صحيفة المثقف

يوم في حياتي / نجاح العابدي

الان فقد فتحت عيني على الدنيا في منزل يعج بالخوف ? منزل متهالك الجدران في حي ترامت المساكن فيه هنا وهناك في ناحية (المشخاب) في محافظة النجف الأشرف.

في ذلك العهد القديم من عام (1993)كان الفتور والانكسار صديقاً لي حين يعسكر الليل وتدلهم ظلمته فتغزو فؤادي هموم لا عهد لي بها لم أكن في ذلك الحين أعيش كسائر قريناتي كنت انظر إليهن دائما بعين الغبطة حين يلعبن أو حين يلبسن ملابس جميلة أو عندما أرى أحداهن تمشي برفقة والدها ، كنت افتقد حنان وحب الأب كثيراً.

وفي يوم من أيام حياتي المريرة في منزل والدي كان عمري حين ذاك خمس عشرة عاماً كنت جالسة حلى حافة النهر المحاذي لمنزلنا ساهمة سارحة في عالمي الملكوتي الجميل وكان لوقع تلك الذكرى الأثر الكبير في ما أنا عليه وإذا  بي اسمع أصوات صراخ أتيا من البيت ركضت مسرعة باتجاه الفناء  لأرى والدي (الجلاد) يتهالك مجدا بضرب أخي بعصاه التي طالما تلوت على أجسادنا جميعا ...

هرعت والدتي وعمي لإنقاذ أخي الذي أخذت الدماء تسيل من رأسه لتنهمر مغطية  وجهه،وما ان انتهى الدور البطولي لوالدي الذي كان يحب دائما ممارسته علينا انا واخوتي كونه اعتاد على ضربنا ضرباً مبرحا لأتفه الأسباب.

قمت بتنظيف وجه أخي وتعقيم جروحه  وعرفت انها  أن أخي تشاجر مع ابن رجل من وجهاء العشائر واحد شيوخها، واثناءها ضرب ذلك الشاب أخي وكسر إحدى يديه واسقط اثنين من أسنانه .تالمت لذلك كثيرا لانني كنت ادري أننا ما زلنا صغارا على مثل هذا الضرب والتعنيف ومن هم في عمرنا يغمرهم السبات في أحضان البساتين المجاورة حيث كانت دائما تتمايل بأهازيج أطفال حينا وأصوات لعبهم ما عداي أنا وإخوتي.

كانت تلك بداية وفود ما يعرف لدينا (بالكوامة)

أخذت تلك المجالس تدب في كل حين إلى بيتنا وتدخلت إطراف عشائرية لحل النزاع الذي اشتد واستعر وأصبح حديث (السلف)

وبعد سجال طويل تقرر عقد الجلسة الأخيرة(الفصل) في دار احد الشيوخ المعروفين بين القبائل وذهب جميع أهلي وأعمامي  وأقاربنا إلى الجلسة. تأخر الوقت وتوقفت بالنسبة إلينا عقارب الساعة من كثرة النظر إليها ونحن بانتظار رجوعهم وإخبارنا بان هذه القصة انتهت على خير بعد أن حلت علينا كنقمة دارت رحاها شهرين متتاليين

فكل ما كان في داخلي في تلك اللحظات كان ينطق بصمت جلي ...

 كل شيء يشعرك بأنك بعيد...كل شيء يشعرك بأنك منفصل عن الحياة وحزن لا يتبدد وعناء لا يضمحل  ؟ذلك هو الانتظار ففي تلك اللحظات التي تساوي عمراً تعلمت أن  أكرة الانتظار وما زلت أكرهه .

وفي تلك الإثناء قُرع الباب قرعاً قويا متتالياً خلت ان يد القدر تقرع الباب بقوراع الدهر أسرعت أختي الصغيرة متهالكة لكي تجتاز الرواق وتدرك الممر المؤدي إلى باب المنزل لأنها تعلم  إن الطرقة الثالثة التي لم يفتح الباب فيها سيكون قد اقتلع وتصب على رؤوسنا النقمة .

فتحت الباب ونحن ورائها مباشرة ننتظر قدوم أول شخص تخطو أقدامه الباب لنعرف منه نهاية الحكاية

وجه والدي كان أول الداخلين شزراً نكداً كعادته وهو يتلفت وينظر إلي حتى كأني أتخيله يتبدل ويتغير بصورة الذئب فتصورت أطرافة لي كالأسنة وانأ على هذا الشعور أعلن بصوته الأجش أمام الجميع وزف لي البشرى ؟

عرفت في تلك اللحظة انني سأباع مصفودة  مقتادة إلى معاسف البيد والتضليل وسأزف من دار الجلاد إلى دار الظلمات جارفةً معي الحب مصفوداَ هو الأخر ليفتح بذلك بابي الموصد على الأشواق ويبدأ الالتياع وتتراخى قلوب مستغرقة في الحب تبكي تباريح الشوق قبل الرحيل ..

لذت بالصمت، بدأت أتعثر، ها هنا بدأ القلم يدفق دفقته حنينا إلى القرطاس وشوقا للدواة،،،فدلوت بدلوي أصوغ الكلمات لأصف عذابي وأتساءل ياترى هل تحسبونها صيغ مبالغ فيها ؟

بت تلك الليلة ساهرة أجوب أروقة الدار جيئةً وذاهباً  فقد شأت الأقدار أن أكون (فصلية)

تجلت لي هذه الحقيقة تضرم في روحي نيرانها حتى يومنا هذا،

كنت حينها كعود يابس يتلظى بشوق للمجامر،،،كقطرة ماء حطت راحلتها في جدب صحراء قاحلة فتاهت وتلاشت،،،

أحسست باني اواجة مصيري . آه ما أجفاك يا دهر فها إنا ذا أساق كما تساق العبيد،،

تداركني لبرهة شعور بأني في كابوس جاثم على روحي لكنها الحقيقة

بدأت مراسم الإعداد للزواج بلا مهر ولا شيء آخر لم يتبق سوى ما يدل على أن المقابر قد تهيأت لأعراس وشيكة

كنت اقضي النهار بالبكاء  وكل ما أمر فيه من الم كان ينعكس لي في منامي  فلعل الله كان يلهمني لطفاً من ألطافه  في أحلام تكفلت لي الأيام بكشف أستارها حين أصبحت تتجسم لي واقعا يوماً بعد يوم.

اقترب موعد الرحيل بعد يومين وانا على هذه الحال حتى غارت عيناي من شدة البكاء والسهر وجاست قلبي مخاوف من حلول يوم لابد منه،

ها إنا ذا انزح الوطن ويحوشني الاغتراب

رفعت يدي الى السماء "رحماك ربي من المخذول غيرك ،، من لطريد الأسى غيرك "

فأنا أتوهج توهج المجامر تستعر ولكنها سرعان ما يطفأ ضيائها ويخفت بريقها،

دارت رحى السنين وغابت الفرحة ولكن عجباً لم لم تغب معها جراحات بقيت تنكأها الأيام فلم أزل إلى أخشى قدوم الليل حين يرخي سدوله لارجع معه إلى الوراء عند نفس ذلك المساء عندما ابتاعني النخاس في عام 1993.

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2222   الجمعة  21/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم