صحيفة المثقف

اختفاء (ذو الفقار) في اسطنبول / قاسم حسين صالح

في متحف الاثار الاسلامية.وقيل لي انه اخرج في عام (2010) من تلك القاعة ووضع بآخر قاعة, وفي زيارتي له في تموز هذا العام (2012)..اختفى ذو الفقار من المتحف.

 

ومع بساطة الملاحظة التي لا تعني شيئا لمن يمتلك وعيا حضاريا, فان لها دلالاتها السياسية والطائفية والسيكولوجية في سياقين: ما يجري من احداث, ولأن متحف الاثار الاسلامية يزوره سنويا ما يزيد عن مليوني سائح من انحاء العالم بوصفه الأفخم والأضخم بالعالم الاسلامي.

 

والتساؤل: هل تم رفع السيف من قبل ادارة المتحف؟ ام انها تلقت امرا من وزارة السياحة؟ ام كانت بموافقة اردوغان, أو من سبقه في الرئاسة, على اقتراح قدّم له من احد مستشاريه؟.

 

ومع ان (ذو الفقار) المتكون من نصلين طويلين منفرجين هو احد سيوف النبي محمد فأنه ارتبط بأسم الامام علي.وارجح الروايات تفيد, ان سيف علي انكسر في معركة أحد فاعطاه النبي "ذا الفقار" ليواصل المعركة. ولأنه اظهر شجاعة فائقة في الحرب وكان حينها فتيا فقد اطلق عليه مقولة ( لا فتى الا علي ولا سيف الا ذو الفقار).

 

وبالمناسبة, فأن الطمع كان السبب في خسارة المسلمين معركة أحد.فلو ان عبد الرحمن ابن عوف الذي كان يقود كتيبة الحماية ما ترك سفح الجبل وهرع ليجمع الغنائم حين تراجع المشركون..لما انتهز الفرصة بذكاء خالد بن الوليد وحصل ما حصل.وكان لسيف ذي الفقار وسيوف صحابة آخرين الفضل في حماية النبي من مقاتلين شرسين.

 

ومع ان سيفا آخر لعلي" البتّار..أحد سيوف النبي ايضا" موجود مع سيف الخليفة عثمان بخانة واحدةفي القاعة التي تضم سيوف النبي والخلفاء الراشدين, فأن الاحتمال المرجّحلرفع "ذي الفقار" من المتحف كان بأمر من جهة عليا, وان لهذا الاجراء ارثا سيكولوجيا نبهني اليه تصريحان حديثان منسوبان لاردوغان, حمّل في الأول مسؤولية انهيار الدولة العثمانية الى (الثورة العربية الكبرى)لتعاون قادتها مع البريطانيين والفرنسيين في دحر الجيش العثماني, مع أن الأمبروطورية العثمانية انهارت من داخلها, فيما اشار في الثاني متباهيا بأنه حفيد السلاجقة والعثمانيين. والمعروف ان السلاجقة سلالة تركية حكمت افغانستان, ايران, سوريا, العراق, الجزيرة العربية..وانها دخلت الاسلام في عهد زعيمها سلجوق سنة 960 ميلادية, وان مقاليد الامور في عصر نفوذهم حين صاروا احدى اقوى دول المشرق, كانت بيدهم ولم يبقوا للخليفة العباسي سوى المظاهر الشكلية..فيما كانت الامبراطورية العثمانية التي اسسها عثمان الأول واستمرت 600 سنة اقوى امبراطوريات زمانها..ما يعني سيكولوجيا استثارة دوافع السيطرة في الشخصية التركية التي تمتاز بـ (تضخم الانا) وتعشق الابهه والفخفخة والسلطنة, واستعادة النفس الطائفي الذي شنته في حروب كان احد اسبابها مذهبيا, مع ان هذا (الوعي الطائفي)لا يخدم تركيا التي يريد اردوغان ادخالها في الاتحاد الأوربي.

 

من جانب اخر, شكّل اردوغانفي السنوات الخمس الاخيرة ظاهرة فريدة من نوعها بأن وفّق بين الدين والسياسة في انموذج ديمقراطي استثنائي وجمع بين اضداد في توليفة جاءت على نحو فريد, وأنه يتمتع بذكاء اقتصادي وشخصية كارزمية, لدرجة ان احدى امنيات العرب في ربيع ثوراتهم كانت ان يأتوا بحاكم عربي على غرار اردوغان..من اجمل فضائله انه ليس فاسدا!.

 

هذا يجعلك تستبعد ان يكون تفكير سلطته او من سبقتها بهذه السطحيه.لكن (السيكولوجيا) تنبّهنا الى ان السلطة في اوقات الصراع يتحكّم بها التعصب القومي في ثلاث حالات: وجود خطر خارجي, او استرداد حق مغتصب, او ردّ اعتبار..لاسيما السلطة التركية التي تحرص الآن عبر ساستها ومسلسلاتها التلفازية على ان تذّكر العالم بأنهم قوة عظمى, وانهم يستعيدون الآن تلك العظمة.

 

هل بالغنا في الموضوع وذهبنا به بعيدا؟ ربما..لكن حقيقة العرب والمسلمين انهم ينشغلون بالماضي ويوظفون أسوأه و"توافهه"في اذكاء حاضر نفوس مأزومة, ولأننا على يقين من دلالاته بخصوص منطقة تعيش الان مرحلة..انعدام اليقين!.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2203 السبت 11/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم