صحيفة المثقف

انتونيو غالا .. جسر تواصل حضاري بين الثقافة الاسبانية والعربية / كاظم شمهود

التي اغنت واثرت الساحة الثقافية الاسبانية . ويعتبره البعض موسوعة تقافية واسعة تنفتح على عالم رحيب يكون فيه الانسان محور محبة وسلام فتزول الحجب ويسعى فيها الفرد لعبور الحدود الى ثقافة الانسان الآخر .. فقد كتب في الرواية والشعر والمسرح والقصة القصيرة والاوبرا والسينارية ودرس الفلسفة والسياسة والقانون والاقتصاد ... ويعتبر غالا نفسه اندلسيا وليس اسبانيا . ويصف (حرب الاسترداد) انها حرب اهلية يعني بين الاخوة انفسهم كما هو الحال في الحرب الاهلية الاسبانية عام 1936 -39 . وان العرب ليسوا غزاة (العرب لم يغزوا الاندلس ولم يفتتحوها عسكريا، بل ثقافيا)،، ومن هنا يعلن غالا انتمائه الصريح وجذوره الاندلسية .. ومن رواياته الاخيرة - المخطوط القرمزي – و - الوله التركي - وكان المخطوط القرمزي قد ترجم الى اللغة العربية ونال شهرة كبير ترجمته احد الدور في دمشق .. وقصة المخطوط عجيبة الادوار وهي مدونة عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة وحيث كتب مذكراته على الاوراق القرمزية الخاصة بمملكة بني احمر في غرناطة بعدما نفي واستقر في فاس .. وقد كشفت هذه الاوراق عام 1931 عن طريق معماريين فرنسيين كانوا يدرسون الآثار في مدينة فاس وبالتحديد في جامع القرويين، حيث عثروا في غرفة تقع اسفل الجامع على مكتبة قديمة تحتوي على نفائس المخطوطات والكتب وكان من ضمنها مخطوط مجلد باناقة ورقة جميلة وبلون قرمزي ... المخطوط وصل الى اسبانيا عن طريق احد تاجر الكتب والذي باعه الى احد المكاتب ثم سقط بيد غالا .. .. وقد صاغ غالا تلك المذكرات على شكل رواية جميلة ..

و يذكر النقاد بان غالا في روايته هذه اراد ان يعبر عن افلول مملكة غرناطة وبني نصر التي كانت تعبر في نمطيتها العربية والاسلامية في ذلك العصر عن التسامح والتعايش السلمي وفيها غالا يبكي ويتوجع كثيرا على ماضي كان فيه العلم والثقافة والادب عنوان وسمات ذلك المجتمع .. .. لا اريد الاطالة في التحليل والنقد لان ذلك قد كتب عنه الكثير ولكن اريد ان اعرج قليلا الى تحف التاريخ والذاكرة المعاصرة لحياة غالا ونشاطاته الادبية النفيسة التي فيها كثير من العبر وكثير من الحنين الى الماضي المجيد .. .. خلال تتبعي المتواضع لحياة غالا وجدت ان هناك اشياء ومواقف تستحق ان نقف عليها قليلا .. منها " في مطلع الثمانينات كانت هناك اذاعة رادية في مدينة اشبيلية تسمى بيراتا pirata  تبث برنامج ليلي ساهر ثقافي ادبي شعري يدعى el loco de la colina وكان يدير ذلك البرنامج الاديب والمذيع المتألق خسوس كينتيرو Jesus Quintero وكان هذا البرنامج كثير ما يستضيف غالا في حوارات ادبية وشعرية وتاريخة جميلة وحميمة تشم منها احيانا رائحة عطرة ترتخي لها النفوس وتجل ، و تمتد هذه الدردشات الساحرة ساعات حتى مطلع الفجر.. ومن اقواله (اذا ما اضعت فرح القناعة لكونك حيا فهذا يعني ان الموت الحتمي يتقدم داخل روحك، فالامل يجب ان يدام حتى عتبات الموت او ربما الى ما وراءها ...) بهذا التألق الادبي ينطلق غالا من ثقافة عربية بحته (اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)

و كان غالا يصوغ جملة ببلاغة عالية وسجع وله اسلوب مميز نادرا ما تجده عند غيره من الادباء الاسبان (وقيل حتى غلب غيره من الادباء القدامل كالاديب المعروف كبيدو Quevedo ولوبي دي بيغا Lope de Vega والاخير له نبز اندلسي (Vega البقاع) وهما من ادباء القرن السابع عشر) ففي اسلوبة ابداع وجمال يطبع في الذاكرة ... وبعدما اشتهر البرنامج وصاحبه Jesus في اسبانيا ازدادت الطلبيات على صاحب البرنامج فدعي الى قناة مدريد الاولى وقدم برنامج ثقافي آخر يدعى el pero verde حيث كان يلتقي مع الرموز الثقافية و الادبية واهل السينما والمسرح ..

 

 ... وفي مشهد آخر من مطلع التسعينات كان غالا يوما من الايام في جامعة مدريد يلقي محاضرة عن الادب والتاريخ . وكنا حاضرين وقد تخلل المحاضرة نقاش وتعليقات منها " ان احد الطلبة قام فقال انا اسباني اوتنتيكو اصلي .... فرد عليه غالا " ان هذه (الاوتنتيكو) جاءت من كاما ريدوندا cama redonda بمعنى انك جئت من خليط الامم والثقافات التي امتزجت وتزاوجت ثم أنجبت هذه اسبانيا المعاصرة ...

و كان غالا يقول (بدون الثقافة العربية والاسلامية لايمكن فهم اسبانيا) كما يقول (ان اللغة الاسبانية تنحدر من لغتين هما اللاتينية والعربية لدرجة تبعث القشعريرة في الجسم) .. ويقول ايضا في مسألة دخول العرب الى اسبانيا (ان الذي حدث في اسبانيا ليس اكتشافا او استعمارا مثلما هو عليه في امريكا، فالذي حدث يشبه المعجزة التي تبعث على الاعجاب والانبهار اللذين يغشيان المرء بعد كل معجزة ..) .. ويذكر انه قد زار سوريا والقى عدد من المحاضرات في دمشق واستقبل بحرارة وتكريم ..... هذا هو انتيونيو غالا وعطاءه وابداعاته الثقافية ومواقفه الجميلة تجاه العرب ... ترى هل ان الادباء العرب كرموا او منحوا جائزة شرف لهذا الاديب الكبير تثمينا لمواقفه الشريفة الطيبة تجاه الثقافة العربية ؟؟؟؟؟ .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2264 السبت 03 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم