صحيفة المثقف

سادية حاكم ..مازوشية شعب

فدفعه زواجه القسري هذا الى حياة التهتك والمجون في بيت ريفي، ارتكب فيه فضائح أودعته سجن الباستيل (12) عاما كتب فيها ثلاث روايات من الأدب المكشوف(جوليت، جوستين، 120 يوما في سادوم) دعا فيها الى ممارسة أكثر أشكال السلوك الجنسي انحرافا (لجعل الانسان متحررا وفائق القدرة) بحسب تعبيره. ومن (دي ساد)هذا أشتقت السادية لتعني الحصول على الاثارة والمتعة بايقاع الألم على الشريك بالعملية الجنسية،عدّت ، بمفهوم الطب النفسي، نوعا من الاضطراب والقائم به شخص غير سوّي.   

 

    وقد توسع مفهوم "السادية" وخرج من اطاره الجنسي الى مفهوم سياسي نفسي منطلقا" من مبدأ ان السادية هي في الأصل عدوان قبل ان تكون جنسا"، وان جوهر السادية  هو أنها علاقة سطوه، اذ لايستطيع المتسلط السادي ان يكون الا من خلال التعزيز الدائم لسطوته، التي بدورها لا تتعزز الا بمقدار اضعاف الطرف الآخر في العلاقة واجباره على ان يقرّ بعجزه وهوانه ازاءه، واوضح نموذج لها هو دكتاتور النظام السابق . فبقدر ما كان يتمادى في اضطهاد الناس- وزيادة قسوة السادي دليل على شدّة ذعره - كان يعمد الى ذمّ العراقيين وازدرائهم والتقاط عيوبهم وتحقيرهم، فضلا" عن دوافعه القسريه التي أجبرته على تدمير سعادتهم وتبديد آمالهم .

 

 وهنالك من يذمّ العراقيين ويلومهم على الحال الذي هم فيه، معللين ذلك أن الشعب الذي اعتاد على حكم السلطات الدكتاتورية لمئات السنين يتحول الى شعب مازوشي، يعدّ الخضوع حقا للسلطة وواجبا عليه ويستهون الرضوخ لحاكم يمنحه سلطة الأب القاسي . وأنه "الشعب المازوشي" اذا حصل على الحرية والديقراطية سادت به الفوضى وصار بعضه يأكل بعضا،لأن المازوشي اذا تحرر من سلطة السادي أنقلب عدوانيا . ومع أن في هذا التحليل ما هو صحيح، الا أنهم يريدون أن ينتهوا الى القول بأن العراقيين بهم حاجة الآن الى سلطة دكتاتور لتستقيم أمورهم .

 

 والخطأ في ذلك أنه لا يوجد شعب مازوشي بالفطرة أو بالتعوّد، وأن رضوخ الانسان المسحوق لسلطة متجبر ليست صفة ثابتة ودائمة، فالناس خلقوا أحرارا، والطبيعة البشرية السوية تكره " الخضوع " ولا تميل الى السيطرة على الآخر بالقسوة والعدوان  .

 

ما يحسم هذا الأمر ان العراقيين مقبلون على انتخابات،فاذا اختاروا بوعي ومسؤولية، حاكما ديمقراطيا  عادلا وحازما، فانهم سيغلقون الباب الخلفي لمجيء دكتاتور ..ففي الأمثال نقول: "لا يلدغ العاقل من جحر مرتين" فكيف بشعب تخلّص من لدغة "عربيد" أسود واجتاز المحنة الأصعب في ست سنوات عجاف دفع فيها باهضا ثمن الأثنتين: سادية الحاكم ومازوشية نفسه !

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1209 الاثنين 26/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم