صحيفة المثقف

الإعلام العراقي .. واقع التحول والإستلاب (1)

ذلك لأن الإبداع هو القدرة على إبتكار الجديد وسرعة الالتقاط والتميز، أما الفكر فيعني أن الاعلام بات علماً له أصوله وقواعده وبالتالي يحتاج الى وضع الخطط الآنية والمستقبلية وفق أحدث النظريات في هذا المجال، ثم تأتي المهارة في تجسيد تلك الخطط وطريقة تنفيذها لإيصالها من ثم الى المتلقي .

وعلى هذا يمكن عنونة الموضوع الإعلامي في العراق ضمن النقاط التالية :

 

1: الإعلام و"الحقيقة" الإعلامية

لاشك بأن الرسالة الاعلامية ، باتت هي الأسرع وصولا والأكثر تأثيرا في الناس على مختلف اتجاهاتهم ومشاربهم،.

ولما كانت تلك الرسالة تتطلب في جوهرها، نقل الحقيقة إلى المتلقي وبالتالي المساهمة في تشكل وعيه وتفاعله مع الحدث، لذا كان من الواجب الالتزام بصدقية النقل وحسن الوصول اعتباراً من إن المتلقي قيمة إنسانية ينبغي احترامها،اذ تعرّف الحقيقة بأنها حدث شغل حيزا في الزمن والمكان، إلا أن ذلك قد لا يعني شيئاً اذا تعارض والهدف الإعلامي لهذه الواسطة الإعلامية او تلك، اذ بإمكانها صوغ " حقائقها " الخاصة وفق طريقة " الفبركة " أي خلق مزيج متجانس من عناصر الحدث الأولية،ومن ثم إعادة تشكيلها ضمن سياقات معدة سلفاً لتتلاءم مع إمكانية الإيحاء بأكثر من اتجاه، وفيها قد يتخلص الناقل من تهمة التلفيق ليدخل قي حقل إعادة الصياغة ضمن الأسلوب المتبع في الاعلام ، أو ما يسمى بتحرير الخبر، وهو في محمول الحقيقة دون تقديمها ،مثال ذلك ما اوردته قناة عراقية أثر تفجيرات الاربعاء الدامي حيث بدأ الخبرهكذا : في صراع مكشوف على السلطة --- -- وهي محاولة مسبقة لحرف المتلقي عن الفاعل .

تلك الصياغة مازالت متبعة في بعض وسائل إعلامنا – العراقية والعربية – خاصة فيما يتعلق بالحدث العراقي، رغم انكشاف عقمها ولا موضوعيتها المهنية حيث التلاعب بحقيقة الحدث وبالتالي دفع المتلقي نحو زوايا ضيقة مقصودة لذاتها،ذلك ما يمكن إعتباره " حقيقة إعلامية " تبتعد في مضمونها عن الحقيقة الواقعية بنسبة ما ترتئيه هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك .

النظريات الحديثة في الإعلام تذهب الى مستويات ثلاث في إيراد المادة الإعلامية – خاصة في مجالها الخبري - وهي كالتالي :

1: الحدث موضوعياً –

2: الحدث بخلفيته

3: الحدث في الرأي عنه

وبالتالي يمكن إيجاز تلك المستويات بما نراه وما نسمعه وما نقوله .

فما تراه العين – او عدسة الكاميرا مباشرة – يكون خبراً، وهو موجود موضوعياً وينبغي نقله بإعتباره حقيقة لايجوز فبركتها او المساس بها ولإ فقد المورد صدقيته التي هي أهم المرتكزات في الوسيلة الإعلامية .

اما مانسمعه عن الحدث، فيشكل الخلفية التي يمكن صياغتها بطريقة لاتفقدها جوهرها ولا تبالغ فيها .

أما مانقوله، فيمثل رأينا في الحدث وهنا تكمن حرية الوسيلة الاعلامية في التعليق على الحدث على ان تلتزم بالضوابط العامة لموضوعية الحدث ذاته فلا تحملّ الحدث ماليس موجوداً فيه موضوعياً.

 

2: الإعلام والقرار السياسي

في الانظمة الديمقراطية عموماً، تكون الحرية صنو الاعلام ورئته التي يتنفس منها،فمن طبيعة الاعلام الفاعل أن يكون مستقلاُ بإعتباره سلطة رابعة،وعلى ذلك ينبغي ان لا يكون تابعاً بالمعنى المباشرلسلطتي القرار السياسي او المالي .

في الجانب التبعية السياسية، مازلت معظم التشكلات السياسية العراقية من القوى والاحزاب والحركات، تسلك نهجاً متقادماً في رؤيتها للديمقراطية الداخلية في تشكلاتها، فهي تنطلق إجمالاً،من قواعد ثابتة أسست دعائم نظرتها السياسية وحددت ثوابتها وإتجاهاتها في مجمل ما تمخض عنها من نتاجات وبنيوية طبعت الكثير من الحركات أو الأحزاب السياسية، وقد يكون لهذا علاقة بما يعانيه الفكر السياسي عموماً، فيما يخص مسألة الديمقراطية وحكم المؤسسات، حيث يمكن رصد تلك الظاهرة بقراءة إجمالية في نظم العلاقات واللوائح الداخلية لتلك الأحزاب والحركات، ومع وجود تمايزات في منطلقات بعض القوى هنا وهناك، إلا أنها إلتقت في متجه واحد صبت مياهه في سواقي المركزية، لذا فمن النادر أن يلحظ هناك من وضع مسألة اللأمركزية هدفاً رئيسياً لتوجهاته بعيداً عن كونه في السلطة أم خارجها بالرغم من حجم الشعارات المرفوعة في الأدبيات والخطاب، فإذا كان فصل السلطات يعتبر المرتكز الأساس في النظم الديمقراطية، فكيف يمكن لقوى سياسية في بلد ديمقراطي ان تنهج نهجاً مغايراً.؟

الملاحظ ان الفصل بين السلطات – التشريعية والتنفيذية والقائية، لايعني ان تعمل كل منها بمعزل عن الأخرى، بل يقصد بذلك الفصل في التنفيذ والوحدة في الهدف، فهذا الفصل يأتي في إطار حيوية العمل والأداء العام لخدمة المجتمع، لدى كل من هذه السلطات .

أما في القوى السياسية، فما زالت تنظر للاعلام بإعتباره وسيلة دعائية عليه أن ينفذ ما تقوله القيادات السياسية لهذا التنظيم او ذاك، من غير ان تتطور الرؤية في ان للإعلام سلطته الخاصة التي تؤهله لقيام علاقة تكافؤ وتفاعل مع القيادة السياسية لاعلاقة تبعية وإحتواء مما يجعل الاعلام مجرداُ من كل اسلحته اللازمة لنموه وتطور، في الإبداع والفكر والمهارة،كما أسلفنا .

 

3: الاعلام والمجتمع:

منذ ان كانت القبيلة تحتفل بولادة شاعرها حيث تعتبر أول قصيدة يقولها ، هي ولادته الحقيقة التي يعرف بها متقدمة على ولادته البايولوجية، لعب الاعلام دوره المؤثر في حياة المجتمع وتكوين ذائقته الأدبية .

كان الشاعر هو اعلام القبيلة ولسانها، ثم جاء دور الكلمة المكتوبة خطّاً على رقعة، فتنوع الاعلام بتنوع أغراضه ومراميه، من رسائل الولاة الى الخلفاء التي تحمل الإخبار عما يدور من تطورات في ولاياتهم ، وحينما اكتشفت الطباعة، حدثت نقلة هائلة في وسائل الاعلام مع ظهور الصحافة التي ازدادت تبعاً لها نسبة الاخبار والتقارير مختلفة الاغراض ومتسعة المتلقين .

الطفرة الاكثر حيوية وبعدا تاثيرياً جاءت مع اكتشاف امكانية نقل الاصوات عبر الاثير الى مناطق بعيدة تغطي مساحات شاسعة، فكان الراديو التي اعتبر يومها ثورة حقيقية في الاعلام .

ثم اخترع التلفزيون فكان ان تمتع المتلقي بالصورة والصوت اضافة الى سرعة النقل، وصولاً الى البثّ الفضائي الذي ساهم بجعل العالم قرية كونية واحدة .

في كل تلك التطورات في وسائل الاعلام، كان التأثير أكثر فاعلية باتجاه واحد من المرسل الاعلامي الى المتلقي المتفاعل .

لكن التطور ذاته في وسائل النقل الاعلامي، ساهم كذلك في تطوروعي المتلقي الذي يعد مجرد وعاء يملأه المرسل بما يشاء، بل أصبح عنصراً فاعلاً في التاثير بدوره على وسائل الاعلام التي طورت نوع خطابها تبعاً لذلك، فأصبحت تتقيد بحيثيات يفرضها احياناً طبيعة المتلقي سلباً أو إيجاباً .

وعلى ذلك تحولت العلاقة الاعلامية، لا بين مرسل ومتلق كما كانت في السابق ، بل بين قطبين يتبادلان التاثير أحدهما بالآخر، وقد تراجعت الى حدّ كبير،ماكان يسمى بالدعاية الاعلامية التي تهدف الى الترويج بصياغات اعلامية تقدمها للمجتمع كحقائق ثابتة، وحلّ مكانها إعادة تشكيل للرسالة الاعلامية ذاتها التي تحاول ابتكار وسائل اكثر تطوراً وذكاءاً . 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1207 السبت 24/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم