صحيفة المثقف

العقل الانساني في الميزان ... / كاظم شمهود

ولازال الجدل قائما حول علاقة العقل بالعاطفة ومسألة النفس و كل القوى المنضوية تحتها .. وعلى اعتبار ان الانسان قبل حمل (الامانة) وانه خليفة في الارض و يحكم بالعدل .. ويذكر بعض المفسرين المعاصرين بان العقل هو قوة او طاقة كانت موجودة او مخلوقة في عالم النور قبل خلق البدن فهو لا يجوع ولايعطش ولا يتألم ولا يحزن وهو مصدر المعرفة .. اما الخوف والقلق والغضب فهي من صفات النفس . واما البدن فهو الحامل لهذه القوى غير المادية وهو يجوع ويعطش ويتألم ويحمل الحواس الخمسة و غيرذلك ...

و حسب هذه النظرية فان هناك ارتباط ومفهوم مشترك بينها وبين نظرية المثل لافلاطون .. علما ان افلاطون درس وتعلم في مصر القديمة . والتي انتشرت فيها في مرحلة من مراحلها التأريخية تعاليم النبي ابراهيم واولاده و من بعدهم موسى – ع- ولايستبعد ان افلاطون قد اطلع على هذه الافكار الربانية وتأثر بها ... ....

 

العقل العربي ..

يؤكد الباحثون واهل العلم والتفسير باننا ما لم نعرف فلسفة التاريخ لا يمكن ان نعرف الحاضر فنحن امتداد لذلك التاريخ و التراث البعيد . وقد اثبت العلماء اليوم بان الجينات الوراثية تحمل ملايين المعارف والصفات عن الاجداد البعيدة بمئات السنين بل الآلاف ... اذن ان فتح التاريخ هو كعظة وعبرة لؤل الالباب وفهم للحاضر .. .. و منذ ظهور الدولة الاموية تحول الحكم الى وراثة عضوضة فاخذ العقل العربي خطا طائعا للسلطان يسير ضمن الاجندة التي رسمها له .. (الناس على دين ملوكها) وظهرت نظريات واحاديث تدعم السلطان وتوجهه.. مثل النظرية الجبرية و التي ترجع الى ابان بن سامع الذي تتلمذ على طالوت بن عاصم اليهودي والنظرية القدرية التي كان قد تكلم بها رجل من اهل العراق كان نصرانيا فاسلم ثم تنصر وقتل على يد الحجاج .. كما جندت السلطات علماء دين ومن اصحاب المذاهب بالقوة والاكراه لخدمة مصالحها وسن الاحاديث المزيفة . مثل (اطيعوا الحاكم المسلم وان كان ظالما) او (من خرج على السلطان فهو كافر) ..

ولهذا فان هذه النظريات ادت بالتالي الى سلب الانسان من ارادته ودوره في صنع الاحداث ومسيرة التاريخ وتوجهه . فقيد العقل وحجر ومنع (الاجتهاد) وقول الحق امام الظالم ... اذن عطل العقل واطلق العنان للعاطفة في سب وكره هذا المفكر ومدح وتشييد ذلك . فسب ولعن الامام علي- ع - على منابرالمساجد على طول الامبراطورية الاسلامية وعرضها .. لماذا ؟ لانه هو الحق والعقل التنويري وهو الذي يخاطب الا موال (ياصفراء يا بيضاء غري غري غيري) (لا تكن عبدا وقد جعلك الله حرا) (الناس صنفان اما اخوك في الدين او نظيرك في الخلق) فهذا المشروع الانساني الرباني غير موجود في قاموس الدولة الاموية ومن جاءت بعدها الدولة العباسية والدولة العثمانية .. ولهذا بدأ الانسان العربي في مرحلة تخلف واحباط حيث منع من قراءة الفكر والنص بمفهوم جديد ومعاصر .. فحرقت كتب وصودر البعض منها لكثير من العلماء وقتل اصحابها او شردوا لانها تخالف اهواء وتوجهات الحاكم والمؤسسة الدينية التي تدعمه . مثل العالم الاندلسي ابن رشد وغيره ... نعم ان الدولة العباسية فتحت الباب للحركة العلمية والثقافية وخاصة الترجمة . وظهرت في زمنها مذاهب فكرية شتى من مختلف الالوان وحتى الزنادقة (الملحدين) لكنها وضعت لها خطوطا حمراء وابعدتها عن الاقتراب من المنظومة السياسية ..ا او تفسير النص بطريقة التجديد والحكم...

 

مصادر المحنة ..

1 - الانانية – وهي ليس من صفات العقل بل من صفات النفس الامارة بالسوء حيث لها نزعة شريرة واعتداء على القيم الانسانية وهي السبب في العدوان والظلم وحب السلطة والتفرد به والمال والبطش ... وقد ولدت هذه النزعة صراعا مريرا بين الحاكم والامة وبين الاخوة انفسهم على السلطة والمال فقتل الاخ اخيه وقتل الابن ابيه والتاريخ مليئ بالشواهد على ذلك ...

2 – التحجر – اتبع الحكام العرب نشر ثقافة تمجيد وتأليه الحاكم وهذه الظاهرة بدأ بها الحزب الاموي منذ سنة 40 هجرية وصرف على ذلك الاموال والمناصب المغرية حتى ان معاوية نصب ابو هريرة واليا على المدينة مقابل ذم علي وانصارة ومسح كل الاحاديث النبوية التي تشيد بمكانتة .. هذا التوجه الثقافي خلق خط تابع للحاكم ومتحجر غير قادر على التفكير فكل شئ يأتيه جاهز وحاضر ومدعوم من قبل (علماء اهل الحل العقد) والى يومنا هذا ومن خالف هذا الخط يصفى هو واهله .. وهذا ما حدث في زمن النظام البعثي الصدامي في العراق ... وما يحدث اليوم في بعض الدول العربية ..

3 – المؤسسة الدينية – في صدر الاسلام في زمن الدولة الاموية ازال الحاكم المؤسسة الدينية الحقيقية واوجد اخرى بديلا لها تعتمد على التأويل وتراث (السلف الصالح) فقد ضرب النص وضرب التجربة الاولى للاسلام ... مثلا سيدنا معاوية خرج على سيدنا علي .... .. ؟؟؟ وسيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين .. ؟؟؟ اذن اصبحت المنظومة السياسية لها حصة في تفسير الدين فهذا التناقض في المعتقد مثله كمثل بعض الممثلات والممثلين والمطربين المصريين الذين يجمعون بين الصلاة والحج والرقص واللهو والخمر وغيره باعتقادهم ان ذلك جائز ومشرع .. ونحن اليوم نشاهد ونجد مليار ونصف مسلم في العالم يسير على خطى ما رسمه له الاقدمون . (سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين .؟؟؟؟) اذن ماذا ننتظر من هذه الامة .. ؟؟؟ هل يمكن لها ان تفتح عقلها وتستطيع ان تحلل وتراجع التاريخ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ام على قلوبهم اقفالها ؟؟؟؟؟ . في كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين اللبناني (1329 هجرية) يحاور فيه الشيخ سليم البشري شيخ جامع الازهر المصري وبعد حوار ونقاش طويل يعترف الشيخ سليم بان ما يقوله السيد شرف الدين صحيح ولكن الامة الاسلامية وجدت نفسها امام هذا التراث الطويل والمعقد و لايمكن تغيره ... وكأنه يقول لقد فات الاوان ومن الصعوبة الاصلاح .... ولهذا فان هذه المؤسسة الدينية منها من يعرف الحق ومنها من يجله وقد اعطت شرعية للحاكم واصبحت في شباك مع كل تجديد .. حيث تعتقد راسخة ان اي تجديد سيذهب بالحاكم والدين ... وهذا ما نراه اليوم في مذهب الوهابية التي اغلقت الابواب على كل تجديد واوقفت حركة العقل وكفرت من خالفها ..

 

4 - نظرية المعرفة – لقد قضي على المعتزلة بقرار سياسي لانها تدعو الى العقل .. , والمعتزلة اعتمدت على العقل والفطرة في الحكم و تفسير الاشياء (و هو مانراه عند فلسفة ديكارت العقلية) ويذكر ان واصل بن عطا اختلف مع استاذه الحسن البصري في مسألة واعتزل من درسه وكون له حلقة تدريسية اخرى سماها البصري بالمعتزلة ... .و لكن من طبيعة الحياة ان الانسان دائما محكوم بمكان وزمان في مسألة التطوير والتجديد فهو في قراءة مستمرة ومتعددة ويعني ذلك انه في كل فترة يفهم النص حسب المتغيرات دون الخروج على الثوابت العقدية .. وهذا ما نجده في الفكر الاجتهادي او ما يسمى - منطقة الفراغ – عند الشيعة الامامية .. حيث يعتقدون ان هناك تراكم معرفي وتجديد للوعي الانساني ولابد من توظيفه في الوقت والمكان المناسب .. ويمكن مراجعة كتاب السيد الشهيد الصدر – فلسفتنا –

 

5 – اليسار الاسلامي – اليوم نسمع عن نظرية تقول باليسار الاسلامي . وهذا يذكرني بكتاب ظهر في مطلع الستينات على ما اعتقد يسمى - اليمين واليسار في الاسلام – للكاتب المصري احمد عباس صالح . الكاتب يضع الامام علي والحسين – ع- على جانب اليسار ويضع عثمان والحسن في جانب اليمين ... وان الامام علي لم يهادن معاوية على الاطلاق بل اصر على عزله لان الحزب الاموي كان وراء قتل عمر بن الخطاب ليمهد الطريق الى مجيئ عثمان بن عفان الذي اقفل القضية وطمطمها بسرعة دون تحقيق او سؤال عن من هو وراء تلك الجريمة ؟؟؟؟ .. فكان ابو لؤلؤة فيروز القاتل غلام المغيرة بن شعبة الذي هو من الحزب الاموي ... وبعد الجريمة قتل فيروز في الحال وبسرعة دون محاكمة او سؤال وهو ما اغضب الامام علي –ع- . والى اليوم اقفلت الجريمة ولم يتحدث عنها المؤرخون لان الخط الاموي لازال يحكم في بعض الدول العربية بكل تراثه ومواصفاته وخصائصه الاجرامية الاعرابية البدوية خاصة في السعودية . .؟؟؟؟؟؟؟ .. ... اليوم يظهر مفهوم خط الامام ويسمى باليسار الاسلامي (لو كان الفقر رجلا لقتلته) ويعني ذلك انه يجب ان تكون هناك قراءة جديدة للنص الديني حسب البعض ... ولكن البعض الآخر يقول لا , ان اليسار بمفهومه الماركسي يلغي النص تماما وليس امامه شئ مقدس فهو يصتدم بالغيبيات ويزحزحها من امامه . وهو ليس اصلاحي بل تغيير شامل وتجديد .. وعلى هذا الاساس فان التراث الثقافي الانساني ليس له مكانة في مفهومه ...... ...... الواقع ان هذه الطروحات قديمة وليس جديدة فقد عاشها الاسلاميون في العراق في مرحلة الستينات وكانت شديدة احيانا مع اليساريين الذين اخذوا لهم فسحة قصيرة من الحرية في زمن عبد الكريم قاسم ...

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2271 السبت 10 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم