صحيفة المثقف

قراءة في قصيدة (المتسولة) للشاعرة المغربية أحسان السباعي / علي جابر الفتلاوي

قصيدتها المتسولة لوحة اجتماعية مؤلمة لكثير من النساء في مجتمعاتنا العربية، التي تكون المرأة فيها بلا معيل،  بلا مسؤول، وبلا راع لحقوقها الضائعة، وسط مجتمعاتنا التي تتعرض فيها المرأة لكثير من صور الظلم والقهر والاستغلال، خاصة من قبل ذوي النفوذ، او ذوي الثروات، واحيانا من المتسكعين وذوي النفوس الضعيفة .

فاطمة نموذج نسائي يتكرر في كثير من مجتمعاتنا العربية، سلطت الشاعرة المبدعة احسان السباعي الضوء عليها، فاطمة القت بها الاقدار على قارعة الطريق، تفترش الارض وتلتحف السماء، تجلس على الرصيف تستجدي المارة، لا بيت يأويها، ولا مؤسسة اجتماعية مدنية او حكومية ترعاها، تنزل الى الشارع ليكون لها مأوى، ومصدرا للرزق الحلال اوالحرام، لاضير عند المرأة الضائعة، المهم تؤمّن لقمة عيشها، تشبثا بالحياة، هكذا تطبعنا نحن البشر أن نتشبث بالحياة بأي ثمن، الا ما ندر من الناس، ممن يتمرد على الواقع الفاسد المنحرف حتى لو كلفه حياته، نعم يوجد منْ دفعوا حياتهم ثمنا لكرامتهم، والذين تحولوا الى مثال وقدوة للاخرين، ومنهم الامام الحسين (ع )، لكن هناك الكثير ممن يتشبث بالحياة، ولو كان في هذه الحياة الذل والهوان والاحتقار وفقدان الشرف والكرامة، فاطمة امرأة ضحت بكرامتها من اجل لقمة عيشها، وما اكثرهن في مجتمعاتنا، القت بها الظروف القاسية لتجلس على الرصيف، تستجدي الاخرين والمارة من الناس، الظاهر ان فاطمة كانت جميلة وفي مقتبل العمر، لأنّ العيون تفترسها وهي تستجدي :

اغتصبتها

عيون السكارى

بشبق كثير

وهذه نتيجة تكاد أن تكون حتمية في مجتمعاتنا، عندما تكون المرأة ضائعة تائهة، لا احد يأويها او يحميها، أُغتصبت فاطمة، التهمتها عيون السكارى، فاطمة اضحت مصدرا للشهوة والمتعة للرجال السكارى وغيرهم، الفوا المتعة معها، وهي كذلك الفتهم، الفت الحالة الشاذة التي آلت اليها بسبب الضياع، انها ضحية الظلم الاجتماعي، وجدت ان لامناص من الحالة التي وصلت اليها، اعتداء جنسي على فاطمة  من عدة رجال، الظاهر انها استسلمت للأمر الواقع،واصبح ممارسة الرجال للعهر معها جزءا من عملها اليومي،  بدليل انها انجبت طيلة هذه السنوات، ثلاثة اولاد مجهولي الاباء، احمد وبثينة وسميرة، فهم اخوة من الأم، اما آباؤهم فمجهولون، طيب مثل هكذا نتائج خطيرة، ما دور القانون ؟ وما دور الدولة ؟ وما دور منظمات المجتمع المدني ؟ وما دور رجال الدين ؟ وما دور المؤسسات الدينية ؟ الكل صامتون، غاضون للنظر، متواطئون على السكوت !

صار احمد على الظهر

بثينة على الحجر

وسميرة تراقب السير

يجتمعون :

في الليل البهيم

يمتصهم صدى الصفيح

بوجع أليم

ويلفظهم النهار

كما الهشيم بين الأزقة والدروب

بلا علم ولا قلم

محرومون من التعليم، ومن وسائل العيش الكريم، وهم عرضة للأنحراف، بسبب حالة الضياع والتيهان التي يعيشون فيها، الشابة سميرة سرقتها عيون الرجال للاستمتاع، سرقوا شرفها وعفتها، وامتهنت الدعارة، وماذا يمكن ان نتوقع لفتاة شابة تائهة في الشوارع ؟ لا حامي ولا معيل، هذه نتيجة طبيعية لكل فتاة مثل سميرة .

سميرة تجملت

بالرموش غمزت

بالحركات تغنجت

غادرت الحصير

امتطت صهوة العهر

اما بثينة فقد تحولت الى نشالة تجوب الشوارع، لتنشل من هذا او ذاك، سببها ضياع المرأة، وعدم الاهتمام بها او رعايتها، المرأة يمكن ان تكون  مصدر عطاء للخيربالاهتمام بها، ورعايتها واعطائها دورها في البناء، ويمكن ان تكون مصدرا  للشر اذا اهملت ولم تستغل طاقاتها وتوجه في الطريق السليم، وكل انسان رجلا كان او امرأة  يتحمل المجتمع بسبب اهماله له، مسؤولية ضياعه، ويتحمل مسؤولية نتائج الضياع، فاطمة مثلا الأم التائهة التي استسلمت للضياع واصبحت منتجة للشر  انتجت ثلاث اولاد ضائعين كلٌ مشى في اتجاه من اتجاهات الشر :

لما تصير الفقمة قردة

هكذا صارت بيثينة

نشالة بالفطرة

هنا لا اتفق مع الشاعرة في فكرة ان بثينة (نشالة بالفطرة)، أنما هي نشالة بالأكتساب، بسبب الظروف القاسية، وحالة الضياع التي حولتها الى نشالة، لأن الانسان يحمل في ذاته عوامل الخير وعوامل الشر، والظروف والتربية هي التي تحوله الى الخير او الشر، قال تعالى (وهديناه النجدين) 10، سورة البلد، أي طريق الخير وطريق الشر .

اذن الظروف القاهرة جعلت من بثينة نشالة، أظن ان الشاعرة المبدعة احسان السباعي، تقصد ان بثينة فتحت عينيها على الدنيا فوجدت نفسها ضائعة تائهة، وكأن حالتها جاءت بالوراثة، أي ولدت حالة الضياع معها، وهذا خيال وتشبيه شاعرة، والشعراء احرار في خيالاتهم .

هناك ألتفاتة مهمة اشارت اليها الشاعرة، وهي حالة الضياع للشباب، اذ تتلقفهم المنظمات الارهابية، وتصنع منهم ارهابيين قتلة باسم الجهاد الديني، وهذه ظاهرة تعاني منها المجتمعات الاسلامية، اذ باسم الدين والشهادة والجنة، يدخل شيوخ الارهاب الى نفوس الشباب الضائع، ويغرونهم ويدفعونهم الى الموت وقتل الاخرين المختلفين معهم، هذه الحالة التي اشرّتها الشاعرة المبدعة احسان السباعي تشخيص صحيح وسليم، ودليل على وعي الشاعرة بمسؤوليتها الوطنية من جهة، ودليل على احساسها بمشاكل مجتمعاتنا العربية الاسلامية من جهة اخرى، وارى في هذا مؤشر على فهم الشاعرة السليم والصحيح وغير الملوث للدين، كرسالة سماوية انسانية روحية، غايتها بناء الانسان بناء سليما صحيحا يقوم على المحبة والحرية واحترام الاخر المختلف، ونحن بحاجة اليها، ولمثلها من النساء الواعيات المثقفات، لأن المرأة هي اساس بناء المجتمع السليم، الشاعرة احسان دقت ناقوس الخطر لكل من يعنيه امر بناء المجتمع والمحافظة عليه سليما معافى، ان ينتبه الى ضرورة انهاء حالة الضياع للشباب والشابات، قبل ان يسقطوا في مهاوي الرذيلة والجريمة .

أحمد

استوطن التطرف

اعلن التأفف

أطلق لحيته

استعار جلباب قصير

نفد وصية الامير

بلا تفكير

ذات مساء والدمع مرير

في حانة ميشيل

أنفجر

وصف رائع للأرهابيين اذ يتميزون بأطلاق اللحى الطويلة، والجلباب القصير، وجمود العقل والفكر، اذ يتحرك الارهابي وكأنه آلة تدار بالماوس من قبل (الأمير) وهو الشيخ الذي يعطي فتواه وأوامره الى الأرهابي، لينفذ جرائمه في قتل الأخرين من الناس، فعبادتهم القتل وسفك الدماء .

أرى ان الشاعرة قد اجادت في تشخيص امراض اجتماعية، تعاني منها المجتمعات الاسلامية، وهي أمراض ذات تأثير كبير على سير تقدم المجتمع، لابد للحكومات وذوي الشأن والعلاقة الألتفات اليها وأيجاد الحلول والمعالجات لها، الضياع الذي اشارت اليه الشاعرة، هو سبب رئيس لكثير من الامراض الاجتماعية، شخصت الشاعرة بعضا منها، كالدعارة والسرقة والارهاب، كنتيجة من نتائج الضياع، ارى ان الشاعرة قد وفقت كثيرا في قصيدتها، التي استطيع أن اصفها، انها قصيدة اجتماعية بأمتياز .

اخيرا لفت انتباهي وجود اخطاء نحوية، وأملائية، وتعبيرية، أظن انها غير مقصودة، او انها مطبعية، مثلا قول الشاعرة (بشبق كثير)، وأرى الصحيح ان نقول (بشبق شديد) لأن كلمة كثير تفيد التعدد والكثرة، اما شديد فأنها تفيد القوة، جاء في لسان العرب لابن منظور، (الشبق شدّة الغلمة وطلب النكاح، يقال رجل شبق وأمرأة شبقة، وشبق الرجل بالكسر شبقا فهو شبق : اشتدت غلمته وكذلك المرأة، وفي حديث ابن عباس: أنه قال لرجل محرم وطئ امرأته قبل ألأفاضة، شبق شديد)، وقول الشاعرة (استعار جلباب قصير) أرى ان الصحيح استعار جلبابا قصيرا، وقول الشاعرة (نفد وصية الأمير) وارى ان الصحيح نفذ بالذال وليس بالدال، وكذلك قولها (دات مساء والدمع مرير) ارى ان الصحيح ان تقول ذات بالذال ايضا .

واخيرا اعتذر من الشاعرة الكبيرة احسان السباعي، ان ذكرت شيئا يزعجها او يغضبها، اقدم لها شكري وتقديري وأحترامي متمنيا لها المزيد من الابداع .

 

علي جابر الفتلاوي

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2232 الثلاثاء 02 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم