صحيفة المثقف

الاختلاف بالرأي السياسي/ مجلس النواب العراقي أنموذجا / علي محمد اليوسف

سواء اكانت على صعيد الموقف الوطني المسؤول في الممارسة الفردية لشخص او عضو مجلس نواب مستقل حزبيا، او جاءت على صعيد عام اوسع ممثلة باختلافات برامج وعمل الاحزاب العراقية والمنظمات والتشكيلات السياسية على لسان ممثليهم الاعضاء في مجلس النواب او خارجه، وهذ الاختلاف تقليد دستوري يكفله القانون والعملية الديمقراطية.

الاجتهاد الاختلافي بالرأي السياسي المؤطر بالصيغ الديمقراطية السليمة الذي تحركه دوافع المصالح العليا للبلد انما يقوم على مبدا متعارف عليه معمول به في جميع دول العالم الديمقراطية على اختلاف وتنوع تجاربها هو الحوار البناء الهادف للوصول الى مشتركات وتوافقات سياسية تمثل حصيلة مختلف الاراء، واعطاء البدائل التي يؤخذ بسلامتها وصوابها في التنفيذ والتطبيق على انها افضل الخيارات المتاحة في اقرار مسألة ما او سن قانون او الموافقة على تشريع، وهذه الآلية البرلمانية الديمقراطية تكون عامل قوة وحصانة للمسيرة السياسية والديمقراطية من الانحراف وكذلك دعم الحكومة في تقدم البلد والتسريع في بناء مؤسساته وادارة شؤونه بما يحقق هدف الصالح الوطني العام. اما ان يكون الاختلاف بالرأي السياسي قائما على ممارسات وتصورات وطروحات معرقلة لعمل الحكومة، وتنافسات انتقامية تشهيرية غير قانونية ولا دستورية تصل في بعض الأحيان ادنى درجات السلوك اللاوطني في سعيها النيل من الرأي الاخر او الجهة المختلف معها عند ذلك يخرج الاختلاف بالرأي عن إطار العمل السياسي الديمقراطي النزيه والنظيف ليصبح نوعا من منازعات ومناكدات كيدية تضرب مواقع حساسة محرمة تحت الحزام، وتطعن القلب غدرا من الظهر، امثلة هذه الممارسات وجدنا تطبيقاتها العملية لدى إبطالها الذين كانوا أعضاءً يجلسون في مجلس النواب او وزراء ، وأعضاء قياديين بارزين في حركات سياسية مختلفة، أو موظفين مفسدين بدرجات خاصة وادنى وحتى إعلاميين طارئين أيضا. وبعد افتضاح أمرهم لاذوا بالفرار خارج العراق، ولا يزال بتفاوت نسبي القياس بعض من هم متواجدون ألان في مرافق الدولة ومؤسساتها العليا التشريعية والتنفيذية وربما القضائية أيضا ممن هم على شاكلة الهاربين وربما أسوأ منهم في بعض الممارسات والتصرفات السياسية والإدارية غير المسؤولة.

الرأي السياسي ألاختلافي المنزه البعيد عن الركض المستميت خلف تحقيق مصالح شخصية ذاتيه أو مكاسب سياسية حزبية صغيرة يحركها التخندق الطائفي أو القومنة الناشئة في جني المكاسب غير المشروعة. الرأي السياسي ألاختلافي المبدئي الذي يضع مصالح الشعب العراقي وتأمين استقراره وسيادته ووحدة أراضيه في صلب عمله السياسي وفوق كل اعتبار ويجد في امتلاك العراقيين زمام أمورهم وإرادتهم وإدارة شؤون بلدهم باستقلالية كاملة بالاعتماد على إمكاناتهم الذاتية بعيدا عن التأثيرات الخارجية وتدخلات دول الجوار يرى سر نجاحه بالتفاف الناس حوله وديمومة بقائه على رأس السلم التسلسلي لقائمة الأحزاب والكتل السياسية التي ينفرز الأفضل عنها عبر صناديق الانتخاب، ويكون حتما مستقبل العراق الديمقراطي الجديد إلى جانبه، ومسيرة التاريخ الوطني العراقي معه.

إما الاختلاف بالرأي السياسي الذي يعمد خلط الأوراق وإشاعة فوضى التصريحات وإبداء الرأي غير المسؤول، وتغييب الحوار الهادف البناء، وإضاعة فرص بناء واستقرار وتقدم العراق سياسيا ، اقتصاديا، ثقافيا، اجتماعيا وتعطيل فاعلية دورة الحياة الطبيعة المنظمة في عمل الحكومة وفق القانون والانضباط الذاتي والدستوري فهو بالتأكيد ومن أي جهة جاء وتحت أية مظلة أو غطاء استتر فلن يكون بالمحصلة النهائية غير عامل تهديم وعرقلة وتخلف يؤسس لتعطيل أي توجه جاد لمعالجة مشاكل البلد الحيوية، وتغييب التفكير العلمي والممارسة الحضارية ولا يقيم وزنا لسيادة القانون والحق والعدل والمساواة وكفالة حقوق وواجبات المواطن في أطرها التنظيمية القانونية، ومن امثلة الرأي السياسي المنحرف:

  • حدوث انشقاقات داخل الكتل والأحزاب السياسية وظهور تحالفات واصطفافات كرد فعل على انحراف وافلاس منهج سياسي لقائمة يفتقد التطبيق او لحزب سياسي بعيد عن الالتزام بالمصالح الوطنية .
  • اعتياد اعضاء بعض الكتل السياسية من مجلس النواب مغادرة قاعة الاجتماعات باستمرار للإخلال بالنصاب الكامل في عرقلة اماكنية تمرير التصويت على قرار قوانين مصيرية لا يجد مصلحته وحصة السبع منها له ولكتلته السياسية، وهذه القوانين الهامة لايخدمها عامل التأجيل لمرة واحدة او مرات عديدة ابداً.
  • التمتع باجازات مفتوحة والاقامة شبه الدائمية خارج العراق بغية التملص والتخلص من تبعات تصويت او مناقشة امور وقوانين هامة جدا كي لا يؤشر عليه في حال الحضور واقرار بعض القوانين والتشريعات التي له تحفظ مصلحي خاطئ تجاهها من التأثير على مستقبله السياسي غير ما يؤمن له الانتهازية الدائمة والجلوس المستمر على التل والتزام الصمت في وقت يراد به ابداء الرأي الحاسم.

الرأي السياسي الاختلافي الهدام يعتبر اللقاء والحوار مع الاخرين من حملة الرأي المخالف بغية توحيد الجهود للوصول الى قناعات تأخذ حيز التنفيذ والتطبيق مضيعة للوقت في حال عدم فرض رأيه وهيمنته في معارضته ومزايداته الفارغة، ويبقى الوصول الى قواسم مشتركة مع الاخرين في اخر اهتماماته، فتجده يجد في اساليب المناكدة الكيدية ولفت الانظار وتغذية عوامل الجهل والتخلف في المجتمع ضالته التي يبحث عنها واحيانا يعمد الى الاصطفاف في كسب مظهري استعراضي وطني مشرف مع معاناة المسحوقين والمظلومين في التجاوب مع عواطفهم وأهازيجهم وهتافاتهم في الترويح عن انفسهم في التظاهرات وامام كاميرات التلفزيون، وكأنما حلول المشاكل واصلاح امور الناس لا يأتي الا بالصراخ الاعلى في الشارع وليس في مجلس النواب.

ان الرأي السياسي الذي تعامى عن مصير ومستقبل هذه الممارسات الخاسرة وامثالها سيجد نفسه طال به الوقت ام قصر خارج حركة العراق التاريخية الديمقراطية، في تحقيق قيم ومبادئ الخير والوطنية الصادقة النبيلة والاهداف الشريفة التي لا يتم تحقيقها الا بوسائل وادوات ونوايا تنفيذ شريفة ايضا وسلوك وطني عراقي مستقل ومسؤول.

الاختلاف السلبي المنحرف بالرأي السياسي عدته سلاح الفوضى والتسبب في هدر دماء الابرياء وتقوية بقايا الارهاب المهزوم بما يلحق ضررا كبيرا حين يتم التمشدق الفارغ باعادة كل فرع في السياسة الى الاصل ويعلل كل اختلاف مصطنع زائف ان الاحتلال يقف  وراءه. حتى بعد توقيع معاهدة الانسحاب من المدن وفي طريق الانسحاب من العراق من دون رجعة.

في هكذا نوع من الممارسات السياسية المعرقلة التي لاتجد مصالح العراق الوطنية الخالصة حاضرة ، اذا ما سادت وبتوجيه ودعم من دول الجوار شريعة التعصب الضال الذي يحاول رسم مستقبل اطفالنا والبلد وتسيير شؤوننا ومفاصل حياتنا بما يجعل من حركة الحكومة في أي مفصل من مفاصل الحياة مجالا مقيدا بـ (فيتو الرفض) الغير مبرر، عصيا عسير التحقيق وسط ظلام متلاطم من زبد المزايدات الكاذبة الفارغة التي تطعن مصالح العراق علانية كي تظهر بمظهر الحريص الوطني المزيف امام مناصريه من السذج.

ومن سمات الاختلاف السلبي بالرأي السياسي الذي يتغذى الفوضى ويعتاش على التخلف والفساد والافساد الذي لا يفهم ولا يجيد الحوار البناء التنفيذي العملي فانما ميادين معاركه الحقيقية حسب فهمه تكون شوارع الناس الامنين الساعين وراء لقمة العيش والرزق الحلال بتسهيل عمل الارهابيين والتكفيريين حتى من دون اتفاق معلن مكتوب. حين يصار الى اشغال الحكومة والبرلمان بمهاترات سياسية ومزايدات نقاشية جانبية لامعنى ولا قيمة لها وتسهيل مهمة العنف الاجرامي بحق الشعب العراقي وبذلك يكون الراي السياسي المعرقل هو المسؤول مسؤولية كاملة في تعطيل العمل الجاد البناء وتفويت الفرصة على الذين يريدون اقامة أي ركائز لاعمار البلد والنهوض به وتحريره من تدخل دول الجوار بشؤونه والوصاية عليه ودورهم التخريبي في اعاقة المسيرة الوطنية الديمقراطية للعراق. الاختلاف السياسي المنحرف يرفع المزايدات الكاذبة والبعض من داعميه يجلسون في مجالس اتخاذ القرارات المصيرية في مجلس النواب ومؤسسات الدولة العليا، فهو يريد فرض الامر الواقع غير المستقر في المجتمع كي يفرض على الناس بعوامل التخويف والتجهيل فرض الاراء والاجندات القاتلة وربما ينزلق بعض الناس في تأييدها وتنفيذها. وكل ما ذكرناه عن الراي السياسي المعرقل يكون سببا رئيسيا مباشرا في ادامة تخلف العراق  وتنشيط اعمال الارهاب ونشر الفساد والافساد في كل مرافق الدولة وتعطيل المصادقة واقرار القوانين المصيرية الهامة التي تؤسس لعراق عصري متمدن والوصل بالعملية الديمقراطية السياسية الى طريق مسدود. لكن الانتخابات القادمة حتما ستكون فيصلا بين بقاء الصالح ومغادرة الطالح.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2220 الثلاثاء 04/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم