صحيفة المثقف

لماذا الغضب من بهجت الجبوري ؟ / عباس العزاوي

من خلال حواره المجحف بحق العراق وشعبه في المسلسل المصري " فرقة ناجي عطا الله " بالاكتشاف الخطير والنادر او يمكن اعتباره صدمة عظيمة ايقظت فينا مشاعر الاستياء والنقمة ضد فنان عراقي معروف وكبير كالجبوري ولا هو بالموقف الوحيد الذي كان ضد العراق الجديد والتغيير الذي حصل فيه, فكلنا يعرف اشكالية التوافق لدى المثقف العراقي بين الخزين الشعاراتي الهائل الذي تربى عليه وبين الواقع وطريقة الخلاص القادمة من خارج الحدود مع معرفته اليقينية لمواقف العرب حيال ذلك, بسياسييهم ومثقفيهم وفنانيهم وشعرائهم وحتى تجارهم وصعاليكم ولوطييهم وشقاواتهم, ليبراليين كانوا ام اسلاميين ملاحدة كانوا او مؤمنين!! منذ سقوط بطلهم المقبور حتى هذه اللحظة.

 

وما الاعمال الدرامية الا صدى ومصداق واقعي لافكار العرب ومواقفهم المخزية والانتقائية في الشأن العراقي, فالفنان او الرياضي او الشاعر او حتى السياسي العراقي في مجملهم ليسوا الا امعات وتوابع يرددون مايقوله الاعلام العربي الكاذب لاسباب نعرفها جميعاً, فالشهرة والبحث عن فرصة للعمل واكتساب المال من اهم الدوافع الرئيسية لذلك, ناهيك عن الرعب من تهمة الطائفية الجاهزة لان التغيير قد جلب أُناس " روافض " لحكم العراق لايحبهم حتى شحاذون وحفاة الدول العربية فضلاً عن مترفيها, اضافة للنَفَس العروبي المنحاز بوضوح لصالح الطغاة والمجرمين المنتمين ولو ظاهرياً لجوقة الفصيل القومجي في العالم العربي, فكيف للعراقي ان يكسب رزقه بينهم ؟ وهو يغالطهم في قناعاتهم الموروثة والمقدسة!!.

 

لماذا الغضب ؟ واغلب الفضائيات العراقية كانت ومازالت تشوه الواقع العراقي خصوصاً في سنوات التغيير الاولى, وتنبش بابرة طائفية حقيرة كل ما من شأنه ان يقدم صورة مخيفة ومخزية عن التغيير, صورة ملائمة ومنسجمة والعقل العروبي المدجن لكسب رضى الشعوب العربية, الثائرة منها اوالمنبطحة تحت سياط اولي الامر منهم من سلاطين الجور والرذيلة.

 

سألت احد الفنانين العراقيين عن سبب عمله مع قناة الشرقية الواضحة التوجه والسياسة, فهي نطقت ببعثيتها من اول يوم لولادتها, فكان رده, بانه يريد ان يعمل فحسب ولايهم مع من؟!. وهذا ينطبق على باقي الفنانيين العراقيين فتراهم يعملون مع الشرقية والبغدادية مرة او العراقية والسومرية مرة اخرى حسب مقتضيات الحاجة وقيمة المبالغ المدفوعة, حتى لو تطلّب الامر ان يتحول الفنان الى بهلوان يتقافز برشاقة بارعة ليضحك الناس عليه وعلى بلده الجريح, لان مايقوم به هو نقد وتقييم للواقع من وجة نظر قرقوزية ثاقبة !.

وبألقاء نظرة سريعة على مواقف تسعين بالمائة من الفنانين والشعراء العراقيين والمطربين القدماء "القياصرة " منهم والنفاطة, الكاولية والبزاخة, نلاحظ بوضوح من خلال نشاطاتهم الفنية في خارج العراق هروبهم المخزي من مسؤولياتهم الوطنية والاخلاقية كمواطنين عراقيين يمتلكون ادوات مهمة وحيويّة بالامكان توظيفها لخدمة الوطن لاسيما والعراق يمر في احلك الظروف السياسية واصعبها وحاجته الماسة لدعمهم ووقوفهم الوطني المفترض مع ابناء بلدهم المظلومين والمستهدفين أرهابياً من جميع الجهات, وليس دعماً للحكومة " العميلة " كما يبررون لانفسهم في الاعلام والذي ياتي بالضرورة متناغماً والخطاب العروبي الحاقد.

 

حرصت دائما على عدم ذكر اسماء معينة في مقالاتي ليس خوفاً من عواقب الامور بل حتى لاأتهم بالبحث عن شهرة على حساب هؤلاء المشاهير الذين اثبتوا بما لايقبل الشك انهم صعاليك ومرتزقه من الطراز الاول, فمنهم من يبكي بغداد ايام الحصار وبعد السقوط ولايغني او يبكي لضحايا الارهاب والموت العراقي الدائم, وراهب آخر يعزف لضحايا الحروب ايام المقبور, ولم تحرك العلميات الدموية المستمرة التي تستهدف الابرياء, مشاعره الرقيقة ليوثقها ضمن اعماله الفنية, وشاعر طالما ردح وغنى للطاغية وحربه حتى اصبح شاعر القادسية الاول, غادر العراق الى استوديوهات الخليج لينوح على العراق الجريح! ـ دللول الولد يبني دللول ـ ومطربين يغنون لصدام في دول الخليج حتى بعد السقوط دون ادنى شعور بالعار والخجل من ابناء جلدتهم من ضحايا البعث.

 

هذا والجانب الاخر من زمن العار الذي نعيشه, زمن الخيانة المبررة بكل اشكالها, والعهر الوطني المسيّس,والاكثر فضائحية وسقوطاً في موضوعنا, مايتعلق بتصرفات بعض ساسة العراق الجديد, ومواقفهم الشاذة, فبُعيد كل ازمة تتعلق بسيادة العراق وكرامته مع دول الجوار, دول الشؤم والتآمر, نرى سرب كبير من الغربان السياسية الكبار منهم والصغار تهاجر باتجاه هذه الدول تتأبط الحقائب الفارغة كي تستجدي الدعم بكل انواعه, كأنها تقول نحن معكم معكم لا مع عدوكم العراق "بلدنا الحبيب" واخرون لايتحرجون ابداً من تبني مواقف دول الجوار ضد العراق بدناءة وصفاقة تعافها حتى العاهرات, فأيّ كارثة وسقوط اخلاقي حلّ بنا.

 

مازال في قلبي الكثير, ومازال هناك ألم ثقيل يحزّ في قلبي وأنين يحرقني مما حدث ويحدث لنا في العراق .... والسياب مازال يردد معي وهو يلتحف تربته الابدية في مقبرة الحسن البصري .. أيخون انسان بلاده ؟!!... نعم ياسيدي السياب... يخون الانسان بلاده .. ويتآمر, ويحرق, ويفجّر, ويزوّر التاريخ والجغرافية, ويقلب الحقائق, ويتلاعب بالالفاظ, ويقفز كالقرد المضطرب ليُثبت ان الارض ليست كروية, وان الشمس لاتطلع من الشرق, وان الذباحين ليسوا عراقيين وعرب مسلمين, وان المجرمين مناضلون, وان الزناة اهل فضيلة وتقوى..!!! فهل لنا بعد هذا كله ؟ ـ وهو غيض من فيض ـ ان نستهجن او نستغرب موقف الفنان العراقي بهجت الجبوري!.

 

20.8.2012

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2208   الاربعاء  22/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم