صحيفة المثقف

الدين / الديمقراطية .. التباسات العلاقة في المجال الاسلامي (العراق انموذجا) (2)

تم تحويل مفهوم الديمقراطية داخل الحقل الديني الاسلامي الى مجموعة خرافات واساطير نتيجة الاشتراطات المجتمعية المهيمنة في انماط التفكير الاسطوري واشتغال آليات البتر والتحويل والتقليص لكي يطابق مفهوم الديمقراطية مع تحديدات المنظومة الدينية الاسلامية ويرى شايغان " ان هناك تناقضات بينهما تحديدا بسبب التغيرات الجذرية التي سمحت ببروز ظاهرة كالديمقراطية . ان مقارنة هذين المفهومين اللذين ينتميان الى كوكيات افكار متباينة قامت بينهما انقطاعات كبرى اسست الحداثة . انما يعادل اجراء تماهي تسلسلي وتجاهل الطبيعة التناسلية والسلالية للمفاهيم المصالحية " .

اذا ان الديمقراطية ظاهرة ديناميكية لا تعمل داخل جهازها المفاهيمي والمعرفي لا تنشتغل ضمن انساقها بالتصنيفات والتمايزات الطبقية او الجنسوية او الاثنية او القومية او الطائفية وانما تاخذ الوجود الموضوعي (الفرد) حجر الزاوية، اما في الاسلام فان فكرة الفرد دائما مسبوقة بالانتماء الى الامة او الجماعة هذا التميز الاولى بين الاسلام كــمنظومة دينية / اقتصادية والديمقراطية نظام وتمثيلات يتأسس على مفهوم الفردانية يلخص مجمل هذه التعقيدات في البنى والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والانظمة الثقافية كون الاسلام نظام سياسي يكرس حقوق الجماعة الدينية ما يؤدي الى الانزلاق نحو انساق توتاليتارية سلطوية تقوم على استقالة المجتمع ككل، هذه المقولة تشكل الفضاء التاريخي والعقدي والعقل السياسي المقدس في حيث تعود الفردانية في المجتمعات الغربية بجذورها الانكلو – سكسونية الى حركات الاصلاح الديني وظهور الملكية وعلاقات التعاقد في المجتمع البرجوازي، وعصر فلسفة الأنوار ومفهومها للعقلانية الذي يفترض ان تحكم ممارسات الانسان الفرد / الحر في جميع مجالات الحياة الاجتماعية على شرط ان يتمتع هذا الانسان الفرد بتجربة مزدوجة تخص مجال المبادرة الاقتصادية من جانب، وحرية التبادل في السوق المادية والرمزية وحرية عقد العمل والخيارات السياسية .

فضلاً عن مخرجات فكرة السيادة، اذ ان التـأويل المسيحي لمقتضيات القسيس قد ارتضته البروتستانتية والبيوريتانية والاقرار بشرعية التصويت على اساس القانون الذي اودعه الرب قلوب مخلوقاته . بما يثبت ان فكرة السيادة الالهية لا تحول بالضرورة دون ان يمارس الانسان سيادته، وان سياق الممارسة الاجتماعية والسياسية هو الذي يقرب الحجج التيولوجية من مفهوم الديمقراطية او يبعدها، اما في الاسلام فان مفهوم السيادة الكاملة لـ " الله " واستحالت السيادة للبشر ما يمكن تصوره والاعتقاد به، الامر الذي طالما قدم في معرض رفض النموذج الغربي للديمقراطية في العالم الاسلامي . اما مسالة التعددية والاختلاف والتنوع في الانظمة الفلسفية والسياسية والاقتصادية والثقافية داخل الانموذج الغربي للديمقراطية يتناقض مع الانموذج الاسلامي القائم على وحدة الامة والجماعة الاسلامية والهوية الدينية الكلية الثابتة .

ان الجماعات الدينية الاسلامية تطرح موضوع الديمقراطية ضمن التأطيرات الميتافيزقية / المتعالية، اي خارج حقل التاريخ بوصف الديمقراطية الية اجرائية لتنظيم وتحويل السلطة في المجتمع وبالتالي يمكن الجمع بين الاسلام والديمقراطية عبر التجيش والتلاعب بالمعنى المقدس لصالح الضرورات ووضعه ضمن سيرورات الاجابة ليشكل حضورا مستمرا ضمن مشاغل المجتمع وداخل بنية الشروط الاجتماعية والاقتصادية . واسلمة الديمقراطية وادخالها ضمن الفضاء المفاهيمي للاسلام يمنح الاسلام وظيفة تمجيدية لاضفاء الصفة الدينية وقد وصف هذه الاشكالية المفكر شايغان (ان الاسلام هو الذي يفكر ان يدخل في التاريخ ليقاتل الكفرة اي الفكرويات المنافسة، هكذا يقع الدين في فخ مكر العقل . فالدين حيث يريد الوقوف ضد الغرب انما يتغربن ويتفرجن .

ان القراءات الاسلامية / الدينية تنكر التاريخ كليا وتخترق الثوابت النصية لمنطوق النص المقدس لتكرس فكرة مسبقة عن تفويض الجماعات البشرية في حين ان الدين (الاسلام) ينبذ فكرة التفويض لان (الله) الاسلامي لم يفوض اي سلطة لاحد لذا لم تتشكل في (الاسلاميات التاريخية) سلطة دينية مكتملة وتلك نتيجة منطقية لهذا الوضع المعرفي وفي المقابل كان الانموذج الغربي للديمقراطية قائم على فكرة التفويض والتي تشكل بنية محورية في الفكر الغربي والثقافة المسيحية .

هذه الانساق المعرفية (الفردية، السيادة، التعددية، التفويض) تلعب ادوارا مؤسساتية في الممارسة السياسية في نبذ الديمقراطية كمفهوم وممارسة داخل المجال الاسلامي ما ادى الى قيام الانتلجستيا الاسلامية بتعديلات جوهرية تمس البنية الاركولوجية للديمقراطية واحدات انماط شعبوية والترويج لنسخ من الديمقراطية الاسلامية .

 

< 3 >

ان مسالة الدين، الديمقراطية، الحداثة، العلمانية لم تطرح لحد الان في المجال الاسلامي على التفحص النقدي التاريخي وانما يتم الاعلان عنها هنا او هناك بشكل دعائي، في حين حققت الديمقراطية في المجتمعات الاوربية انها عبر انجاز استقلال المجال السياسي عن المجال الديني وانفصال المجتمع المدني عن الدولة وانصهار الاديان في الديمقراطية صاحب هذه العملية التاريخية تحولات لاهونية فكرية ضخمة داخل الاديان .

النقطة الجوهرية هنا تاخذ مسارا مرجعي تاريخي لماذا الانتقال الى الحداثة والديمقراطية غير ممكن نسبيا في المجتمعات الاسلامية؟ اذ ان العالمين العربي والاسلامي ينتميان في التصنيفات السوسيولوجية الى المجتمعات الطرفية الغائبة او المهمشة في هيكلية الاقتصاد العالمي . ووفق دراسات المفكر الاقتصادي سمير امين التي تتحدد في سياق نظرية التراكم العالمي حول (المركز / الاطراف) اذ ان التراكم الرأسمالي يحصل في مركز الاقتصاد العالمي بينما يقوم التخلف الاجتماعي والاقتصادي في الاطراف هذا التراكم مرتبط بآليات التوسع الكولونيالي الذي شمل القارتين الافريقية والاسيوية خلال القرن التاسع عشر وهي موجة توسع من اجل فتح الاسواق التي ترتبت على انجازات الثورة الصناعية لقد ادى هذا التوسع الى استقطاب على الصعيد العالمي لم يكن له مثيل خلال الالفيات السابقة لتاريخ الانسانية وقد انتج هذا التوسع والتراكم،القوى التي انتفضت فقادت الثورات الاشتراكية في روسيا والصين وثورات التحرر الوطني في اسيا وافريقية اي في مناطق طرفية عانت من الاستقطاب ما اوجد تغيرات ملحوظة في هرمية ترتيب الامم في المنظومة العالمية . وبالذات مجتمعات الاطراف اذ اتقسمت هذه المجتمعات الى مجموعتين من التشكيلات الاجتماعية الراسمالية الطرفية تتكون المجموعة الاولى من تلك المجتمعات التي استطاعت ان تقيم منظومة انتاجية وطنية متمركزة حول الذات وتضم مجموعة المجتمعات الاشتراكية سابقا في اوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي والصين كما تضم كوريا والهند والبرازيل، اما المجموعة الثانية فتضم العالم العربي والمجتمعات الاسلامية الى جانب افريقية وهذه المجموعة تقع في موقع المفعول به العاجز عن تطوير ستراتيجية خاصة بها . فالقوى المهيمنة عالميا تفرض على هذه الدول التكيف الاحادي الجانب والخضوع لاحتياجات التوسع الرأسمالي فهذه المجتمعات مهمشة بهذا المعنى الاقتصادي والسياسي وينعكس هذا الوضع في غياب خطط وطنية مستقبلية لدى الطبقات الحاكمة واحلال مشاريع وهمية ثقافوية ودينية سلفية اذ ان هذه المشروعات غير قادرة اصلا على ان تدرك التحديات الحقيقة .

وبالنتيجة ادى التآكل التدريجي الى انهيار انموذج النظم السوفيتية في الشرق ونمط الدولة الوطنية الشعبوية في العالم الثالث وبزوغ ملامح موجة جديدة من التوسع الكولونيالي اذ ظلت اهداف راس المال المهيمن للشركات العملاقة هو السيطرة على الاسواق وفادتها من استغلال العمل في الاطراف حيث ان المشروع الجديد يعمل في اطار تغيرات بالغة، كما ان الخطاب الذي يغطي المشروع ويضفي عليه المشروعية صار يدعو الى نشر الديمقراطية وحقوق الشعوب .

ان تفحص مسار التوسع والتراكم الراسمالي داخل الحقل التاريخي يكشف لنا ان الهيمنة صفة دائمية لتشكيلات راسمالية المركز وموازنة قائمة على الطابع المبتور لراسمالية الاطراف اذ ان غياب الديمقراطية في جميع مناطق الاطراف يكمن في خصوصية التراكم الراسمالي على عكس ظروف التراكم في المركز التي انتجت شروطا موضوعية اتاحت تحقيق حلول اجتماعية وسطى بين راس المال والعمل .

فالمجتمعات الطرفية (مجتمعات العالمين العربي والاسلامي) خصوصا دخلت في مرحلة انحراف بنيوي عن خط سير التنمية منذ خمسينيات القرن الماضي، وبسبب هذا الفشل الاقتصادي والسياسي للدولة الوطنية الشعبوية اتخذت الانظمة السلطوية سلسلة من اليات الدفاع عن الذات (معاداة الغرب، الاصالة الاسلامية، الاشتراكية العربية كما حجمت وهمشت الطبقات الاجتماعية الحركية وبالذات الطبقة الوسطى (حاملة التنوير والديمقراطية) .

لذا فان ان عدم حدوث التراكم الراسمالي في المجتمعات الطرفية هو نتيجة اليات التوسع والتراكم في مجتمعات (المركز) وكان من الممكن في حالة حدوث هذا التراكم في تلك المجتمعات ان يؤدي دورا وظيفيا كحامل سياسي وفكري واجتماعي في قيام عناصر الفصل بمختلف اشكالها في المجتمع . بالاضافة الى ان الديمقراطية لم تتجذر في هذه المجتمعات لعدم استجابة البنى والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والمقاومات التي تتسيدها مؤسسة الدين وظلت في افضل الفرضيات ظاهرة مؤقتة . شكلية وجزئية وناقصة تظهر في بعض الحقب وخاصة في مرحلة الازمات او تتخذ شكلا شعبويا معارضا في الجوهر للفكر الديمقراطي .

يحدد عبد الله العروي ثلاث كيفيات رئيسية لفهم التاريخ العالمي ضمن الايديولوجية العربية المعاصرة (الشيخ الديني، رجل السياسة الليبرالي، القومي التقني) . اذ اننا نجد تعبيرات هذه الانساق تتشكل منذ القرن التاسع عشر وقد تم تحديد وعي المجتمعات العربية ذات المنحى الاسلامي من خلال هذه الكيفيات

1- الشيخ الديني: - يحدد التعارض الجذري بين الغرب والشرق في اطار الايدولوجية وداخل ثنائية مانوية صارمة (مسيحية / اسلام) وهو يشتغل على ميراث ضخم (تاريخي وفقهي) يعيد انتاجه على الرغم من اختلاف وتحولات المجال التاريخي اذ يرجع دائما الى حرفية الطقوس ويحاول ان يعثر فيها على اسرار القوة والضعف وقد انتهى هذا الشيخ الخارج من الصدمة الكولونيالية والفضاءات الليبرالية (محمد عبده) الى شيخ ظلامي، تكفيري، اصولي (اسامة بن لادن).

2- رجل السياسة الليبرالية : - حاول ان يحتل المسرح السياسي العربي ويحكم تلاشي الطبقة الاجتماعية او الشريحة التي كان يمثلها فقد تم اقصاؤه من الدولة والمجتمع بعد ولادة الدولة القومية العربية والتي ارست تكويناتها البرجوازية الصغيرة ذات النزعات الفاشية فقد (اختفى لطفي السيد) كموضوع في الحقل السياسي العربي .

3- القومي التقني البرجوازي الصغير: - الذي تشكل مع الانقلابات العسكرية وحاول بناء دولة قوية انحدرت من مشروع دولة وطنية او جنين دولة قومية الى دولة فاشية، عشائرية وقد نزعت هذه الدولة المجتمعات العربية الاسلامية من الحقل السياسي ونقلتها الى الحقل الرعوي هذا القومي التقني الذي يتبنى مشروع فخم (الاشتراكية، القومية، الوحدة) انتهى الى صدام حسين .

 

طبيعة الخطاب الديني الاسلامي

ان الاسلام كدين يستمد قوته من نظام الاشارات والدلالات الواسعة المعنى المبني على تأويلات متعددة سواء كانت فردية او اجتماعية للنصوص المقدسة وقد حول المجتمعات التي يهيمن عليها الى مجتمعات جوهرانية ثابتة لا يمكن ان تقبل التغيرات السياسي والاقتصادي اما على صعيد الخطاب الديني فنرى ثمة اتساع بين نظامين . نظام الاسلام التخيلي ونظام الاسلام التاريخي اسوة بجميع الأنظمة الفكرية هذه الفجوة المؤسسة بينهما المشبعة بالأسطورة تؤدي الى التوليد المستمر للأصوليات الدينية والسياسية اذ ان هناك اسلاميات تاريخية وشيع وطرق حركات وملل واسلام ميتا واقعي يؤسطر مرحلة مبكرة ويستثمر ليغذي الأنظمة السلطوية التوتاليتارية الفردانية الشمولية، هذه الخطابات والأنظمة الفكرية تقوم على ايديولوجية متخيلة وغيبية ماضوية تحكم مكوناتها الأساسية  والتي تشكل حضورهما في الخطاب الراديكالي وخطاب اسلمة المعرفة والمفاهيم والمقولات فالخطاب الراديكالي الأصولي هو احد انتاجات معضلات الحداثة واشكالية العصرنة يرى ان العودة الى الاصول التاريخية في تنظيم التفكير وقواعد السلوك والمنظومة القانونية والحقوقية والأجتماعي وتنظيم الدولة والسلطة عبر استخدام ميراث اسلامي ومنظومة دينية مضادة لهيمنة الغرب العلماني وحداث قطعية ومع حقل التاريخ البشري العياني .منظومة تعيد تركيب حقل التخطيطات للهوية والمجتمع والدمج بين الدين كمؤسسة اعتقادية والايمان كقناعات فردية وتؤسس وحدة الوجود الموضوعي وشرعية في حقل السلطة السياسية وهذا المشروع هجائي ومضاد للتاريخ .

في حيث يحدد خطاب اسلمة المعرفة (النص المقدس) كمعرفة ما فوق علمية واطارا للمعرفة الأجتماعية ومرجعية سريولوجيا محكما مطلقا بعيدا عن تأثيرات بنية المجتمع ووظائفه ودمج المعرفة العلمية والأقتصادية والاجتماعية .هذه المحاولة لتأهيل مفاهيم الحداثة والديمقراطية وايجاد تأصيلاتها في النص المقدس محكومة بـ رهانات سياسية .اكثر مما هي مرهونة الى التأسيسات المعرفية حيث تم انتاج مفاهيم الأشتراكة الأسلامية والديمقراطية الأسلامية ومشتقاتها .

فالأنظمة الفكرية الأسلامية (رغم تباينها في  التصورات تقوم على منظومة كلية يقينية قطعية تنفي اي اثر للجماعات البشرية في انتاح اشكالية وجودهم الموضوعي والمادي والتاريخي وتطرح مفهوم الديمقراطية (المفهوم الكوني) ضمن افق ميتافيزيقي بعيدا عن الاشتراطات التأريخية والبنى المجتمعية وتقوم باقصاء محتوياته الفكرية لكي يتطابق أو يتماهى مع البينية التكونية للاسلام حيث أن الانتلجنيسا الاسلامية تطرح مسألة العقد نسبية كـ تكوينات أولية ما قبل ظهور الدولة الحديثة وتحاول أن تدمج بين راسمال رمزي مطلق متعال وآليات سياسية نسبية تاريخية محققة انزلاق العقد الاجتماعي والسياسي بين الجماعات البشرية من صعيد التحليل العلمي النقدي الى صعيد التظليل الايديولوجي البراغماتي. حيث أن الفصل بين اسلام تاريخي مشروط منذ البدء واسلام تخيلي اسطوري واخضاع هذا الفصل للتفحصات النقدية للكشف عن العناصر الايديولوجية داخل المعنى المقدس ففي الاسلام التأريخي كمنظومة عقائدية توجد كتلة من التمايزات اللاهوتية والسياسية والقانونية وأي عملية لإعادة انتاج نظام الانظمة للهوية الاسلامية هو الوقوع في فخ تاريخي يرافق ذلك أعادة انتاج الاشكاليات الفكرية والسياسية والفلسفية والاقتصادية لهذه الانماط المتعددة. وهنا تكمن ازمة خطاب الاسلام حول الديمقراطية كيف تتم العودة الى اسلاميات تشكلت وفق نظام ابستمي معين (رؤية للعالم والتاريخ) ووضعيات اجتماعية – اقتصادية داخل تحديدات مادية؟

كيف يتم تحويلها الى تمثيلات قانونية وتشريعية؟

أن الخطاب الاسلامي السياسي يؤكد على الفصل التام بين النص التأسيسي الأولي والتجارب التاريخية هذا الفصل يقع في مفارقة بوصف التجارب التاريخية خارج النص ما يؤدي الى تحطيم الخطاب التأسيسي والدخول في عملية جديدة من الادلجة والهيمنة. أن هذا التميز والفصل اشكالية تقع فيها الجماعات الدينية السياسية إذ تنظر الى النص الديني الاولي بوصفه نصا مطلق لا يحمل في بنيته بصمات التاريخ الثقافي أو اللغوي أو الفلسفي ويجري توظيفه ليلعب دور عامل ضبط سياسي سلطوي قانوني داخل بنية المجتمعات العربية والاسلامية والتأكد على هذه المسالة هي من اختراع الجماعات السياسية الدينية الأسلامية التي تدمج بين الأراء والأفكار السياسية والقانونية والمعتقدات الدينية رغم انهما خطابات متمايزة يتأسس لكل منهما حقله اللغوي والثقافي .حيث ان المساواة لا تتحقق الا باحتجاب عنصر الانتماء الديني في تحديد محتوى القواعد القانونية وضبط مجالها ومحمولاتها الأيديولوجية

 

الديمقراطية العراقية وفخ المقدس

تحت وطأة المشروع الأمريكي تحاول الأنتلجتسيا العراقية الإسلامية ايجاد توافق وتماثل بين الأسلام / الديمقراطية .حيث ان قراءة اليات التحول في الخطاب السياسي لهذه الجماعات يكشف ان هذا المتغير ليس له علاقة بمشروع بناء الدولة الديمقراطية وانما السعي الى حيازة سلطة سياسية عن طريق الأنتخابات اي دعم مشروع سياسي محسوم سلفا لصالح الأغلبية الدينية او الطائفية يسبب ركود البنى والتكوينات الأجتماعية والأقتصادية والسياسية للمجتمع العراقي وستنفار وهيمنة الهويات الطائفية القومية والدينية والاثنية .

لكون الحركات السياسية في المجتمعات الطرفية تقوم دائما باعادة انتاج الاستخدام الإيديولوجي للمعنى المقدس وذلك عبر ايجاد صيغ توفيقية بين البنى السياسية والبنى الدينية وتقديم قراءة براغمانية للنصوص الدينية .فقد استخدمت الحركات الدينية السياسية الأسلامية ابان انتخابات 2005 شعارات وعبارات ذات متحى ديني تنتمي الى عالم ما بعد الطبيعة وهذا يناقض اسس الديمقراطية .ولم تتم اعادة تشكيل الهوية العراقية .او ايجاد المجال السياسي للديمقراطية بما ينسجم مع هذه الهوية عبر خيارات دستورية او رمزية او سياسية او قانونية تحدد العلاقة بين الدين والدولة

لاحدات تكيفات في البنية الأيديولوجية والسياسية لخطابات التيارات الأسلامية والتيارات العلمانية وتجاوز العقلية الأقصائية التي تتسم بها هذه التيارات فقد عملت هذه التيارات الدينية السياسية على (تسيس الدين وتديين السياسة) مما يعطي دليل على ان هذه الجماعات تفتقد لمفاهيم الدولة الحديثة وفكرة القانون المدني لذا فان ازالة سحر العالم عن الواقع المجتمعي العراقي هو للكشف عن اليؤسس الدنيوي للحركات السياسية الدينية والتي تحاول بطرق متعددة الربط بين المقدس والمدنس سالسياسي واعادة تأهيل مفهوم الديمقراطية وتاسيس عناصره في المجتمع العراقي بعد ان خضع لجملة من التصورات والاختلاطات المعرفية والمعاني المتناقضة وهذا المسالة لا يمكن حلها الا بفتح نقاش حول هذا المفهوم التاسيسي واعادة تحريره من كل التصورات والقوالب الجاهزة والتي روجتها الايديولوجيات الاسلاموية التي تهجي البعد الانساني والاخلاقي والقيمي حيث ان الديمقراطية كتشكيل مجتمعي وممارسة تقوم اولا على اختيار ثقافي لصالح العقلانية في حيث نرى المجتمع العراقي يتمركز حول هويات سياسية اقلوية تعيد اكتشاف القيم البدائية الما قبل الدولة وتعاني الرفض المستمر للاخر الثقافي والسياسي والديني تحت تاثيرات الهوس الاسطوري للاصوليات الدينية والسياسية . وهنا نصل الى فرضية ان الحديث عن الديمقراطية في العراق هو هرطقة منتحلة .

 

الدين "الاسلام" الديمقراطية .. اعادة صياغة

ان تأسيس الديمقراطية في المجال السوسيوبوليتيكي للمجتمعات الاسلامية لابد ان يعتمد النظام المؤسساتي في اعادة صياغة شبكة العلاقات بين الدين / الديمقراطية بوصفها علاقات مركبة وانتاج حقل التاريخ اي خلق انساق بين العوامل الموضوعية المادية (العلاقات الاجتماعية، انماط الانتاج، الحداثة، التحضر) والعوامل الايديولوجية وهي ترتبط بنمو النسق القيمي للمجتمع المدني والبنى التخيلية والاقتصادية والسياسية للجماعات التي يتكون منها المجتمع . وذلك لكون الديمقراطية كمفهوم هي الوريث الشرعي لعصر التنوير الاوربي والتي لا يمكن ان تولد في المجتمعات الاسلامية بعملية قيصرية بدون ان ترافقها عملية علمنة الافراد والمؤسسات وايجاد الفرد/ الانسان كذات مستقلة وليس كتلة هلامية مندمجة بالامة او الجماعة وتحويل القانون والتشريع الى قاعدة تعاقدية في تشكيل الدولة الحديثة . ويطرح المفكر طارق رمضان أربعة مبادي حول الديمقراطية وهي دولة القانون والمساواة في المواطنة والتدوال السلمي على السلطة واحترام التعددية يرافقها تفكيك واعادة انتاج النظام المعرفي الديني والذي هو شبكة التصورات التي كونتها الجماعات الدينية السياسية ومجمل المسلمات . الضمنية اليقينية التي تتحكم بنمط الانتاجات الفكرية دون ان تظهر على السطح والتي يطلق عليها ميشيل فوكو اللاوعي المعرفي وتبلور كنظام فكري ورؤية للعالم تستمد سيروتها من سياسية الاستيهامات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والميتافيزيقية حول الله / الانسان / العالم وصياغة وتحديد العلاقة ين الانسان / الرب والانسان / الانسان غير نظام حقوقي وقانوني .

وايجاد علاقة جديدة بين الدين / السياسة وموقعها من نظام الواقع الاجتماعي واحداث قطعية بالمفهوم الالتوسري داخل الكتلة المعرفية للنظام الديني الاسلامي قطيعة تستجيب لاحتياجات عالم الحداثة وقيام عناصر الفصل بمختلف اشكالها في المجتمع " المجتمع المدني، المجتمع السياسي، السلطة القضائية، السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية " والتي تمثل حجر الزاوية في التاسيسات الاولية للديمقراطية وحذف التمثيل الديني والقومي والطائفي وتحجيم التكوينات العشائرية وخلق شخصية مدنية وتحولات جذرية الى ثقافات حديثة فضلا عن استبعاد كل فاعل تاريخي مفارق وتحرير العقلانية من كل تبعية للاهوت سواء كان مفارق للانسان او محايثا والاعتراف ان الناس هم صانعوا التاريخ . واحداث تغيرات في النظام المجتمعي عبر تحسين التعليم وتحديث الانظمة الفكرية ودمقرطة السياسة واضعاف تاثيرات القادة الدينيين وتكريس المواطنة وتعدد مصادر التشريع بوصفها مصدر ديناميكية العملية السياسية والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية ويمثل جزءا من التوازنات الثقافية في حين تكريس راسمال رمزي اعتقادي كتمثيلات دستورية وعقد اجتماعي يمكن ان يغذي التمزق والفوضى داخل العالم الواقعي للمجتمع العراقي .

ونقد مفهومي الاغلبية الدينية او الطائفية والاقلية الدينية او الطائفية لكونهما نتاج اسطورة المحاصصة والتوافقات السياسية وتصورات مجتمع اهلي لم يتشكل كمجتمع سياسي ولم تتبلور فيه الدولة السياسية ويتغذيان على قاعدة بنيوية ضخمة من الاحباطات والانكسارات لافتقار المجتمع العراقي للوحدة البنيوية والتسارع في عملية التمايزات وبروز النزعات الفرعية والانقطاع في التسلسل الاجتماعي وهذا يتناقض مع فلسفة الديمقراطية التي تقوم على التعايش بين الجماعات الاجتماعية بعيدا عن الانتماءات الدينية او الطائفية او القومية .

 

 يوسف محسن

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1203 الثلاثاء 20/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم