صحيفة المثقف

دوشامب .. احد زعماء التمرد والفوضوية / كاظم شمهود

واكثرهم من  نادوا بالحداثة فكان من اعمدة الحركات الثورية التمردية والفوضوية كالدادئية والمستقبلية . كما كان من دعائم الفن السريالي .. ... وقد سخر دوشامب من الفنون التقليدية المعاصرة والاثار الفنية التي تغص بها المتاحف .. كما سخر من الفلسفات الجمالية التي عاشت تحت المفاهيم القديمة .. وكان جريئا ومعتدا بنفسه وبعمله، وهو يشبه في مواقفه الفنان  كوربيه صاحب المدرسة الواقعية، الذي سخر من معاصريه ..وكان كوربيه يساريا ومن دعاة الجمهورية ضد الملكية .  حيث دفعه حماسه وتمرده الى الانظمام الى الثوار الفرنسيين ... وكذلك دوشامب كان من انصار الثورة الروسية ..

لقد فاجئ دوشامب معاصريه باسلوب غريب غير تقليدي  حيث استخدم فكرة الاعمال الجاهزة بدلا من عمل التصوير التقليدي والمعتاد عليه . حيث عرض قطعة حامل قوارير المصنوع من المعدن  الذي يباع في الاسواق التجارية ووقع عليه  ـ 1914 ـ كما استخدم مبولة جاهزة ووقع عليها وعرضها ...و كذلك اشترك مع الدادائية عام 1920 في لوحة منقولة  لموناليزا حيث وضع لها شوارب وذقنا، اعلانا منه للسخرية من الفن القديم  ........  وقد فتح الباب بهذا الاسلوب الى الفنانين المعاصرين في استخدام تقنيات حرة ومواد متنوعة ومفتوحة للخيال دون تقيد . كما عمل على التقريب بين مذاهب التصوير والنحت .... وكانت اعماله مصداقا لافكارة الحديثة حيث خرج على كل شئ .... وكانت هذه التيارات الثورية المتطرفة جاءت كرد فعل للحروب والدمار الذي لحق بالاوربيين .. حيث  رأى بعض الشباب المثقف من الادباء والفنانين بان الثقافة الانسانية والقيم الاخلاقية في اوربا التي ناضل من اجلها الانسان طيلة القرون الماضية لم تستطع من ايقاف الجنون المتصاعد للدعوة الى الحروب ...

وكانت الحرب العالمية الاولى 1914 وما نجم عنها من ويلات ودمار وقتل ملايين الناس ...  قد اثرت بشكل مباشر على حركة  الفن  حيث ظهرت حركات فنية احتجاجية متطرفة ترفض الحرب وترفض  التقاليد والاعراف الفنية القديمة ...

 

يذكر بعض المؤرخين والنقاد   بأن الفترة المحصورة بين الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية ، كانت من اجمل المراحل الابداعية  الفنية التي مر بها الفن الاوربي الحديث وينعتها البعض الآخر  بالعصر الذهبي .

كما  يذكر بانه بعد الحرب العالمية الثانية انطفت شمعة الابداع وشق على الرسامين ان يرسموا بالبراعة المعهودة وهدأت  حركة الرسم والنحت في مسيرته  الشابة . اما الفنانون المسنون فقد كان نشاطهم ضئيلا جدا ...

و يقول  المفكر جان كاسو في كتابه ـ وضع الفن الحديث ـ (لقد اخذ الفنان موقف المتمرد والفوضوي والهوائي . ولقد اندفعت الاشكال والاساليب نحو الحدود القصوى بقوة الرفض والتخريب . هذه الانقلابات الرهيبة اثارة القلق والرعب ...)  وكان الفنان الحديث قد رفض الواقع وهو ما سبب صعود في ازمة الثقة بالموروث الثقافي والفني  بشكل كبير .. كما ادى   هذا النوع من التطرف الى زعزعة الثقة بين الفنان والجمهور . فقد ذكر الناقد جوليان (ان الفردية الفوضوية هي من اهم الاسباب  التي ادت الى انفصام العلاقة بين الفنان والجمهور ..)

وفي هذا الاتجاه التمردي اصبح الفن خاليا من كل مضمون وابتعد عن القيم الجمالية ولم يعد الانسان اساسا ومقيلاسا  كما كان عند الاغريق، ولم تعد الطبيعة مصدر الجمال الفني كما كانت عند سيزان ورينوار وغيرهم ..

لقد ضاقت الحياة بدوشامب في فرنسا فقرر الرحيل الى نيويورك واستقر فيها  وتجنس ونشر عدة مقالات عن الدادائية  وهناك انظم الى جماعة stieglitz  واشترك معهم في المعارض التي اقاموها ونقل لهم افكاره واسلوبه التمردي  والاحتجاجي ..

و يذكر ان الدادائية ولدت عام 1916 في باريس في كافيتيرية فولتير وان غالبية الشباب كانوا من الادباء والفنانين اغلبهم هرب من الحرب العالمية واتى الى باريس وكانوا يخططون ضد الحرب وضد الطبقة البرجوازية وضد الفن باسره الذي لم يعد شيئا نافعا حسب رأيهم الا انه صورة من الماضي ... وقد كتبنا عن الدادائية في مقالة سابقة نشرت في صحيفة المثقف .. 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2211 الاحد 26/ 08 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم