صحيفة المثقف

الاعلام العراقي .. الخطاب الاعلامي للقوى السياسية العراقية (4)

ومدى استعداد المتلقي لتقبله أو إثارة إهتمامه  –يأتي ذلك ضمن عملية تراكمية تأخذ حيزاً من الزمن ومراحل متتالية ومتداخلة  تنجز كل منها مهمة محددة.

وتستند الخطط الإعلامية بشكل عام الى مجموعة من المتتابعات حسبما تقتضيه ضرورة تحقيق الاهداف المتوخاة، وهي:-

1-   الإيحاء: وفيها يتم الحديث من خلال اللقاءات التلفزيونية والمقالات الصحفية والمناسبات الإجتماعية، عن ضرورة إيجاد مناخ سياسي، يستجيب لمتطلبات الوضع العراقي بأبعاده وتنوعاته المختلفة، وفي هذا يجري اشراك المتلقي – وان بشكل غير مباشر- في محاولة البحث عن المنشود من خلال الايحاء به دون التصريح عنه.

2-   الإحتمال: وفيها يتنقل مستوى الخطاب الى وضع محتملات عامة لقوى قد تكون موجودة أو ينبغي البحث عنها، كي يصبح وجودها من ثم محتملاً، وتهدف هذه الطريقة الى نقل المتلقي الى تلمس أو الاشارة لتلك القوى.

3-   التوقع: بعد إنجاز المرحلتين السابقتين، تصبح الأمور أكثر وضوحاً امام المتلقي، وبالتالي يكون قد تهيأ لما يتوقع الإعلان عنه من تسميات محددة لكيانات سياسية او شخصيات او برامج .

4-   المرجح: وفيها يصبح الخطاب اكثر تركيزاً على الاقتراب من تسميات معينة يكون المتلقي قد وصل اليها بنفسه أو بمساعدة الخطاب الاعلامي متعدد المصادر.

بعد ذلك تأتي مرحلة التأكيد الذي يدخل في تفاصيل البرامج والمفاضلة على غيرها وشرح الأهداف السياسية للقوى المؤتلفة التي دخلت مرحلة الإعلان الفعلي عن وجودها، بعد قطع تلك المراحل الإعلامية التمهيدية على ضرورتها واهميتها،التي تأتي متساوقة أو حتى ممهدة للخطوات السياسية .

وفي كل المراحل الواردة أعلاه، يؤخذ في الإعتبار ان الجمهور المتلقي بشكل عام يمكن، أن يصنف ضمن دوائر ثلاث تأتي بترتيب معكوس لمراحل الخطاب الاعلامي، وهي بالإجمال كما يلي  :

1-   المؤكد : وهي الدائرة الأقرب التي تشمل المحازبين والمؤيدين المتحمسين والأصدقاء المقربين ومن هم في حكمهم، ويكون مستوى تقبلهم للخطاب الإعلامي مرتفعاً في كافة مراحله .

2-   المرجح: وتشمل دائرة الاصدقاء والمناصرين والمحبذين والمؤيدين باعتدال، وهؤلاء يخلق  لديهم  الخطاب الإعلامي مجالاً للمشاركة  والإضافة وتحريك مصادر الوعي وتحويل القول الى مقولة   .

3-   المحتمل: وتضّم ذلك الجمهور غير المنتمي الى كيانات بعينها او ما يسمى بالاكثرية الصامتة، وهم في الغالب من يتوجه اليهم الخطاب الاعلامي المركز والمخطط له بدقة من اجل اكتساب شرائح مهمة يمكنها ان تضيف أرصدة مؤثرة على مسار العمل، وهنا ينبغي للخطاب الموجه الى هذه الشريحة ان يكون مركباً ومتداخلاً بين مخاطبة العواطف والتركيز على الثوابت المشتركة وفتح نافذة للمستقبل من دون الإغراق في الوعود المضخمة او الخارجة عن الممكنات، وبالتالي تقديم خطاب يجمع مابين الواقعي المرئي، والمنشود الذي يمكن تحقيقه   .

أما فيما يخص الخطاب الإعلامي لمعظم القوى السياسية العراقية – خاصة قائمتي إتئلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي -، فيمكن إيراد  الملاحظات الآتية :-

1-   نظراً لدقة المرحلة وتشابك الظروف وتراكم المهمات، فقد وضح عدم الاستعداد المسبق لخطاب اعلامي مميز وفاعل.

2-   لم يتح في المجال  امام ظهور اساليب اعلامية يمكنها لفت الانتباه وجذب المتلقي كذلك شرح الاهداف االسياسية  بطريقة سلسة ومنطلقات واثقة وواضحة المرتكزوالأساليب المتبعة لتحقيقها، فجاءت عموماً ذات أساليب تحتاج الى بلورة  في  وسائل الاقناع المصاغة بعناية .

3-   ما زال الفهم الحديث لوسائل الاعلام غير متوفر بشكل ملموس عند وسائل اعلام العراقية عموماً (والشيعية بشكل خاص)، لذا ساد خطابها نوع من النمطية التي لا تبدو ذات فاعلية متسعة او قادرة على الدخول في مضمار السباق الإعلامي .

4-   لم يجر استثمار كافِ لمرحلة ما بعد الاعلان عن الإئتلافات لتعويض المراحل السابقة، وبقيت المحاولات هنا وهناك محدودة الأثر، خاصة مع غياب التنسيق الاعلامي المدروس و عدم توفر "الالسن والاقلام" القادرة على نشر المعلومة وازالة الغموض.

ولأن الوقت لم  يتح  تدارك  الموقف بالنسبة للقوى السياسية التي بقيت ترواح بانتظار اقرار قانون الانتخابات، كي يتم تطبيق من ثم  استراتيجية اعلامية وفق خططاً مرنة  قبيل الانتخابات النيابية، ومع ذلك  كان يمكن إغلاق  بعض الثغرات انطلاقاً من تحويل المشكلات آنفة الذكر، الى برامج عمل تستدرك ماجاء فيها، وذلك يتطلب الآتي :

1: إنتقاء كوادر سياسية وثقافية واكاديمية وإعلامية تتمتع بطلاقة اللسان وعمق الفكرة، ليس من اجل الترويج المباشر للتيار بما هوسائد وتقليدي، بل الخروج الى فضاءات تحليلة واستقرائية أكثر رحابة، وذلك باستضافة كتاب ومحليين مستقلين من دائرة الاصدقاء أو الذين يتمتعون بالصدقية والموضوعية، الى جانب الشخصيات السياسية  والثقافية في الاصلاح  .

2: اعتماد مقدمين لامعين قادرين على ادارة حوار بطريقة حديثة وفاعلة ووضع اسئلة ذكية وموضوعية محايدة، ولا مانع من الاتفاق مسبقا مع الضيوف على طبيعة  الاجابة ومراحل طرح السؤال كي يكون على استعداد مسبق، وذلك للوصول الى افضل اداء ممكن، يتم من خلال تقديم الضيف بأفضل صورة من خلال استخراج أحسن مالديه .

–3: انتقاء بيانات إعلانية تحوي جمل قصيرة سهلة الإلتقاط والحفظ مع حملها لمضامين سياسية تعبر عن طبيعة المرحلة،وعدم إغراق البرامج السياسية بثقل الشعارت وضخامة اليافطات البرامجية التي تحمل داخلها عدم جديتها أو صعبة القدرة على تنفيذها . 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1210 الثلاثاء 27/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم