صحيفة المثقف

أحــلام قـاتلة / أيـاد خضير

جعل الحياة في نظري أكثر عتمة، والأشياء أكثر ضبابية، لاشيء حقيقي أو واضح، مثل كافكا يعلم ( أننا نحيا في رأسنا لا في الغرفة أو الطرقات).

 

الرذاذ يداعب أنفاس المدينة الموحشة المليئة بالوحل، المارة يمشون، يروحون ويجيئون، لا يلتفتون كأنهم خفافيش أوأشباح عرفت طريقها، فتسير متلبسة في أجسادهم، كل مساء يراودني حلمٌ على غرار مسخ كافكا، أخذت أسعل باستمرار، خاطبت نفسي قائلاَ: أسعل ماشئت بمرارة، وأنفث الريح الساخنة القابعة داخل صدرك، أنك تطارد نفسك كلما وجدتها جاثمة بمكان ما.. تطارد أشباحاً وخفافيش وضفادع سوداء ..الطرق الملتوية تؤدي دائماَ الى مزيد من الالتواء .

 

كنت أنام، أرى نفسي كأنني أعيش داخل رأس بغل أو حمار، شخصاَ آخر أو حيوان آخر، باسم آخر، يداهمني أحساس أن هذه المرحلة ستكون عجائبها أغرب ..ربما تضيف شيئاَ الى جنسيتي وشخصيتي وكينونتي، شكلاَ ومضموناَ، أحلاماَ ..تلك الأحلام هي هويتي، انه شعور بالخوف يهزك فجأةَ، كل شيء قد انتهى ..أنني الآن جرذ بين فكي قط أرفس وأتذمر وتوسلاتي وحيلي الكثيرة باءت بالفشل، لم أستطع أن أتخلص من سيطرته، كأنه قدري ..أن السيطرة التي يتمتع بها عليَ هي من مشيئة الطبيعة وقوانينها التي لا ترحم هذا ما سمعته من الكثيرين العابرين الذين يتحدثون عن الفلسفة، والبقاء للأقوى، أشياء لا أفهمها، الشيء الذي فهمته كثيراَ وصريحاَ بأن القط من حقه أن يستغلني ويعذبني ويأكلني متى شاء..لقد توسلت بهذا القط اللعين أن يأكلني ويخلصني من هذه الحياة التعيسة لكن لا فائدة، فأنا جرذ مسكين يتيم أتذكر والدي عندما أكل قطعة بسكويت مطلية بطلاء لماع، على أثرها فارق الحياة، مما جعلني أكره البسكويت بكل أنواعه، أي شيء قبل أن التهمه،أشمه وأتذوقه، أما والدتي المسكينة ظلت أفكارها مشتته بعد وفاة والدي، أرادت تناول قطعة من الجبن وضعت داخل مصيدة، قبل أن تصل أليها وقعت بالفخ، ماتت ولم تأكل ألجبنه ..صورتها لازالت عالقة في مخيلتي وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأنا حائر لا استطيع إنقاذها، كلما أجد قطعة من الجبن أتذكرها وأتألم، كرهت كل أنواع الجبن .. شاء القدر أن ينزلني القط من فكيه قرب حفرة، استعملت حيلتي بأنني لا أقوى على الحركة ..خطفه سريعة دخلت الحفرة التي يسميها البشر ( جحر) وهربت منه .. أسيقظت من منامي مرعوباَ أرتجف من الخوف .

 

المرة الثانية التي اخترقني الموت ولم ينل مني .

لا أدري متى نمت، في أي ساعة وهدير السيارات يزعج صمت الليل، هذه المرة شعور مريب فقد تحولت الى كلب أليف، أسكن في أحد البيوت الفقيرة، سكنت مدة طويلة، لا يوجد فيه أحد سوى صاحب البيت الذي أقوم بحراسته، كان يسجنني عندما يخرج، مرات عديدة يطيل الخروج، لم يفكر حتى في أطعامي هذه الأيام، ربما لكثرة انشغاله في أموره الخاصة، حتى ضعف جسدي وأصبحت لا أقوى على الحركة، ذات يوم مساءَ قبل أن يخرج ويسجنني في مكان أعتاد أن يضعني فيه، هربت لسرقة الطعام من مطابخ البيوت القريبة، أمعائي تلهث خاوية ولأنني لا أجيد الخبرة بالسرقة، تعرضت الى هجوم لم أتوقعه من قبل الأطفال، يركضون ورائي ويضربونني بالحجارة وأنا جائع خائر القوى، من شدة الخوف الذي داهمني ركضت بأقصى سرعة وهم يركضون ورائي ويضربونني بكل شيء يطال التقاطه حتى وصلت الى نهر ورميت بجسدي فيه، راحت الأمواج تتقاذفني بعيداَ، استيقظت وأنا منهوك القوى، مختنقاَ لا أعرف ما العمل ففكرت بكلامي بالانتحار من جديد لأنني لم أتوقع مثل هذا الأمر ولم يدخل في حساباتي مطلقاَ أن تنقلب حياتي الى جحيم، تلك هي هواجسي التي يصعب عليً طردها أو كبحها ..هي معي في شتى الأوقات والامكنه .

 

المرة الثالثة التي اخترقني فيها الموت ولم ينل مني:

وجدت نفسي أرنباَ في أحد البساتين، أتنفس الهواء الطلق، أبحث عن أصدقاء جدد من حيوانات أخرى طيبه، ذكيه، لنقضي أوقات فراغنا في اللهو والعبث البريء، لكنني رغم ذلك صادفت متاعب كثيرة إذ لا تخلو حتى البساتين الجميلة من حيوانات شريرة، منها ما تقضم النباتات او تقتل المواليد الصغار او يفتك بعضها البعض الآخر، لذا تعبت كثيراَ الى أن عثرت على حفرة متروكة في طرف البستان تمتد أمامها أرض بعيدة الى ما لا نهاية، ذات يوم، كنت أجلس كعادتي على ذلك الجذع الذي الفتُ الجلوس عليه بعد شرود ذهني، انتبهت على قرص دافئ عجيب اللون، أستقر بهدوء، هناك بعيداَ، زحفت الظلمة خلفه وزحفت أنا الآخر الى حفرتي، كنت أفكر بعمق بذلك القرص العجيب وأحلم به وبمصاحبته وكيفية الوصول أليه، أصبحت مهمتي مراقبته، كل يوم دون ملل حتى عشقته بصدق .

 

في يوم آخر، عندما جاء ميعاد نزول القرص الى مستقره تأهبت للجري خلفه وركضت كثيراَ لعلي الحق به، ركضت ..وركضت حتى تعبت من الجري المتواصل، غاب في الأرض، ولفتني الظلمة المقيته بقماط حصارها اللعين، التقطني أحد الصقور غرس مخالبه في جسدي الواهن وطار بي بعيداَ الى عش في أعلى شجرة ورماني الى صغاره التي ترفرف ملهوفة لغرس مخالبها ومناقيرها على أنفي وأذني وتفقس عيني، أفقت من النوم مرعوباَ أمرر بأصابعي على وجهي وأنفي وصدري ..لا أدري هل المرة الرابعة أنجو من الموت كما في السابق أم لا ؟! أم أستسلم له ؟ تركت الجواب الى أحلامي القادمة .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2230   الاحد  30/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم