صحيفة المثقف

سرقسطة .. المدينة الاندلسية البيضاء (2) .. (الآثار الباقية) / كاظم شمهود

يستطيع ان يستحضر تلك المجتمعات واولئك الفنانين والمعماريي الذين قاموا بانجازها .. فهي ترجمة للواقع الذي عاشوه بكل صفحاته وتقلباته الايجابية والسيئه وابدعوا فيه، حيث خلفوا هذه الآثار بمنهجية شعرية تقوم على تصورات وذوق ذلك العصر ونرى فيها حرارة الوجدان وتأجج العواطف نحو تلك البيئات والاوطان ..

بلاط الجعفرية في سرقسطة يعتبر من اكبر الاعمال العمرانية الاسلامية في المقاطعة الشمالية من بلاد الاندلس وهو القصر الذي أنشأه أعظم ملوك بنو هود أحمد بن سليمان بن هود الملقب بالمقتدر، وقد حكم المقتدر مملكة سرقسطة خمسة وثلاثين عاماً من سنة 438/ 474 هجرية ( 1046-1081م) وكان من أعظم ملوك الطوائف . وأشتهر ببراعته في العلوم والفلسفة والرياضيات، وسمي قصر المقتدر بقصر (الجعفرية) نسبة الى كنيته وهي – ابو جعفر – كما أشتهر في تاريخ الفن الاسلامي بأسم – دار السرور-

وكانت عمارة الجعفرية تتكون من القصر والقصبه ويرجع بناءها الى القرن الحادي عشر.      وبعد سقوط المدينة بيد النصارى شوهدت معالم هذا الصرح البديع كما شوهت معظم الصروح الاندلسية الاخرى . وبعد أن أصبح مقراً لملوك أراغون توالت عليه بعد ذلك التغييرات والاصلاحات حتى غدى يمثل في اجزاءه عصوراً مختلفة .

ولا زالت بعض الاماكن الداخلية من القصر تعرب عن طرازها وأصلها الاسلامي والمتمثلة في الاقواس المفصصة والاعمدة المزدوجة والزخارف الهندسية والنباتية التي نشاهدها في بقايا المسجد الصغير الذي هو عبارة عن قاعة صغيرة بها عقدان عربيان وشريط به نقوش وكتابات كوفيه ونصوص قرآنية .

ويعتبر هذا الجزء من أقدم عمارة البناء، كما نجد أيضاً هناك مكان الخطبة وفيه محراب له مظهر يشبه محاريب الاندلس خاصةً مسجد قرطبة حيث يحاط بقوس حدوه الحصان.

في سنة 1485 أتخذ القصر مركزاً للتحقيق الارغوني كما أتخذت بعض أجزاءه سجناً للمتهمين، وكانت تقام في فناءه الخارجي حفلات تنفيذ حكم الاعدام حرقاً خاصة بالموريسكيين . ثم استخدم في القرن الثامن عشر ثكنه عسكرية وهدمت أسواره القديمة وقضي على معظم محاسنه وبدائعه الاسلامية .

ويقول الاستاذ والمؤرخ الاسباني ماريانو غومث مورينو Mariano Gomez Moreno – حول ما حدث على القصر من تشويه وتغيير : (وهو عمل بربري من اشد ما وقع في تاريخنا حزناً..)

 

الجامع الكبير / كاندرائية لاسيو / La Seo .

ومن الآثار الاسلامية الاخرى التي هي محط انظار واهتمام الباحثين والزائرين واكثر بروزاً واهميةً بعد بلاط الجعفرية هي كنيسة لاسيو، وتسمى أيضاً المنقذ Seo de El Salvador. وتعتبر من اقدم الكنائس في سرقطة وقد أقيمت على المسجد الجامع الكبير الذي اسسه التابعي حنش بن عبدالله الصنعاني . وفي عهد بني هود وسع المسجد وحول الى مسجد جامع كبير عرف – بالجامع الابيض

وتذكر المصادر العربية – منها الروض المعطار للحميري بأن حنش بن عبد الله الصنعاني كان هو اول من شيد " مسجداً" في المدينة بعد فتحها من قبل المسلمين.

وكان حنش أحد قواد موسى بن نصير واحد مستشاريه لهذا فأن كنيسة لاسيو – La Seo- هي المسجد الاول الذي بناه حنش الصغاني . وتذكر بعض المصادر بأن حنش كان معمارياً عارفاً بفنون البناء وأنه هو الذي وضع المحراب وشيده .

 

كنيسة العمود  Sta.Maria del Dilar .

تعتبر كاثدرائية البيلار من أهم الاعمال العمرانية المسيحية في سرقسطة والتي تقع على ضفاف نهر الابره Ebro، وبدأ العمل في تشييدها سنة 1541 كمعبد ديني مسيحي، وظهر عليها الطراز المدجني واضحاً متمثلاً في استخدام مادة الآجر والسيراميك وهي من صفات الأسلوب الارغوني المدجني الذي عم كل مقاطعة أراغون بتشجيع من رجال الدين والملوك . كما دخل فيها الطراز الروماني والغوطي .

ويذكر أنها شيدت على معبد روماني قديم كان في زمن العرب يسمى –معبد المستعربين- Mozarabe- وهناك رواية أسبانية تقول: بأن مريم العذراء(ع) جاءت الى هذا المكان والتقت بالقس – Santiago- سنة 40 ميلادية وتركت عموداً في هذا المكان حيث شيد عليه بعد ذلك المعبد . وهذه من قصص العصور الوسطى التي يطغي عليها طابع الخرافه .

 

البرج العربي / برج لازودا / Torreon de la Zuda .

وهو من الأبراج القديمة التابعة الى القصر العربي القديم الذي أندثر ولم يبقى منه الا القليل، وكان مقراً للحاكم الاسلامي قبل أمارة بني هود، كما أصبح بعد ذلك بلاطاً لملوك أراغون حتى القرن الثالث عشر، وابتداءً من القرن الرابع عشر أصبح مستشفى ملكي، ويقع البرج الى جانب السور العربي القديم وله طراز مدجني يشبه شكل المناره ، وقد رمم البرج في الفترة الاخيرة من قبل المعماري Francisco Iniguez بين اعوام 1946 و1952، واليوم استخدم كمكتب سياحي حكومي.

 

السور العربي .

لا زالت اجزاء من السور العربي القديم باقية لحد هذا اليوم وتقع قرب كاثدرائية البيلار، منها 80 متر في الجزء الغربي، كما تظهر اجزاء أخرى منه في الجزء الجنوبي قرب شارع C/Coso-112-. وكان سور المدينة القديم يمتد حوالي 2.000 متر وهو روماني الاصل وفيه 120 برجاً وعندما جاء العرب طوروه ووسعوه وأضافوا اليه طرزهم المعمارية الجديدة، ثم أعيد تجديده في القرن الثالث عشر.

مسجد / كنيسة ماغدالينا-Magdalena

ومن العمارات القديمة أيضاً كنيسة ماغدالينا Magdalena وقد وجدت بعض الوثائق التي تؤرخها سنة 1126 وهي ذات طراز مدجني ولها برج مربع الشكل موحدي الطراز وعلى شكل منارة . ويشبه في عمارته برج سان مارتين في مدينة طرويل بعض الشئ. ويؤكد المؤرخون على ان المعبد كان مسجدا .

كما يذكر انه جرى عليه تجديد على يد Juan Yarza وأبنه Jose Yarza ويعتقد أنهما موريسكيين (1727-1730) كما هناك تشابه مع برج خيرالدا في أشبيليه.

 

اجسر الروماني العربي /

وعلى الجانب الشمالي من كاثدرائية البيلار يظهر الجسر القديم ويعتقد أنه من صناعة العرب، وقد تعرض للتدمير والهدم عدة مرات خلال الحروب القديمة، وفي سنة 1440 تم إصلاح وترميم الجسر.

والملاحظ ان اكثر العمارات القديمة كانت في الاصل معابد دينية وقلما نجد عمارات مدنية حيث أختفت او هدمت او حولت الى كنائس لان العصور القديمة كان يطغي عليها الطابع الديني وتتحكم بها الكنيسة والرهبان في وسط مجتمعات أميه .

وكانت هذه العمارات بمرور الوقت تتحول من طراز معماري الى آخر ومنها ظهور حركة المدجنين الحديثة التي ظهرت في القرنين التاسع عشر والعشرين .

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2232 الثلاثاء 02 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم