صحيفة المثقف

مساءات / المصطفى عبدالدائم

وانتظرت ترجيع الصدى.. كانت كلماتي يرددها المجهول واضحة تماما كما نطقتها :

( أنا أموت.. لكن بين الموت وأنا ينهض حلمي الذي تحطم فيه شيء ما.)

نمت بعد ذلك ورأيتني أندس كلمات في تلك الصفحة البيضاء.. كان السواد يلبسني ومني يقطر دوائر تتصارع ثم تكبر في الزمن جملة تسقط من الآن تتدحرج نحو المستقبل  :

(  هل أنا ثابت في مكاني بالقدر الذي يمنحني قوة الانتظار أكثر ؟ )

استيقظت فزعا وجبيني يتفصد عرقا. سألت أمي وقد تبدل لون جدران الغرفة من البياض الناصع إلى الأحمر الفاقع :

( أين أنا ؟ )

لم تجبني رغم إلحاحي واكتفت بالتلويح من خلف المرأة الجالسة  على الطرف الأخر من المسافة الفاصلة   بيني وبين الحلم الذي ينام في الرأس. التقينا في اللحظة التي عرفت فيها أن ما يعيق حركتي.. ما يشلني.. ما يمنعني من التقدم ليس إلا أنا.

في مساء لا يختلف في شيء عن نفس المساء الذي وقفت فيه على الحافة وكدت أسقط في الهاوية السحيقة تساءلت :

( لماذا هنا وهناك والتي تتحول في لغتنا  الحسا نية  إلى ( هون وهوك ) كل منا يعتقد في نفسه ويعتبر الآخر  مجرد تفسير له )

 مرة أخرى والتي لن تكون حتما الأخيرة.. ها أنا انظر إلى الهاوية  سعيا في بلوغ قعرها، ولكني طبعا لم أفلح. فهل معنى ذلك أني فشلت ؟. قد يبدو الأمر صحيحا لو تأكد أن للهاوية قعر...

على الحافة كنت أتهيأ لإطلاق صرخة أخرى وانتظار صداها يتردد حلوا في أذني، لكني لم أفعل هذه المرة رغم تشابه الزمن..فالمساء كأنه نفس المساء.. والهاوية هي نفس الهاوية وما أدراك ماهية..ولكن أنا من تغير.. أنا من تأكد أنه لا يصرخ سوى لأنا وأما الآخر هنا وهناك ( هون وهوك ) فلن يضيف لموتي شيئا مادام لم يستوعب ( أن تعيش لا تبرهن  أي شيء  ).

بين الهنا وألهناك ( الهون والهوك ) قد يستهوينا الذهاب في طريق مفروش بالرمال الناعمة، مستبشرين بطلائع النصر غير متوقعين الهزيمة تلك المتربصة بنا حيثما يشتعل زمن المفرد المتفرد، وتنبثق الفكرة تئد فعل الجمع...

بعد ذلك.. أي بعد رفضي أن أكون هنا وهناك ( هون وهوك ).. أن أكون الصوت والصدى... قررت وهو فعل اتخاذ القرار أن أهجر كل مساء يشبه المساء الذي قد يوصلنا إلى الوقوف على حافة هاوية سحيقة  لأننا جلسنا فوق حزمة من الحطب وأوقدنا فيها نارا وكل منا يوهم الآخر أنها للتدفئة فقط و لن تأكله.

 كنت أمني النفس بإعدام كل المساءات.

ولا أدري لماذا عن لي أن أبحث عن صباح جميل ينسيني هول التفكر في مساءات قد تشيب لعواقبها الولدان، ولكني واجهت مشكلا عويصا يرتبط بمعنى الصباح. بحثت في المعجم الخاص بالأيام فلم أعثر سوى على جملة يتيمة  قريبة من المعنى الذي كنت في ليالي السجن الطويلة قد كونته عما يمكن وصفه بالصباح :

(حين ينتهي الليل ويستيقظ النيام)

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2237   الاحد   7/ 10 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم