صحيفة المثقف

يوميات طبيب / عامر هشام الصفار

توفيت فيها زوجته وهو بعيد عنها مصاب بالخرف بعد جلطة الدماغ. فَقَد الحركة وأنمحت عنده الذاكرة.

لم يضحك اليوم لي كما كان البارحة، بل راح كل هنيهة محاولا نزع ملابسه ليتعرّى كما ولدته أمه. السيد وليم كان أنسانا فاضلا، سائق سيارة نقل لطلاب مدرسة في قريته الصغيرة.

أوصيت ممرضتي أن تكون قريبة منه، فكلما همّ بنزع ملابسه تمنعه الممرضة الماهرة بطريقتها الخاصة. حتى قررت أن أخرجه من غرفته على كرسي خاص. صار قبالة السيدة ماري ذات الشعر الأصفر الأصطناعي والأنف المدبب الذي نما عليه ورم صغير خبيث. السيد وليم من يومها وهو لم يحاول نزع ملابسه، فأرتاحت ممرضتي وسجلّت أنا "براءة أختراع" جديدة. 

 

2

يحك جلده في كل مكان. وجدته يحك قمة رأسه وجبينه، ولما أقتربت أكثر كان وجهه قد أحّمر من الحك. يجلس في كرسيّه العالي ذي المسندين الخشبيين اللامعيين وهو يشير الى حبّات الدواء أمامه حيث لا يريد أن يتناولها. ذكّرته بأن مرض الكلى عنده هو ما سبّب هذه الحكة الجلدية. لم يصدّقني. يخاف أن يكون مرضه الجلدي معديا لزوجته التي تزوره كل يوم. رجعت الى غرفتي. شربت قدح ماء بارد وأمسكت بأوراق مريضي مطالعا. بعد دقيقة أحسست بأني قد بدأت أحك قمة رأسي أيضا!.

 

3

دخلت ردهة الباطنية متأخرا بعض الشيء. الردهة بلا رقم ولكن أسمها غريب، أختاره المدير على أسم مدينته التي ولد فيها. الممرضة القديرة تستقبلني بترحاب وتضع أمامي ورقة طلباتها للمرضى. أفتح جهاز الحاسوب في غرفتي وأنا أسمع أنين مريضتي القادم من غرفة مجاورة. أنين كصوت ناعور متهالك كنت أسمعه في قريتي البعيدة. شمّرت عن ساعدي ورحت أحضّر قنينة الدم لمريضة أنتشر في جسمها المرض الخبيث. الممرضة ذكّرتني بأن مريضتي لا تقبل نَقْل دم أليها فهي من شهود يهوه...أستّمر الأنين..أنيييييين..نييين..ن..ن.

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2289   الخميس  29/ 11 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم