صحيفة المثقف

السيد محمد حسين فضل الله واساليب التعبير عن مأساة الحسين (3) / علي جابر الفتلاوي

وأساليب التعبير عنها، وهذه الذكرى بسبب حساسيتها وتعلقها بعواطف الملايين من المسلمين، لايجرؤ احد للحديث عن الممارسات الخاطئة في احياء هذه الذكرى الأليمة، لكن القضية باتت في غاية الاهمية بعد الانفتاح الكبير في الاتصالات والاعلام من خلال الانترنيت والفضائيات، أصبح  من الضروري تدخل القادة والعلماء وذوي الشأن وأصحاب الفكر لبيان السقيم والسليم من الممارسات، لأحياء هذه المناسبة العزيزة على قلب كل المحبين للحسين (ع)، ولمبادئه العادلة في الحرية والعدالة والثورة بوجه الظلم والظالمين .

من العلماء الذين أعطوا رأيهم وقدموا أفكارهم لتصحيح أساليب التعبير عن مأساة الحسين (ع)، السيد محمد حسين فضل  الله (قدس)، وسبق أنّ بينا ذلك في مقالتينا السابقتين، أذ دعى الى رفض الاساليب التي لا تخدم أهداف الثورة الحسينية ألتي ضحّى من أجلها الحسين (ع)، هو وأهل بيته، وأصحابه (رض) .

 السيد فضل الله من الشخصيات الاسلامية الكبيرة والشجاعة والواعية لمسؤوليتها، التي دعت للحفاظ على مبادئ الثورة الحسينية، والمحافظة على روح الرسالة الاسلامية التي جسدتها ثورة الحسين (ع)، يقول السيد فضل الله: (اذا كان الماضون قد استخدموا وسائلهم في التعبير عن المأساة، بأن يضرب شخص رأسه بالسيف، او يضرب شخص ظهره بالسلاسل او ما الى ذلك، فهذه كانت بيئتهم، وهم لم ينطلقوا فيها من كتاب الله، ومن حديث نبي أو أمام أو تخطيط عالم أو فقيه، ولكنها كانت عواطف تحركت، ودرج الناس عليها من دون ان يسألوا لماذا ذلك ؟) أنّ العصر الحديث بفضل وسائل التطور،  استحدثت فيه وسائل جديدة وحديثة للتعبير  لابد من استثمارها لصالح قضايانا، ومنها قضية الامام الحسين ( ع)، لأن الاسلام دين العلم والتقدم، ولا ضير من استخدام وسائل العلم الحديثة لخدمة الاسلام، على ضوء ذلك  لابد من الغاء بعض المفاهيم والوسائل، واستحداث أخرى جديدة تتلائم والعصر الحديث، مثلا ألاشعار التي قيلت في هذه الذكرى، يقول السيد فضل الله لابد  (أنْ نستغني عن كثير من الاشعار التي تُقرأ،لأنها أشعار تتحدث عن قضية الحسين (ع)  ويزيد بأنها مشكلة بين بني أمية وبني هاشم)، وكأن القضية قضية عشائرية، هكذا سُوقت من قبل بعض الشعراء والمحدثين، واستقبلتها الجماهير، كأنها حقائق غير قابلة للنقاش أو التغيير، لأن الجماهير هي الجانب المتلقي الذي يستقبل بسهولة ويسر.

 أذا كانت العشائرية  ذات فائدة في مرحلة زمنية مضت، فأنها ذات مردود يضر بأهداف الثورة الحسينية في عصرنا، وهكذا بعض المفاهيم والاساليب ألأخرى التي طرحت في مرحلة ما، فأنها  اصبحت لا تنفع في عصرنا الحاضر، ولابد من المراجعة والتقييم والحذف والاضافة .

من الشعراء الذين طرحوا القضية الحسينية وكأنها نزاع عشائري بين بني امية وبين بني هاشم الشاعر ابو العلاء المعري:

             عبد شمس قد اضرمت لبني هاشم حربا يشيب منها الوليد

             فأبن  حرب  للمصطفى  وأبن  هند لعلي  وللحسين   يزيد

يقول السيد فضل الله: (نحن لسنا جماعة بني امية، ولا جماعة بني هاشم، نحن جماعة رسول الله (ص)، والهاشمية وحدها لا تعتبر قيمة في ذاتها، فأبو لهب هاشمي، وملوكنا الذين يصالحون اسرائيل والذين يقفون ضد حرية الناس، وبعضهم وقف ضد الشعب اللبناني مع اسرائيل في حربها ضد هذا الشعب، هؤلاء بنو هاشم) .

 وأرى أنّ من وقف أمام العالم وحذر من مذهب آل بيت الرسول (ص) علنا وفي الاعلام خاصة بعد سقوط النظام البعثي العنصري في العراق، وحذر مما أسماه من امتداد (الهلال الشيعي) عبر العراق حتى لبنان، هو الملك الأردني ألذي ينتمي ألى بني هاشم، والذي انضم اخيرا مع ملك المغرب الذي يحكم ايضا باسم التقديس العائلي، الى الحلف الخليجي الطائفي المدعوم من امريكا واسرائيل، وكلهم يسعون لأنهاء وجود  آل بيت الرسول (ص) بشكل علني ومفضوح، ليس الوجود السياسي فحسب، بل الوجود على الارض، أنهم اتباع الفكر التكفيري الاقصائي، هؤلاء يدّعون انتماءهم للهاشمية وبأسمها يتكلمون ويحكمون، وأول من اعترف بأسرائيل وتعاون معها لقتل وتشريد الشعب الفلسطيني، هم الهاشميون في الاردن،  فالهاشمية ليست امتيازا، ولا علاقة لها بخصوصية الرسالة المحمدية، بل الانتماء الصحيح هو للرسالة وليس للعائلة قال الله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتبّ، ما أغنى عنه ماله، وما كسب، سيصلى نارا ذات لهب، وأمرأته، حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسدّ) وابو لهب هذا هاشمي، وقال الرسول  (ص)  فيما روي عنه:(يدخل النار سيدا قرشيا، ويدخل الجنة عبدا حبشيا) .

وقال علي (ع): (أنّ ولي محمد من أطاع الله وان بعدت لحمته، وأنّ عدو محمد من عصى الله وأن قربت قرابته) .

يقول السيد فضل الله: (لذلك نحن نريد أن نتخفف من كل هذه الألتزامات الثقيلة، التي انطلقت من خلال التخلف، وانا اصرّ من موقع فقهي فكري أسلامي مسؤول، ولو شتمني الشاتمون، ولو اتهمني المتهمون، لأن المسألة هي مسألة حركتنا الأسلامية في العالم وقضية اشراقة الأسلام في العالم .. أنّ ضرب الرأس بالسيف تخلف، وأنّ ضرب الظهور بالسلاسل تخلف، وأنّ اللطم اذا لم يكن هادئا عاقلا حزينا هو نوع من انواع التخلف .. فللحزن تعبيره العقلاني الذي لا يمثل مجرد حالة أستعراضية، وأنما هي الحالة التي تمتلك تعبيرا عن الحزن أو الثورة بحسب ما يتحرك في هذا الموضوع، مشكلة الناس أنهم كما قال القران الكريم:)

(انّا وجدنا اباءنا على أمة، وأنّا على آثارهم مقتدون) 23، الزخرف  .

هذه الممارسات التي اعتاد الناس عليها، أكتسبت بمرور الوقت صفة القداسة، ولا احد يجرؤ على انتقادها، أو يدعو الى الغائها، لأنها ارتبطت بمشاعر الطبقة العامة من الناس، وكانت تجري سابقاً بعيداً عن وسائل الاعلام، لكن هذه الممارسات التي تُعرض بأسم الحسين (ع)، اصبحت اليوم ظاهرة للعيان وتنقل في جميع الوسائل ألاعلامية، ولا أحد يستطيع أخفاءها، ولأنّ هذه الممارسات تسبب  أذى وضرراً كبيراً في مسيرة العمل الاسلامي، وتنقل صورة غير واقعية عن الثورة الحسينية واهدافها، بات من اللازم التدخل لاستبدال هذه الممارسات غير السليمة بممارسات اكثر انسجاما مع اهداف الثورة، واكثر مقبولية لدى الرأي العام العالمي، ليأخذ الاخر انطباعا حسنا عن الثورة الحسينية، وعن اهدافها الاسلامية الانسانية السليمة، وهذا الحكم او القرار يمكن استنتاجه من خلال حكم العقل، وحكم المصلحة العامة .

اما موقف العلماء فأنه مختلف، لأن الامر يتعلق بالطبقة العامة من الناس، لذا الدعوة من قبل العلماء او القادة في المجتمع  لتهذيب او ألغاء بعض ممارسات أحياء الذكرى الحسينية، هي دعوة غير قوية، واحيانا مسكوت عنها، لكن هذا لا يعني أنّ الجميع ساكتون، او غاضون للنظر، ومن المعروف أنّ التعبير عن المواقف المنتقدة للممارسات التي تتعلق بعواطف الجماهير، هي مسألة حساسة جدا، وتحتاج الى جرأة وشجاعة وشعور بالمسؤولية، وتحتاج الى تضحية، واحيانا تكون هذه التضحية كبيرة .

 من الشخصيات الاسلامية العلمائية الكبيرة، التي دعت لمراجعة أساليب التعبير عن ذكرى الثورة الحسينية، وضرورة مراعاة المصلحة الاسلامية، ومراعاة ظروف العصر الذي نعيش فيه، للتعبير عن ذكرى مأساة الحسين (ع)، السيد المرحوم محمد حسين فضل الله، اذ عبر عن موقفه ومسؤوليته بشكل واضح وصريح، ونحن بحاجة الى السيد فضل الله وامثاله من العلماء والقادة،  ليعطوا رأيهم في القضايا التي تخص مصلحة الاسلام بعيدا عن العواطف الثائرة، سيما وأنّ الاسلام يتعرض لهجمة منظمة من قوى الاستكبار العالمي والصهيونية الدولية، ومن الحركات السلفية المتخلفة المحسوبة على الاسلام التي تدين بأفكار مصبوغة بصبغة اسلامية، وهي بالأساس مصنوعة في مختبرات معادية للاسلام، هؤلاء تحولوا الى منفذين لأهداف اعداء الاسلام  وعملاء لهم سواء علموا بذلك أم لم يعلموا، تدعمهم النظم الحليفة لامريكا والصهيونية في المنطقة .

اعداء الاسلام يهجمون اليوم على الاسلام والمسلمين بادوات محسوبة على الاسلام، فهم يدعمون أي رأي يرتدي رداء الاسلام، وهو في واقعه هدم  للاسلام الاصيل، او  تشويه لفكره الناصع، لهذا نرى اعداء الاسلام اليوم يدعمون أسلام السلفية السعودية والقطرية المتصالح مع اسرائيل، ويظهرونه على أنه هو الاسلام، هذا من جانب، ومن جانب اخر يعرضون اسلام الدم والقتل والعنف الى العالم على انه هو الاسلام، بغية تشويه صورة الاسلام الناصعة، وزرع بذور الحقد والكراهية بين المسلمين أنفسهم من جانب، ومن جانب آخر خلق العداء للخط  ألاسلامي المقاوم ألأصيل، خط الحسين الشهيد (ع)، واخر ثمرات جهودهم هذه، عرض الفلم المسيئ للرسول الاكرم محمد (ص)، والفلم المسيئ هو احد نشاطاتهم المنظمة والمخطط  لها ضد الاسلام والمسلمين، فحربهم مع الاسلام مستمرة بمستويات متعددة ومختلفة، وبوجوه منوعة حسب الظرف المتاح في الزمان والمكان، كل هذه الهجمات التي تتخذ اشكالاً والواناً، هدفها واحد هو طمس معالم الاسلام الاصيل، واظهار الاسلام الذي يعجبهم ويروق لهم، فيدعمونه ويشجعونه، لذا نرى اليوم دعمهم للحركات السلفية المدعومة من السعودية وقطر وتركيا، ويدعمون ربيع هذه الحركات الذي تحول في بعض البلدان، وسيتحول في البلدان الاخرى الى شتاء قارص بالنسبة للشعوب، يدعمونهم لأن هذه المجموعات التي تتكلم باسم الاسلام تخدم مخططاتهم على المدى القريب والبعيد، وهي مصممة بهندسة أمريكية صهيونية لتمزيق وحدة المسلمين .

وبناء على هذه المعطيات لابد ان نتصرف في مناسباتنا الدينية  على أساس فكر الاسلام الاصيل بعيدا عن فيض العواطف الزائدة عن الحدود الطبيعية، التي قد تنتج لنا ممارسات واساليب يكون لأعداء الاسلام فيها منفذاً للطعن والتشويه، لابد لنا أنْ نتصرف بمسؤولية في أحياء مناسبة عاشوراء، كي نجعل من المناسبة فرصة لأحياء الاسلام الاصيل الذي ضحى من اجله الامام الحسين (ع)، وعلينا الذهاب الى الاساليب التي لا تتقاطع مع معطيات  العصر، وتواكب التقدم الحاصل في وسائل الاعلام، وتنسجم مع مفاهيم الفكر الحديث، وتشدّ الاخر اليها، ثورة الامام هي ثورة الاسلام الاصيل، الذي اراد الامويون تزييفه وتشويهه، ثورة المظلوم على الظالم، ثورة المبادئ الانسانية الاسلامية التي تنتصر للانسان، وتقف بوجه الحاكم المتجبر المتسلط بصلابة وقوة، ووفق هذه المبادئ والمصالح العامة، انطلق السيد فضل الله في بيان السقيم من الممارسات، ودعى الى تهذيبها، وترك البعض الاخرمنها، الذي لا يخدم اهداف الثورة الحسينية، ولا ينسجم مع روح العصر الذي نحن فيه، واستبدالها بوسائل في التعبير جديدة ومقبولة لدى الذوق والرأي العام، مع ألاخذ بنظر الأعتبار تحقيق الغايات المرجوة من احياء ذكرى الثورة الحسينية .

 

علي جابر الفتلاوي 

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2289 الخميس 29 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم