صحيفة المثقف

صفقات المالكى التسليحية .. ما خفى كان أعظم / جودت هوشيار

عن أنظار الرأى العام المحلى والعالمى  لمدة طويلة كما كان الأمر فى السابق .

 قد يستطيع حاكم ان يتكتّم على بعض أسرار سياساته الداخلية والخارجية لبعض الوقت ولكنه لن يستطيع أن يفعل ذلك الى الأبد . والوثائق الى نشرها موقع " wikileaks" شاهد على ما نقول، ناهيك عن وسائل الرصد والمراقبة عن طريق الأقمار الصناعية وأجهزة التنصت الألكترونية المتطورة وغيرها من وسائل الأتصال والحصول على المعلومات .

ورغم كثرة ما كتب ونشر عن عسكرة المجتمع العراقى وصفقات العراق التسليحية وخاصة  صفقة الأسلحة الروسية، لكن معاهد الدراسات الأستراتيجية والمجلات الأجنبية المتخصصة فى الشأن العسكرى، تفاجئنا كل يوم بتفاصيل جديدة عن صفقات الأسلحة التى تعاقدت عليها حكومة المالكى من وراء ظهر الشعب العراقى . حتى الوزراء وأعضاء مجلس النواب لا يعرفون شيئاً عن أهم تفاصيل تلك الصفقات ولا عن المبالغ المخصصة لها ولم يعرض أى عقد تسليحى لحد الآن على مجلس النواب لمناقشته وأقراره خلافا لبنود الدستور، الذى أصبح كقميص عثمان يرفعه الحاكم بوجه معارضيه عند الحاجة وينتهكه متى أقتضت مصالحه الشخصية ذلك .

.

الأخبار والتقارير المعلنة تقول ان مجموع مبالغ صفقات الأسلحة العراقية - الأميركية هى بحدود (12) مليار دولار، بضمنها  30 طائرة مقاتلة أمريكية الصنع من طراز إف-16 ومن المقرر أن تصل أولى الطائرات في آذار 2014  ولكن المحلل الأستراتيجى،المتخصص فى شؤون الشرق الأوسط فى مركز الأمن الدولى التابع لمعهد العلاقات الدولية فى روسيا الدكتور " ستانيسلاف ايفانوف "  يقول فى مقال نشره مؤخراً  تحت عنوان " جبال جديدة من الأسلحة للعراق لماذا ؟ "  فى عدة مجلات ورقية ومواقع الكترونية روسية  مهتمة بالشؤون العسكرية وتسويق الأسلحة :

 

  "ان اجمالى مبالغ صفقات  الأسلحة العراقية-  الأميركية المتعاقد عليها حتى الآن وتلك التى يجرى التفاوض بشأنها حالياً بين الطرفين، ستبلغ خلال السنوات القليلة القادمة  (32) مليار دولار ".

و لقد اعترف المالكي، في مقابلة تلفزيونية بث مكتبه الإعلامي مقتطفات منها يوم الخميس(8 – 11 - 2012)  " إن السلاح الأمريكي سيكون أساس بناء قدرات الجيش العراقي " وأضاف " اننا نعمل على أن يكون  السلاح الأمريكي هو الهيكل الأساسي في تسليح الجيش العراقي".

 

لقد ورث نظام المالكى من النظام السابق كميات هائلة من الأسلحة السوفيتية الصنع وكان لدى الجيش العراقى المنحل خبرة طويلة فى استخدامها، وهذا يفسر اعادة آلاف الضباط والمراتب من الجيش السابق الى الجيش المالكى المليونى الجديد  وعقد صفقة الأسلحة العراقية – الروسية بقيمة (4،2) مليار دولار، لشراء أسلحة هجومية متطورة، صالحة للحروب الجبلية والصحراوية، على حد قول رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى، ردأً على سؤال لمندوب وكالة " ريا نوفتسى " الروسية شبه  الرسمية  فور وصوله الى موسكو  .

و قبل مغادرته موسكو صرح المالكى بأن المفاوضات مستمرة مع الجانب الروسى لعقد صفقات تسليح أخرى فى المستقبل القريب .

و فى الوقت نفسه يتواصل التعاون العسكري التقني بين العراق وأوكرانيا، والذى بدأ  في العام 2005، عندما سلمت الوحدات العسكرية الأوكرانية  اسلحتها الى الجانب العراقى بعد انتهاء مهمتها ضمن قو ات التحالف ومغادرتها للبلاد . وهى فى معظمها أسلحة سوفيتية الصنع.

  وفي وقت لاحق تم التوقيع على عقود تسليح مع اوكرانيا تبلغ قيمتها أكثر من (2) مليار دولار أمريكي.

و قد شابت هذه العقود شبهات فساد كثيرة  تحدثت عنها الصحافة الأوكرانية مرات عديدة على مدى السنوات القليلة الماضية .

كما تم التوقيع على عقد لشراء 24 طائرا تدريب مقاتلة متعددة الأستخدامات من جيكيا بقيمة مليار دولار اميركى . الى جانب صفقات اسلحة اخرى مع كندا وصربيا، لا يزال الغموض يكتنف تفاصيلها . وكل هذه الصفقات تم شراؤها أو فى الطريق الى شرائها عن طريق وسطاء وسماسرة وتجار أسلحة أدركوا جيداً معدن المسؤولين الجدد المنتمين الى الحزب الحاكم  ..

و يؤكد " ايفانوف " "  أن القيمة الأجمالية لصفقات المالكى التسليحية تبلغ  حوالى (40) مليار دولار، يتم أنفاقها من الميزانية العامة للعراق خلال هذا العام والأعوام القليلة القادمة، وكان الأجدر صرفها على أعادة  أعمار العراق المدمر و حل المشاكل الأقتصادية والأجتماعية  التى يعانى منها الشعب العراقى ".

 

 ويضيف قائلاً "ان التوجه نحو عسكرة البلاد بوتائر متسارعة سيؤدى الى مزيد من التطرف  وأثارة موجة جديدة من العنف فى المجتمع العراقى  وفى الوقت نغسه  يثير قلق الدول المجاورة للعراق حول النوايا الحقيقية لتكديس جبال الأسلحة وسياسة بغداد المعلنة (المدافع أولاً)  و سيكون ذلك أيذاناً بسباق تسلح بين دول المنطقة " .

 

و يشير " ايفانوف "  الى مخاوف الكرد المشروعة من توجهات المالكى الخطرة ونزعته الدكتاتورية ، التى تذكرنا بتوجهات صدام ونظامه الشمولى  ومغامراته العسكرية وحروبه الدموية ضد الشعب الكردى .

 

و يرى "  ايفانوف "  ان الولايات المتحدة الأميركية تلعب لعبة خطرة ببناء  ترسانة عسكرية عراقية هائلة وتحويل العــراق الى موطىء قدم لعملياتها العسكرية فى المنطقة. ويضيف  قائلاً :"  صحيح ان مليارات الدولارات من عائدات النفط العراقى ستتدفق على الشركات الأميركية، ولكن  المخططين الأستراتيجيين فى البنتاجون لم بأخذوا بعين الأعتبار ان نظام المالكى الذى زرعوه فى بغداد هش وقصير العمر  وان المالكى شريك لا يمكن الوثوق به، فقد أحتفظ  بمنصبه لولاية ثانية بشق الأنفس وبضغط أميركى. والأهم من ذلك أن المالكى لا يحظى بأى تأييد ليس بين  العرب السنة والكرد فقط ولكن حتى بين الأغلبية الساحقة من العرب الشيعة  . ان قعقعة السلاح فى بغداد سيؤدى الى تردى العلاقات العراقية –التركية والعراقية – الأيرانية، والى أحد احتمالين أثنين أما  اشعال فتيل الحرب الأهلية او تقسيم البلاد ، ولا أحد يدرى بيد من سوف تقع جبال الأسلحة هذه  مستقبلاً."

و يبدو ان " ايفانوف " لديه معلومات حول صفقات الأسلحة الحالية وتلك الى يجرى التفاوض بشأنها أكثر من أى وزير أو نائب أو مسؤول عراقى آخر (ما عدا المالكى). حيث اعترف المالكي، في مقابلة تلفزيونية بث مكتبه الإعلامي مقتطفات منها يوم الخميس(8 – 11 - 2012)  " إن السلاح الأمريكي سيكون أساس بناء قدرات الجيش العراقي " وأضاف اننا نعمل على أن يكون  السلاح الأمريكي هو الهيكل الأساسي في تسليح الجيش العراقي".

 

لقد أهدر المالكى مئات المليارات من الدولارات خلال سنوات حكمه العجاف على مشاريع وهمية او فاشلة او متلكئة للبنى التحتية ، وهو  يسعى اليوم لأنفاق (40) مليار دولار آخر على شراء أسلحة هجومية صالحة للمعارك الجبلية والصحراوية وجعل جيشه المليونى المطعم بضباط الدمج (عناصر الميليشيات)  ومرتزقة صدام،  أداته الرئيسية فى اخضاع وتصفية القوى المعارضة لحكمه القمعى . وفى الوقت نفسه  يتباكى على فشله  فى تمرير ما سمى بمشروع قانون " البنى التحتية " وهو فى الحقيقة " مشروع قانون الدفع الآجل " أو على نحو أدق أقتراض (30) مليار دولار من البنوك الدولية أو التعاقد على مشاريع بالدفع الآجل  للبنى التحتية، لن يكون مصيرها أفضل من المشاريع السابقة . .

 

و السؤال الجوهرى هنا هل يشكل التسليح وعسكرة المجتمع أولوية بالنسبة الى الشعب العراقى أم  أعادة الأعمار ووتوفير السكن اللائق للعراقيين الذين يسكنون فى الصرائف وبيوت الصفيح ويشربون المياه الملوثة ويتحماون شظف العيش وقسوة الحياة على نحو يفوق طاقة البشر وغالبيتهم مواطنون عراقيون من الطائفة التى يزعم المالكى أنه يمثلهم ؟ وهل التسلح المحموم أهم من توفير لقمة العيش والماء الصافى للشرب والكهرباء وبناء المدارس والمستشفيات وتحسن وتطوير  الخدما ت الأخرى .

و يزعم " القائد الضرورة الجديد " أنه يسعى لشراء أسلحة دفاعية لحماية البلد من أى عدوان خارجى . وهذا حق أريد بها باطل .لأن مهمة الجيش حسب الدستور العراقى هى حماية الحدود، ولكن حدود العراق تكاد ان تكون مفتوحة ولا يتواجد فيها الا عدد محدود من القوات العسكرية والأمنية،  أما القسم الأعظم من تشكيلات الجيش العراقى والأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية الجديدة  - المرتبطة بالمالكى مباشرة خلافاُ للقوانين والأنظمة العسكرية النافذة  - فقد زجه المالكى فى الصراعات السياسية وقمع الشعب المطالب بالخبز والحرية والكرامة .

صدام حوّل الحرس الجمهورى الى جيش ثان أفضل من الجيش العراقى فى تدريبه وتسليحه وامتيازاته وأنشأ ما يسمى جهاز الأمن الخاص لتصفية خصومه السياسيين و تشديد قبضته على الحكم والوقوف بوجه أية انتفاضة شعبية مناهضة لنظامه الديكتاتورى، والمالكى أنشأ  قيادات وو حدات عسكرية وأمنية تحت أمرته شخصياً ولا علاقة لها بوزارتى الدفاع والداخلية  ويستخدمها لتحقيق الأهداف ذاتها .

ان العقلية الشمولية الحاكمة فى بغداد اليوم لا تختلف فى جوهرها عن العقلية الصدامية وهى تشكل خطرأً على  مستقبل العراق، أكثر من أى خطر خارجى مزعوم .!

 

جودت هوشيار

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2271 السبت 10 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم