صحيفة المثقف

قصص قصيرة / حنون مجيد

- ما الفرق بيني وبين هوميروس؟

ردّ عليه:

- الفرق أن ذاك حينما كان يقول الشعر، كان النحل يتجمع على شفتيه.

بغداد 1/8/2011

 

تعاقب أحوال

الطريق ملتفّ طويل، والجو لاهب يفور، والحافلة تمضي من دون أن تعبأ هي وقائدها بما ينتابه من ضيق، وكان كلما نهض أو أراد النهوض ليغير مجلسه، تغير مسار الحافلة ودارت مرة نحو اليمين وأخرى نحو اليسار، وبين أن يترك مكانه المتوهج ليجلس في ظل وارف، وبين أن يمكث في مكانه الجديد، كانت العربة تمضي دوّارة ملتفة كأفعى هائجة فتتلون عليه الظلال والشموس وتتعاقب عليه الاحوال.

عمان 27/7/2011

 

أم

قبل هنيهة كان آلم قلبها، عصره بشدة وكأنه انتزعه من بين اضلاعها وسار به الى لهيب النار، لكنها حينما عثر، صاحت من عمق قلبها الكليم :

"اسم الله"

بغداد 13/8/2011

 

سكرّكِ أنتِ

طلب الرجل السبعيني من زوجته الستينية ان تعدّ له فنجاناً من القهوة ليقاوم به نعاساً طرأ عليه.  نهضت المرأة ومضت تحضّر له طلبه.  حين غلت القهوة وصبتها في الفنجان نادت عليه :

- أتريدها مرّة ام بالسكر؟

ردّ متغزلاً بجمالها المستديم :

- بالسكر، ولكن سكركِ انت لا سكر السوق.

بغداد 1/8/2011

 

غنيمة هذا اليوم

عندما احس الرجل دنوّ أجله يدبّ مسرعاً اليه، ورأى في حديقته أسراب النمل هائجة تبحث عن طعام، اقشعر بدنه المرّ وزاغت نفسه العاتية، فألقى اليها ما كان بيده من طعام حلو قائلاً :

- اليكم بغنيمة حلوة هذا اليوم، قبل أن تلتقوا على غنيمة مرة المذاق غداً.

بغداد 7/9/2011

 

فرصة

في لحظة مفاجئة حلّت على صفحة دفترة، بريئة غير مؤذية، كلما أنعم النظر فيها، وجدها صغيرة لا تفقه الخطر المحدق بها.  ولو اطبق دفتره عليها لصارت نقطة سوداء تشبه في تلاشيها واحدة من نقط رورشاخ لاختبارات الذكاء. حينما سكنت واستقرت تماما هناك، لم يفعل شيئا يؤذيها، لقد اعطاها فرصة لتقرأ حروفه عنها.                        

بغداد9/9/2011

 

ذنب

لفرط توهجه في حبها وهيامه فيها، كانت تظن عاطفته الشماء رغبة فيها، وإنه الذئب الذي سيأكلها، كاد يقول لها أنا لست ذاك، وإنني لست الذي تتوهمين بيد إنه من حزنه الكثيف طوى صدره على غصّته وسكت.

بغداد 14/9/2011

 

احتفال بموت

لم يعرف أحد لماذا اغتمّ لقلق القرية الكبير ذلك اليوم، فلقد ظل صامتاً منفرداً طوال الصباح، ثم غادر عشه في طيران قصير نحو بركة قريبة. هناك غسل جسده ونشر جناحيه للشمس والريح، ثم ما عتم ان سلّك ريشه بمنقاره الطويل فصار زاهياً كقطعة ثلج.  لم يلبث طويلاً حين طار ثانية واعتزل بركة نائية، وعلى نقطة من ساحلها الممتد، أقام قامته المديدة ولمّ جناحيه المذيلين بالسواد، فأمسى كما لو أنه في انتظار قادم قريب.

لم يعرف أحد سر الأسماك الصغيرة والضفادع والديدان، التي توافدت عليه وطفقت تلعب بين قدميه، ولا سرّ هيامه عنها وتطاول رقبته نحو البعيد. . لا سرّ نظراته الغائمة ولا غمغمات حنجرته المحتقنة. . لقد ظل ذلك سرّاً حتى موته بعد ذلك بساعات.

بغداد  18/9/2001

 

جوع كريم

اختار العجوز موقعه في آخر العربة تحسباً لجوع قد يدهمه فيأكل طعامه بعيداً عن انظار الركاب. مع مضي ساعتين على الانطلاق جاع فأخرج من حقيبته اليدوية لفافة طعام. عندما قضم أول قضمة منها وجعل يمضغها برويّة واستلذاذ، شاهد طفلاً في مقدمة العربة فتل جسده نحوه يراقب الحركة المتمهلة لفكيه الادردين، وينظر الى طعامه الذي بيده ويتحلب لعابه عليه.

ارسل نظرة تعبى الى الطفل، شاهد حجم رغبته في الطعام والجوع الذي يسكن عينيه.

كانت نظرة الطفل ما تزال مشدودة الى نظر العجوزالذي كف عن طعامه   "اللذيذ"، وكان نظر العجوز ما يزال منشدّاً الى "قرينه " البعيد يتحلب لعابه في فمه، وفي عينيه الناعستين الآن تضرّع اليه ليعود يأكل من جديد.

في تمهل طويل موجوع، مضى العجوز يراقب انطفاء نظرة الطفل وانكفاءه نحو حضن امه ليختفي هناك، في الوقت نفسه كانت ثمة يد تتطاول رويداً رويداً نحوالشباك لتلقي بطعام على رصيف ترابي منفتح على خلاء مفتوح. بغداد 20/9/2011

 

العربة ماضية

في عربة عامة تذكر الرجل، لا يدري كيف، بدلته الملونة التي سرقت قبل ستين عاماً يوم كان صبياً. كانت جديدة لم يمض على شرائها ثلاثة ايام ارتداها خلالها مرة واحدة.  عجب لهذه الذكرى المرة كيف نزت وكان جزء من وخزها القديم قد تسلل مرهفاً الى قلبه الكبير، أيقظه على صورة ما كان اشدّها يوم ذاك على قلبه الصغير.في لحظة أخرى ومع ارتجاج العربة على طريق عكر زهد الرجل بذكراه فاستدرك مخاطباً نفسه، لا حزن بعد الآن، إذ لا بد ان تكون البدلة صارت هباء والرجل سارقها رميماً بل تراباً، وانت ستكون ما ستكون، فلا تبتئس على شيء مضى.  العربة ماضية والاشياء تتراجع للوراء.

بغداد 20/9/ 2011

 

فراغ

عندما تكون العاشرة حلت، يكون الصديقان غادرا الدائرة.  في طريقهما الى موقف السيارات ينعطفان نحو مخزن يبتاعان منه علبتي شعير، يحتفظان بهما حتى ساحة محلية غالبا ما تكون خالية هذا الوقت.  هناك يقتعدان واحداً من مقاعد كثيرة يشربان شرابهما عليه ويتحدثان في امور حميمية كثيرة. وكثيراً ما حسبا ذلك متعة هادئة غير منظورة وفرصة لصداقة مشتدة. ذلك اليوم والايام التي تلته أضحى واحد منهما يظهر قاطعاً طريقهما المشترك وحيداً، ممسكاً بعلبة شعير واحدة، يجلس على طرف من المقعد كما لو مفسحاً مكاناً مناسباً لقادم عزيز ، عندما يرفع غطاء العلبة ويشرب على مهل شرابه المر يلتفت حيث الفراغ قبالته وغالباً ما كان يُرى يواصل حديثاً هامساً يكلم به شخصاً لا يدور الا في مدى عينيه.

بغداد 20/9/2011

 

انتظار

ينثر "علي" كل صباح مبكرخليط الدخن والماش والهرطمان، فتجتمع عليه الطيور. من زجاج نافذة شرفته، يتفرج "علي" على الطيور تلتهم حبوبه بجدية صامتة ولكن عارمة.  ينتشي إذ يرى ذلك ويعدّه جزءاً من سعادة بريئة وطريفة معاً. ذلك الصباح وفي محيط الشرفة تناثرت الطيور فرادى وجماعات على اسلاك الهاتف والكهرباء، انتظاراً لما تجود به يدا "علي". كانت ساكنة تماماً بالرغم مما بات يسود نظراتها من قلق الإنتظار، كان اللون الرمادي المعتم يغطيها ويتآلف مع تباشير أول الشتاء.

14/10/2011

 

ذلك اليوناني الرقيق

ساومه على سعر دمية للاطفال مما يبيع في كشكه الصغير، قائلاً ان دميتك غالية، أجابه، إن هذا هو سعرها ولن تجد أدنى منه.  وبالرغم من لهفة البائع للبيع، ساومه مرة أخرى فامتنع عن بيعها الا بسعرها الذي صرح به اول الأمر. حين صدرت منه عبارة انها لطفلتي في مكانها البعيد، رقّت معالمه وتطامنت أنفاسه وتلاشى الشد العصبي الذي كان يوتّر عضلاته، فرد عليه بما لا يقبل الجدال : خذها بلا ثمن فهي هدية مني لابنتك.

14/10/2011

 

سؤال

ماذا تظنيننا لو التقينا يوماً في غاب أو صحراء، أنبقى أحياء؟

14/10/2011

 

لك ولهم

لك ألبس أجمل ملابسي، لك أتعطر ولك أكتب أجمل قصصي، لغيرك لا ألبس جديداً، ولا أسفر عن وجهي ولا أكترث.

14/10/2011

 

في متنزه الزوراء

في متنزه الزوراء يختلط الأطفال، يتبادلون الفرح والمرح وقد يتبادلون الهدايا والأمنيات. الوحيد الذي يظل غريباً عن الجميع، الطفل الذي يبيع حاجات الكبار ولا يجد من يلتفت اليه.

14/10/2011

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2216   الجمعة  31 / 08 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم