صحيفة المثقف

الفنون البدائية واثرها على الفن الحديث / كاظم شمهود

حتى يبتعد عن حالة التجمد والتخلف والملل وحتى يتواكب مع التطور الهائل للعلوم التي نشهدها اليوم . البعض يصف  الحضارات على انها عبارة عن دوران بمفهومها الحسي والمعنوي فكلما وصلت الى حد شعرت فيه بالافلاس الفكري والعلمي وان هناك ليس من جديد فاذا بها تكر راجعة الى الخلف الى التراث الانساني  ولكن بشكل لولبي تصاعدي.. ... وان  هذا الصعود والهبوط هو كمتسلق الجبال الذي يروم الوصول الى قمة الجبل حيث يمر في تضاريس متعرجة وشائكة هابطة وصاعدة .. هؤلاء المتسلقون هم العباقرة من العلماء واهل الفكر والادب والفن والتنوير و النابغين الذين ينظرون بشكل بانوراما الى الماضي والحاضر كي يجسدوا انماط جديدة في الفكر والفن والادب ...

الفنون البدائية القديمة تعتبر اليوم المنجم الزاخر الذي لا ينضب له معين والتراث الحضاري الجذري الذي استمدت منه الفنون التقدمية المعاصرة بشتى مذاهبها الفنية ...ومن الرسوم البدائية القديمة هو ما يعود الى قبائل البوشمان في روديسيا الجنوبية وغرب وشمال  افريقيا وكذلك رسوم كهوف التاميرا في شمال اسبانيا وغيرها من المناطق ...

ويذكر ان الحساسية الجمالية عند الانسان هي غريزة بغض النظر عن وضعه الذهني او الثقافي . وبالتالي فان حساسية الفنان البدائي من البوشمان  مثلا  لا تختلف عنها في الفنان الحديث .. وكان الفنان البدائي قد تخلى عن التفاصيل لصالح الرمزية فمثلا هو يطيل جسم الثور ليوحي بعملية القفز .. والمنظر الجانبي للقدم يرتبط بالمنظر الامامي للعينين ... كما كانت رسومه احيانا تأخذ واقعية نسبية في تخطيط متناه في البساطة . يحدد اشكالها الخارجية . واحيان اخرى تأخذ الاشكال صور هندسية تجريدية وايضا اشكال هندسية صرفة بعيدة كل البعد عن اشكال الكائنات االحية ... هذه المميزات يمكن ان نراها في اعمال كثير من المدارس والتيارات  الفنية الحديثة مثل المدرسة   الوحشية والتكعيبية والتجريدية   وغيرها ...  

وكان الفنان القديم يعتقد بالسحر   فكان  يرسم الضحية على الجدار  ثم عليه ان يخرج ليصطادها  . وكان مبدعا وكاهنا وواعظا ولم يكن مرابيا او دجالا ليبتز اموال الناس حيث لا مال ولا متاع ولا فلوس في ذلك الوقت وحيث المجتمع كان محدودا وكل شئ فيه مشاع .. فكان يعتقد ان   الصور التي جسدها على الجدار قد حبس ارواحها وما على الصيادين الا  الخروج  وجمع اجسادها ...   

و كانت ذهنية الانسان  البدائي ومعارفه الاولى مبنية على السحر والتنجيم ومعرفة الكواكب . وكانت هذه المعارف هي بداية ظهور العلوم،  حيث تطور السحر الى الكيميا وتحول التنجيم ومعرفة الكواكب  الى الابحاث الفلكية والعلوم الرياضية والطبيعية ... كما ان الاساطير والخرافات وعالم الجن الى غير ذلك مما حفلت به العهود الغابرة كلها كانت نوات لظهور الادب، مثل الادب السومري والبابلي المتمثل في  ملحمة كلكامش ..  ...

 

الفزع من الفراغ ـ

يذكر المؤرخون ان الفنان البدائي بعدما تطور وبلغ مرحلة متقدمة من الارتقاء في عصور الحضارات الاولى . اخذ يتفنن ويبتكر مختلف الاساليب الزخرفية . فاخذ يزخرف اوعيته ومقابض الاسلحة وتغطية مسطحات نماذجه الصناعية واثاثه وجدران بيته وغير ذلك .. وقد اطلق الجماليون على هذا النوع من الاسلوب اصطلاح ـ الفزع من الفراغ ـ وفي الفن الاسلامي بعض النقاد يصفه بالفن الزخرفي .. وقد طالت الزخرفة الاسلامية كل شئ حتى وصلت الى قباقيب الحمامات .. وما نشاهده في قصور الحمراء في غرناطة الا دليل على ذلك ... وقد وصف الدكتور زكي محمد حسن هذا اللون من الطراز الزخرفي ـ بكراهية الفراغ ـ ...

الفنان الحديث اليوم عاد الى التراث الى الماضي  . حتى يواكب التطور العلمي الهائل الذي نشهده اليوم والذي غطى على كل نشاطات الفنان وابداعاته واجبره للتكيف مع التكنولجيا الحديثة رغم عدم قناعات البعض في ذلك .. بدليل ان  الفنان المعاصر لازال ينتمي الى المدارس التي ظهرت في بداية القرن العشرين باتجاهاتها  الحداثي وما بعد الحداثة ...

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2222 السبت 22/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم