صحيفة المثقف

حـــــركة 20 فبــــراير المغـــــربية من الاتبـــــــاع والتقليد إلى السقــــــوط المريب / الوارث الحسن

فايسبوك على شبكة الإنترنت بعد نشوب الاحتجاجات في تونس وامتدت بعد ذلك إلى مصر، وكانوا في بداية الامر يطالبون بإصلاحات سياسية واقتصادية وأخرى اقتصادية واجتماعية ,و قد تشكلت من ثلاث مجموعات: «حرية وديموقراطية الآن» و«الشعب يريد التغيير» و«من أجل الكرامة، الانتفاضة هي الحل» وقد انضمت لها فيما بعد قوى سياسية وحقوقية كثيرة .

وتقول الحركة على صفحاتها كما تابعتها على عين، إن أعضاءها هم من المغاربة الاحرار الذين يؤمنون بالتغيير, وهدفهم العيش بكرامة في "مغرب حر وديمقراطي", وتؤكد استقلاليتها عن كل التنظيمات والأحزاب السياسية.

ولا شك ان الحركة كانت وراء خروج العديد من المواطنين في 20 فبراير 2011، في مظاهرات متأرجحة في الكمية العددية بين يوم أحد وآخر  للمطالبة بدستور جديد يمثل الإرادة الحقيقية للشعب على حد قولها (الحرية والعدالة والكرامة)، وحل حكومة عباس الفاسي والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب (في ظل ملكية برلمانية حيث يسود الملك ولايحكم)  .

كما طالبت الحركة بقضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة من وصفتهم بالمتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب ثروات البلاد حيث رفعت لافتات وشعارات جريئة ومباشرة لشخصيات نافذة في البلاد وأخرى مقربة من القصر، والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، مع الاهتمام بالخصوصية المغربية لغة وتاريخا وثقافة، فضلا عن إطلاق الحريات عبر دعوات  بالدارجة المغربية من قبيل : ممنفاكيش، ما .....

هذا وطالبت حركة 20 فبراير بإطلاق سراح كافة المعتقلين والسياسيين ومعتقلي الرأي وإطلاق الحريات (المتهمون من الحركات الاسلامية المتطرفة ومعتقلو الرأي)، وتشغيل العاطلين عن العمل، وضمان حياة كريمة والحد من غلاء المعيشة ورفع الأجور وتعميم الخدمات الاجتماعية .

ويغلب ظني أن الحركة كانت تحتل حيزا مهما على الساحة المغربية خاصة بعد أن حصلت على دعم العديد من المنظمات المغربية من بينها أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية ونقابات مهنية وجماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة التي شكلت  ما يناهز %80 من نشطاء الحركة .

كما تمكنت الحركة من الحصول على دعم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كأكبر الأحزاب الوطنية واليسار الاشتراكي الموحد والطليعة والتيارات والهيآت الجمعوية المناهضة والمنظمات الشبابية وشخصيات وقيادات حزبية إضافة إلى تأييد آلاف الأشخاص على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك .

لكن، وبعد كل ذلك السخب الجماهيري والتعبوي وكذا التضامني بدأت الحركة تفقد لونها وبريقها الربيعي بين عشية وضحاها، فاصفرت طبيعتها واسودت  راياتها وانكمشت أصواتها إلا من بعض الأصوات الشادة التي تعيش الآن بعض من أيام الأحد على أمل الربيع العربي في المشرق، إن سياسيا أو تعبويا أو جمـاهيريا (تظاهرات 26 غشت 2012 بالتحديد)، وقد اتفقت أغلب الآراء والأقلام والمواقع المغربية والدولية على نعت تظاهرات الحركة مابعد الخطاب الملكي 9 مارس2011 والإعلان عن التعديل الدستوري وإجراء الانتخبات، وكذا تعيين عبد الاله بنكيران رئيسا للحكومة الجديدة 29/11/2011، وانسحاب جماعة العدل والإحسان 18 دجنبر 2011 بفتور علني تجلى في قلة المستجيبين لدعوات الفايسبوكيين الفبرايريين للتظاهر والاحتجاج على حكومة بنكيران في أكثر المدن والقرى المغربية مما جعل الملاحظين يعتقدون أن الحركة آيلة للسقوط لا محالة (كما كان شأن الحركات الراديكالية المتحجرة في فترة السبعينات من القرن 20)، ومستمرة في مراكمة أخطاء استراتيجية في التدبيرالمرحلي والتجمهر الزمكاني .

لقد أضحت الآن خطبة الإمام على المنبر يوم الجمعة ومدرجات ملاعب كرة القدم يوم السبت والأحد والمقاهي ومنصات السهرات والملتقيات والصالونات الثقافية في أيام الله الباقية  والمشي في الساحات والمنتزهات في السهل والجبل والشواطئ ساعة الحر أكثر إغراء وجاذبية من الشعارات الكبيرة والواسعة والجريئة التي يطلقها أنصار 20 فبراير، الأوفياء منهم وهم قلة والمندسون في الشوارع وهم كثر، يهتفون بمكبرات مزعجة الصوت والناس في حيرة من أمرهم أحيانا وغير مبالين أحيانا أخرى بضوضاء أبواقهم وهرجهم ومرجهم وبراياتهم السوداء المخيفة .

و من الواضح أن الحركة، وأمام هذا التراجع الجماهيري المريب لم ترغب في الاعتراف بأن زمنها قد فات وقطار ربيعها قد تجاوزها وأنها ارتكبت أخطاء استراتيجة قاتلة (لم ترتكب في ثورتي تونس ومصر)، بتمنعها أولا حتى الآن من مراجعة أوراقها وأجندتها وتغيير خطتها التعبوية والمطلبية، وبلهثها ثانيا وراء التحريض السياسي (وهو أساس فشلها الذريع) لنشر الفوضى (وهذا جوهر مطالبها) والتحامل مباشرة على الملك والوحدة الترابية (تبني طروحات خارجية داعمة من الجزائرو البوليزاريو مثلا) ومؤسسات النظام (المخزن) كما يردد أغلبهم أو اليساريون منهم (وهذا ما عزز الرغبة في النفور منها لدى شريحة واسعة من المحتجين)، بدل الاستفادة من أخطائها لتحويل جوهر فشلها إلى لب نجاحها وتوهجها بالبحث عن البدائل السياسية والاجتماعية أكثر عقلانية ومنطقية تتماشى والضمير المغربي وتطلعاته الآنية والمستقبلية من قبيل : الشغل والعدالة والصحة والتعليم والمساواة وحرية التعبير... ومحاربة  البطالة والفقر والرشوة والفساد وهدر المال العام وضمان تكافؤ الفرص  ...... عوض الرجوع إلى تصفية الحساب مع النظام الملكي على ظهور ولسان حال المتظاهرين الأبرياء وكأننا في عقد السبعينات أيام المد اليساري الجذري المناهض للملكية وكذا ترديد شعارات فضفاضة(الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد / المخزن يطلع برا / لا للجمع بين السلطة والثورة / الحكومة تطلع برا / البرلمان برا) وأخرى مخيفة  (الشعب يريد إسقاط النظام / الله الوطن الشعب) (وهذا هو مشكل المغاربة الخوف من الفوضى ليكن في علم مناضلي الحركة) من عهد تشيغفارا ومنظمة إلى الامام اليسارية والحركات الطلابية الماركسية البائدة  والمتسمة بالحماسة والثورية حينا والعفوية والارتجالية حينا آخر، لا سيما  وقد تغير المشهد السياسي والاجتماعي إلى حد كبير في المغرب  وتطور نظام الحكم فيه، في الوقت الذي لم تعد تنطلي على أحد من رعياه أي كذبة  أو تخفى عنه أي أجندة محسوبة أو خلفية سياسية دنيئة في ظل الوعي الثقافي والسياسي الذي أصبح يتمتع به جل المغاربة  في القرن  21  .

والحق، أن حركة 20 فبراير كغيرها من الحركات المناهضة للنظام عبر التاريخ المغربي الحديث من السبعينيات إلى يوم 20 فبراير 2011 م كمشروع نضالي لم يعد قابلا للتنفيذ والتطوير إن لم نقل قابلا للحياة لأن أوهام الرومانسية الثورية والخرافات التشيغفارية النرجيسية المبالغة في تضخيم الذات الأنا ووهم السيطرة والنفوذ والاستئثار بالشارع والتحكم في سيرورته والاستعانة بحركات رادكالية إسلاموية ويسارية، فضلا عن  الغموض الإيديولوجي وعدم نضجه لدى أغلب نشطاء الحركة وكذا فتوتهم وضعف مستواهم المعرفي والثقافي وعدم معرفة الناس بهم وعيشهم في عالم افتراضي غامض (الفايسبوك)  لا ماضي سياسي له، أسقط نضالات الحركة في جملة من المتاهات وأدخلت الناس بل وحتى المتعاطفين معها في الخوف من المجهول والرهبة من  الاصطدام الدموي والدخول في دوامة العنف والتقتيل العرقي، الذي كانت تتلهف وراءه الحركة  وتضحـي مــن أجله (التهليل بسقوط أشخاص في التظاهرات واعتبارهم شهداء الحركة رغم أنهم ليسوا كذلك ضمانا لمزيد من التأجيج والتأليب) فضلاعن النفاق السياسي والمزايدات العقيمة والادعاءات المغرضة وعدم الاعتراف بمعارضيهم واحتقارآرائهم والاستهانة بقوة وجودهم السياسي والمراهنة على الكم الجماهيري في التظاهرات واستيراد  شعارات خارجية بعيدة  كل البعد عن المطالب الحقيقية للشعب المغربي .

من هذا كله وغيره، استطاع الرأي العام أن يصل بوعيه إلى أن الحركة وفي ظل هذه المتاهات السياسية المستتر منها والمعلن تنظيم اتباعي مقلد للثورات العربية المناهضة لنظام الحكم السائد في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الجمهوريات الملكية، ومن ثم فأجندتها سياسية ولا تلبي طموحات المجتمع من أجل التغيير الاقتصـادي والاجتماعي الحقيقي،  بقدر ما يتحرك أنصـارها فـي دائرة النيل من الملكية (وهذه رغبتها) = (الملكية عند أغلب المغاربة هي الضامن الوحيد لوحدة الوطن) وتغيير النظام إلى جمهورية حالمة مستنسخة إسلامية يمينية أو يسارية ماركسية وهذا ما لم يستسغه المواطن المغربي وهز أركان الحركة في الصميم وأسقطها عدديا في مهدها فأصيبت بالسكتة القاتلة .

و للأسف الشديد، فإن حركة 20 فبراير رغم قدرتها على كسر حاجز الخوف واختراقها لبعض الطابوهات والخطوط الحمراء  كان مسكوت عنها ولم يجرأ أحد على  الخوض من قبل في غمارها وعلى رأسها ما يرتبط بنظام الحكم- وهذا يحسب لها -، لم تستفد من دروس فشل اليسـار الجذري المغربي أيام السبعينيات، والنفور الطوعي للجماهير الشعبية من اليمين الديني المتشدد (السلفيون/ جماعة العدل والإحسان) أواخر القرن 20، بل تمادت في غيها وعجرفتها واستنجدت بهما في تحالف غريب (نفعي / مصلحي)، إيمانا منها بأنهما معا مازلا قادرين على حشد مزيد من الجمـاهير الثـائرة في الساحات والميادين للانقلاب على النظام وإسقاطه (وهذا هو الهم الوحيد للحركة).

و لكن سرعان ما انكشفت عورة هذا التحالف المــريب وغير العادي(امتزاج المصاحف بشعارات ماركسية عدوة للدين/ اختلاط اللحي بالسوالف المسدلة والقبعات اليسارية الثورية) وظهر للعيان استحالة استمراره في ظل التناقض الذي يعيش على إيقاعه وانحراف الحركة عن سكة المطالب الاجتماعية والاقتصادية  وانغماسها في حلم الجمهورية المغربية الإسلامية / اليسارية . فازدادت الحيرة وتفاقم الشك وازداد الموقف غموضا والتباسا، فتعددت الانسحابات وكثرت المزايدات والانتقادات بل وتبادل الاتهامات بين كوادرها ونشطائها، فقلت الحشود وذهب الحماس وأضحى مناصروها يعدون بالأنفار وليس بالآلاف، فكان ذلك إيذانا صريحا بأفول ربيع الحركة فحدث بالتالي السقــــــوط المريب إلى حين. فماذا بعد ؟   ./

 

*- أستاذ باحث وعضو الاتحاد العربي للصحافة الإكترونية /  المغرب

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2224 الأثنين 24/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم