وممارساتها العملية، داخل وخارج العراق. ففي الوقت الذي يترأس جمهورية العراق كوردي، ويتوزع الاكراد في اهم المناصب السيادية، السياسية والعسكرية، لا يكتفون بذلك وإنما يتصرف بعض قياداتهم الرسمية بأساليب وطرق لا تعبر عن حرص حقيقي بمصالح الشعب والوطن العراقي. وبعض القيادات في الاقليم تحاول في كثير من الاحيان التدخل في الشؤون الوطنية وممارسة ادوار المركز المتوافق عليها بين المركز والإقليم، والدستور، الشماعة التي يجرها كل طرف له حسب حاجته منها. وتجاوز الدستور والتحرك كما يرغب هذا البعض من القيادات بما يؤدي الى توفير كل مقومات اعلان الانفصال اوقبله بوقت مناسب. ماذا يعني الاعلان عن مؤسسات دولة؟، تشكيل جيش منفصل، وتسليحه سلاحا كاملا، سواء من الاسلحة التي تم الاستيلاء عليها من معسكرات الفرق العراقية التي حلت اثناء فترة الغزووالاحتلال اوصفقات جديدة مع بعض اعضاء حلف الاطلسي. وفتح ممثليات دبلوماسية في معظم البلدان العربية والاجنبية، وإقامة علاقات مع الدول الاجنبية. كذلك اجراء صفقات مع شركات النفط الاجنبية وتوقيع عقود مستقلة معها واستغلال المركز اوابتزازه بها والتحايل عليه في اطار سرقة الثروات العراقية وحصة الاقليم المتفق عليها وزيادة واردات الاقليم منها، كاقتصاد مستقل، على حساب المصالح الوطنية للشعب العراقي. والتي يزعم بعض قيادات الاقليم انها ضمن اطار الدستور والتفاهمات بين الكتل السياسية، التي تحولت مدينة اربيل الى ملاذ لبعضهم وملجأ سياسي، خلاف غيرهم من المواطنين العاديين الذين يضطرون الى الحصول على موافقات مسبقة، اشبه بالفيزا بين البلدان الاجنبية. هذه التصرفات يتم السكوت عليها احيانا ويجري الحديث عنها حين يراد ذلك. ولكنها تمر وقائعها برضا مكتوم اوبحسابات مقصودة وتستغل استغلالا انتهازيا لا ينم عن مشاركة فعلية وخدمة للمصالح الشعبية والمصير المشترك.

قد لا تكون الازمة المتصاعدة حول تحرك وحدة عسكرية بأمر من المركز الى الحدود العراقية السورية، الاخيرة بين "حكومتي" الاقليم والمركز، اوبداية لأخرى ايضا. إلا ان حدتها وطبيعتها وما أثير حولها وصاحبها من تداعيات تنم عن اهداف ابعد واخطر منها. فهي مؤشر واضح لما يحمله بعض قيادات اقليم للمركز اولا ولما بعد ذلك من صراعات مخفية ثانيا ولأهداف مكبوتة ثالثا ولافتعال ازمات متوالية وذرائع لفرض خطوات "انفصال" مسبق، اوالرهان عليها وتقديمها اوليا لتدخلات في شؤون خارجية لبلدان اخرى ولمآرب فئوية محدودة.

كل ما يجري بين اربيل وبغداد يعني ان هناك مخاضا صعبا لتداخلات كثيرة وتباينات واسعة بين رؤى ومصالح العراق كبلد وشعب له خياراته وإرادته الوطنية، التي يتطلب العمل على توضيحها، وبين اهداف ومصالح ضيقة الافق لبعض القيادات القومانية الكوردية وارتباطاتها الخارجية. وبالتالي عناوينها المعلنة اوذرائعها ليست لصالح الشعب العراقي وشعوب المنطقة في كل الاحوال.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2203 السبت 11/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم