صحيفة المثقف

حوار مع الدكتور الباحث الجزائري باديس فوغالي / عزيزة رحموني

يكتب كما لوكان غيثا يحتدم على الشبكة العنكبوتية. حاصرتْه اسئلتي فجاء الحوارُ التالي شيّقا...لنتابع...

 

كيف يقدم الدكتور الباحث باديس فوغالي نفسه للقارئ العربي ؟

راهنا أنهض بمهة التدريس الجامعي لمرحلتيْ الماستر والدكتوراه وأشرف على العديد من مذكرات الماجستير وأطاريح الدكتوراه, بدأت الكتابة في الصحافة الأدبية وفي منابر الصحف والأسبوعيات الجزائرية بداية الثمانينيات, وطبعت أول عمل قصصي عام 1992, ثم توالى بروز جملة من الأعمال القصصية والروائية والنقدية.

خبير في مشاريع البحث الوطني وفي الندوة الجهوية لجامعات الشرق الجزائري , لي تسع كتب بين قصص وروايات ودراسات نقدية, تحت الطبع رواية موسومة بـ حسناء غرناطة ولي مجموعة من الأعمال مازالت بدرج مكتبي سترى النور لا حقا إن شاء الله.

 

المرأة تيمة مكرورة في الأدب عموما، كيف يحبكها المبدع باديس بلعنة الأولين ؟ ولماذا ؟

حكايتي مع المرأة حكاية طويلة وقديمة تعود إلى تسعينيات القرن الماضي حين أخترت البحث في موضوع وسمته ب : بنية القصة الجزائرية القصيرة عند المرأة لإنجاز أطروحة ماجستير , وكانت أول موضوع يطرق أكاديميا على مستوى الجامعة الجزائرية أي دراسة القصة النسائية بالعربية في الجزائر , وربما كانت فتحا لأعمال أخرى في مجال الرواية والشعر وكذا المقال والمسرح إلخ , وكان لإقبالي على تحضير رسالة ماجستير في هذا المجال مغامرة مني لكون الأدب النسائي في الجزائر لم يكن يحظى بالمكانة اللائقة به جماليا وفكريا, ثم طبعت عملا أخر عام 2002 عنوانه : التجربة القصصية النسائية في الجزائر.

هذا ما يتعلق بعلاقتي بأدب المرأة أكاديميا, على المستوى الحياتي ورونق البهاء الذي يعصف بكياننا أحيانا فنغدوكمثل الطفل الغرير, أوكمن يلتمس أريج الانتشاء وعبق المحبة والذهول, فإنني أتجاوب رغما عني مع جملة المشاعر التي تتدفق دفعة واحدة كشلال هادر, فلا نقوى على الكلام إلا من خلال محاورة الوجدان بمثل ما رأيت, فقد تغدوسيدة المكان وسيدة المقام وسيدة الجميع في الحضور وفي الغياب , وقد تصير معفرة بلعنة الأولين في لحظة من لحظات الانكسار, لكن تبقى المرأة في الأخير هاجسا مركزيا يثير فينا الوله والعشق الصوفي عبر أريج الكلمات والحروف.

 

بين امرأة من عطر وامرأة من بخار، كيف تنسج خيوطك؟

لكل امرأة خيوطها السحرية, وخيوطي مستمدة من خيوطها في التجلي وفي التحفظ, فالمرأة هي عبق وأريج عطر , وفي الوقت ذاته تتبخر من حياتنا لسبب أولآخر مثل سحابات البخار , وتتبدد مثل فقاعات الماء, لكنها تظل تحتل مساحة ما في كياننا, ووجداننا ولولا هذا الإحساس البهي الجميل الذي يحتوينا ويغمرنا ما كتبتنا ولا تورطنا في تجليات وفيض الكتابة والحرف.

 

أنت تكتب الشعر والقصة والرواية ومن ضمن إبداعاتك "ذاكرة الوشم"، كيف استوى موضوع هذه الرواية ؟

االمزاوجة في الكتابة بين الأجناس الأدبية فعل تكتيكي بالنسبة لي , فحين ترهقني الصياغة المشهدية لصورة روائية أوقصصية أهرع إلى الشعر لأتنفس نسيم الكلمات وهي تنساب متساوقة في انسجام يتناغم والتوتر الوجداني الذي أعيشه لحظة الكتابة, فالشعر عندي متنفس حقيقي يحقق لي شيئا من الانسجام الداخلي مع ذاتي ومع الموضوع العقلي أوالشعري الذي اشتغل عليه, ففعل الكتابة الشعرية واحة ومتكأ للبوح التلقائي دون إعمال أوتدخل زاخات الفكر, هوعملية وجدانية بحتة, أما رواية ذاكرة الوشم فهي وجع قديم خزنته سنوات الطفولة والمراهقة ثم لحظات التشظي التي عايشتها وبلدي الجزائر يحترق تحت تأثير الفتنة والتكالب عليه من الداخل ومن الخارج, فهي تجربة حياتية عصرتني لتتبع حركية تجاوز بلدي لمحنته سنوات العشرية الحمراء.

 

هل تكذب حروف الباحث باديس فوغالي ومتى ؟

كل النصوص التي قرأت هي نابعة من لحظات صدق , والصدق في الكتابة أقوى من النص نفسه إذ لولا هذا الصدق الذي يفرض علينا سطوته ما تنفسنا أنفاس الصفاء والتناغم مع ما يحيط بنا, تقريبا لكل نص حكاية وقصة لا يعلم بها إلا من عايشها وتظل حبيسة صدره, لوباح بها لصارت مشهدا حياتيا بلا طعم ولا نكهة ولا عبير.

 

 

إذا تناثر البوح حبات قرنفل، بأيّ أريج ستضوع الصفحة؟

أسئلتك صراحة حادة وذاهبة بمسبار أنيق وذكي إلى أعماق التجربة, حبات القرنفل تناثرت وعبق بها ذاك المكان , ذات مرة , ومنذها ما فاح المكان بذاك الأريج, فكل شيء صار إلى كلح وسواد , عائم هائم , مكرر وعاد ومألوف, فهيهات أن تمسك أوتملك المهارة على جمع حبات الفرح, حين تتوزع عبر اللامنتظر تهرب كما يتسرب من بين فرجة الأصابع سائل الزئبق.

 

إذا فتشنا عن شاهد وشهيد، بأي ماء سنكتب القصيدة فيهما ؟

أكتبها بماء الحياة, على الرغم من أنها هي التي تكتبني في أحايين كثيرة

 

الدكتور فوغالي له ما يربوعن 9 كتب في النقد والإبداع، كيف يعرف النقد العربي قديمه وجديده ؟

النقد ظاهرة صحية في حقول الإبداع , والعمل الإبداعي بغير مواكبة حركة نقدية مآله الموت, راهن النقد العربي غير متوازن ولا متناغم مع حركية الإبداع, ففيه أعمال لاترقى إلى مستوى الفعل النقدي الراصد لحركة التجربة الإبداعية لأديب ما, ومع ذلك تلقى تهافتا من قبل بعض الأقلام النقدية الجديدة التي تجامل أكثر مما تضع الأصبع على موطن الجمال وسر الإضافة والتميز, فغلب على المشهد النقدي العام الرأي الانطباعي التذوقي الذي لايستند إلى فلسفة نقدية أومنهج قرائي يرصد حركة العمل الإبداعي المرصود, إذن المشهد النقدي الأصيل مغيب إلا من بعض القراءات الأكاديمية التي تنجز في شكل رسائل وأطروحات أكاديمية تنجز لنيل شهادة جامعية معينة وتلك هي الأعمال فحسب التي يمكن أن يتأسس عليها المشهد النقدي العربي الراهن, إضافة طبعا إلى بعض القراءات الموجزة التي تصدر من نقاد محترفين وهم يستقبلون عملا إبداعيا جديدا, إن نجاح وبلورة المشهد النقدي العربي المعاصر في تصوري لابد أن ينجز في إطار مخابر بحث في العلوم الإنسانية تعنى مثلا بالنقد السردي, وهكذا تقرا النصوص المغفل عنها أوالمسكوت عن تناولها بالعناية النقدية المتمرسة, أما النقد الصحفي فصراحة يهدم أكثر مما يخدم العمل لأنه يموت في لحظته بحكم عدم استناده إلى طرح منهجي يتغدى من مرجعية فكرية جمالية وإطار مرجعي واع وناضج.

 

في نظرك ايّ نقد نقدّم اليوم في ظل الانفجار الإبداعي الذي لا تواكبه الحركة النقدية؟

طبعا وبدون تردد النقد المعرفي العالم

 

بأيّ الآليات يقرأ الدكتور فوغالي النصوص العربية القديمة؟

النص العربي القديم كنز جمالي استثنائي خالد , غير قابل للتقادم , فمجرد ما تمتلك ىليات القراءة المجديةوالمستنطقة لخباياه تنهض فيه أنوية فنية وفكرية تتيح للناقد أن يقرأه وفق رؤى وتصورات متعددة, فالنص القديم يكتلك مستويات عديدة للقراءة, وويمتلك إمكانية الإفضاء عن تنوع إنساني مكتنز بالمعطيات البئية والتاريخية وغيرها, لكنه لن يستسلم للناقد إلا إذا كان على قدر كبير من الإحاطة بالنص , وفهم منظومته الفكرية والاجتماعية المعقدة..من عادات وتقاليد وأعراف ثقافية موغلة في القدم, ذهنيات وغيرها...

 

كيف يمكن أن نطوق النص الإبداعي الحداثي ؟

يمكن محاصرته بالثقافة المرجعية المستمدة من منهجية الطرح والأفق المعرفي والجمالي الذي يستمد منه وهجه وعنفوانه, إن الحداثة في تصوري المتواضع امتلاك للواقع والتاريخ امتلاكا معرفيا وجماليا وليس مجرد انطباع أوصياغة اعتباطية لشبكة لغوية غير متجانسة ولا متناغمة جماليا ولا فكريا.

 

هل تحدثنا قليلا عن "اركيولوجية اللغة وفاعلية التواصل البشري"؟

اللغة هي في البدء كانت ولازالت سر الكينونة والوجود, جاء في سفر التكوين في البدء كانت اللغة, وافتتح القرآن الكيم بقوله عز وجل إقرأ باسم ربك, والقراءة هي أداء صوتي للغة, وقد سميت الكلمة كلمة لأنها مستمدة من الجدر اللغوي الكلم , والكلم في اللغة العربية الجرح, فقد قال الشاعر قديما :

فلما رأى كلمها يدمى

وكلمها في سياق قصيدة الحطيئة في وصفه للكرم العربي هي الجرح, إذ إذا كان الجرح يترك أثرا في البدن أوالعضوفإن الكلمة تترك الأثر في النفس, ومن هنا نهضت قيمتها, أما اللغة والمجتمع الإنساني فإن المرأة كيان لغوي وإن الرجل كيان لغوي , بمعنى إذا ساد الصمت بين الأفراد أوالأزواج أدى ذلك إلى النفور والفرقة, وقد أعطيت مثالا في مقال لي حول هذه المسألة بالمجتمعات القديمة آكلات البشر, فإن القبيلة أ مثلا لا تأكل من لحم قبيلة أ لكنها تبيح لحم قبيلة ب, فإذا ما مات أحد أفراد القبيلة يستباح أكل لحمه, لأن الميت لم يعد ينطق .

فالسكوت عن الكلام هوفعل تحطيمي للمجتمعات لذا لابد من إذكاء روح الحوار بيننا, ومد أواصر التواصل بكل الوسائل المتاحة في عصرنا لتقارب أكثر ولفهم أعمق وأوفى.

 

هل يمكنك تقييم الإبداع "النسائي" الجزائري؟

التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر مرت بمرحلة مخاض, وهي الآن تعيش أفق التنوع والإضافة على مستوى أهم الأجناس الأدبية, القصة, والشعر, والرواية, لكن لابد أن أذكر أن الإبداع ليس مؤنثا, إنما هوحسب رأيي إنساني في أبعاده وتجلياته, فقط أن ما يسمى بالأدب النسائي مثلا ليس ما تكتبه المرأة, إنما ما يتناول المرأة كتيمة, وتبقى النضالات النسوية في حركة نقدية أوثقافية أوإبداعية أقرب ما تكون من المرافعات النضالية والنقابية.

 

كمثقف كيف ترون حقوق المرأة الجزائرية خصوصا السياسية منها؟

المرأة الجزائرية عندنا في الجزائر فاقت مثيلاتها في العالم العربي وفاقت مثيلاتها في الكثير من الدول الأوربية, بفعل المادة التي كرست نسبة تواجد المرأة في القوائم الانتخابية سواء أكانت وطنية أومحلية 30 بالمئة, بمعنى يشترط مثلا في قائمة تتكون من 12 مترشحا من تواجد أربعة نساء وإلا تسقط القائمة وتلغى, إن تطبيق هذا النص الذي سمح للمرأة الجزائرية من وجودها بكثافة تحت قبة البرلمان.

أما حقوقها الاجتماعية فللمرأة الآن حق الخلع بكل سهولة ويسر إذا توفرت أدنى الشروط, وأصارحك القول أن طلبة الماستر والدكتوراه في الجامعات الجزائرية معظمهم طالبات, فعندي مثلا العام المنصرم تخصص سرديات حديثة معاصرة مائة طالبة وستة طلاب فحسب, وفي قسم الدكتوراه ثلاثة عشرة طالبة من مجموع الفوج المكون من خمسة عشر طلبا وطالبة.

 

هل تؤمن بالربيع العربي؟

صراحة حبكة أوربية أريد بها تحطيم الدول العربية, أي ربيع هذا الذي يحول الحياة إلى الجحيم؟, فتعم الفوضى, وتغيب القوانين وتسيطر العشائرية والقبلية والتعصب والتطرف بكل مداركه أعني الدركات وليس الدرجات, أي ربيع هذا الذي يدخل البلدان في فوضى عارمة؟إن ممارسة الديمقراطية لاترتجل ارتجالا إنها وعي عميق بالمسئولية والتبعية على مستوى الأفراد والجماعات.

 

كلمة أخيرة؟

شكرا لك سيدتي على إتاحتي هذه الفرصة إننا بحاجة ماسة إلى تضافر الجهود لإلغاء الخلافات وتوطيد الأواصر الثقافية والتاريخية لنصير بلدا واحد , إن الشعب الجزائري والشعب المغربي متماسك ومتحاب, نأمل أن تتحقق الآمال المرجوة وشكرا في البدء وفي الختام.

 

اجرتِ الحوار: عزيزة رحموني من المغرب

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2207   الاثنين  20/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم