صحيفة المثقف

حوار مع الأديبة المغربية فاطمة بن محمود / عزيزة رحموني

.. لإبداعها نكهة خاصة كما فلاشات التصوير الفوتوغرافي الذي تعشقه ولكتابتها الادبية طعم فلسفي يحتفي بالإنسان والحياة. لنتابع الحوار التالي:

 

**فاطمة بن محمود هل تفتح شرفاتِ قلبها لنا لنتعرف عليها عن كثب؟

*شرفات القلب قد تخون فلا تعكس الصورة كما هي ..

القلب لا يستطيع ان يكون محايدا وبالتالي لن يضمن الموضوعية، انحيازه ناحية المحبة أو الكره تجعله يخطئ ويفشل في اختبار تقديم صاحبه .

ثم لا اجد من اللائق ان يعرّف الكاتب نفسه بغير نصوصه . وحدها النصوص حمّالة لصاحبها ولأوجاعه واحلامه وهي التي تنبئ به وتفشي كل اسراره ويعرّي قاع اللاوعي الذي ينحدر منه .

أعتقد ان النصوص هي الطريق الملكي للذات ومن ثمة للعالم .

ألم تكن النصوص الادبية هي التي تدلنا بشكل او بآخر عن المجتمعات القديمة وتساعدنا على قراءة التاريخ .

و اذا كان سقراط يهتف بمن لا يعرفه " تكلم حتى اراك " فاني اعتقد الان انه يمكن ان نقول لمن نريد ان نتعرّف عليه " هات نصوصك حتى نراك ".

 

**-لك في الشعر 3 مجموعات شعرية، ما رسالتك في الكتابة ولمن تكتبين؟

*أن تكون لي رسالة في الكتابة يعني ان تكون لي خطة عمل اريد من خلالها تبليغ فكرة وتحقيق اهداف وبالتالي ان احقق النجاعة بإيجاد جمهور استهدفه لإنجاح هذه الرسالة ..

سيبدو الامر وجيها لو كنت مثلا سياسية لي رسالة معيّنه واهدف الى تحقيق النجاعة .. أنا اخترت الكتابة ولعلها هي التي اختارتني لسبب لا ادريه والكتابة بالنسبة لي لا تحتكم الى رسالة ولا تتجه الى جمهور بعينه .. الكتابة عندي هي اقتفاء أثر الحياة واحياء القيم الجمالية وانتصار للبهاء

والكتابة هي فعل حر لا يحتكم الى قوانين صارمة ولا تتجه الى جمهور بعينه انها فعل يحاول ان يحرر الروح من تكلّسها وان يجعل الحياة جديرة بالانسان والانسان جديرا بها .

**" - رغبة أخرى لا .. تعنيني" اول دواوينك على ما اعتقد، هل كان الاشتغال على العنوان بوعي؟

*العنوان عتبة مهمة جدا للكتاب الأدبي وهناك شروط في اقتراح العنوان يحددها اندريه جيد في قدرة على لفت انتباه القارئ واستفزازه ولا يكون هذا ممكنا الا اذا كان العنوان غير مجترّ ويحمل دلالة ويشير الى صاحبه ويحفّز القارئ .. ولذلك انا اختار عناوين كتبي بدقة وانت تلاحظين ربما ان في عناوين مجموعاتي الشعرية الى حد الان (رغبة اخرى لا تعنيني / ما لم يقله القصيد / الوردة التي لا اسميها ..) انما اشتغل على النفي وذلك لاني اعتقد ان العملية الابداعية في عمقها هي عملية نفي واقصاء للسائد والمألوف وربما لذلك ليس جزافا ان يكون الابداع مشتق لغة من البدعة والتبدعة هي الخروج عن المألوف وذلك هو جوهر العملية الابداعية ..

وغير هذا أنا أعتبر ان العملية الابداعية تقتضي حضور كلي للوعي فلا يوجد ما هو عفوي في الكتابة سوى البارقة الاولى للقصيد والتي نعود للاشتغال عليها بوعي جمالي لننحت منها صورة تليق بالقصيدة وتستجيب لذائقة المتلقي .

 

**- نحن يعنينا ما تكتبين ونرغب في ملامسة جمال قلبك فيما تكتبين، لكن نود معرفة ما الذي يزعجك في الكتابة وهل لديك خطوط حمراء او مقص رقيب داخلك حين تكتبين؟

*الكتابة لا تزعجني بل هي التي تصنع لي الانسجام وتعيد اليّ تماسكي .. الكتابة عندي هي ان أقتفي أثر الحياة وأن أنتبه الى كل ماهو جمالي في الانسان وفي الكون، الكتابة هي ان انتصر للقيم الانسانية الراقية ..

لكل ذلك الكتابة هي الرئة التي اتنفس من خلالها .

و الكتابة لا تكون ممكنة الا اذا كانت حرة لا تلتزم بضوابط مسبقة ولا تحتمل عين الرقيب الخارجي ولا سلطة الكاتب الذي يسقطها احيانا على نصه .. انها سباحة حرة في مياه اللغة ..

 

** و"ما لم يقله.. القصيد" هل تحكيه لنا فاطمة هنا مع ابتسامة؟

*عندما اكتب النص القصصي او الشعري فانه لم يعد ملكي واذا ظهرت المجموعة الشعرية للسوق فهي ايضا ليست ملكي ولذلك من حق المتلقي فقط بما هو قارئ او ناقد ان يتحدث عنها ..

ما اريده انا قلت بعضه في قصائد الديوان ويهمني جدا ما يقوله المتلقي ..

وصلتني اصداء رائعة عن هذا الديوان من خلال مجموعة من المقاربات النقدية واعتقد ان هذا رائع ويدفعني للإجادة ..

 

**"امرأة في زمن الثورة "كتاب في السيرة الذاتية كتَبْتِه بصيغة روائية، هل سرقك السرد من النظم وهل تضمَّنَ الكتاب ُ فلسفتك في الحياة؟ هل كنت تبحثين عنك فيكِ؟

*"امرأة في زمن الثورة " كتاب مهم بالنسبة لمسيرتي الادبية لأنه اول كتاب سردي يخطفني من القصيدة ويزجّ في تجربة ابداعية جديدة.. صدقا وجدت في الكتابة السردية متعة وربما مجالا ارحب في التعبير بحرية اكثر ولعل ما حققه هذا الكتاب من نجاح في تونس وخارجها من طرف النقاد والقراء يجعلني ان اواصل في الكتابة السردية واحاول ان اتحدى نفسي بالإجادة اكثر .. وكتاب " امرأة في زمن الثورة " لم يتضمن فلسفة بالمعنى الكلاسيكي وإن كان فيه الكثير من الاسئلة ومن الحيرة ومن الصدمة وكنت بحق ابحث عن معاني في الحياة وكنت فيه في حالة تشظي وألم وحزن وأمل وبهجة وعنف ويأس ..

 

**ما الفلسفة في عُرف فاطمة؟

*الفلسفة في شكلها الاولي هي اللحظة الاولى التي يكتشف فيها السؤال ويعكس وعي الانسان بذلك السؤال ولكن أعتقد ان افضل مقاربة للفلسفة بالنسبة لي هي انها بحث عن القيمة في الانسان والحياة والوجود والطبيعة .. وبهذا المعنى تصبح مرادفة للوجود الانساني بل وتعبّر عن مستوى الوعي الاجتماعي ودرجة التحظر فليست كل بلاد مؤهلة لاحتضان الفلسفة .

 

**قالت فاطمة ذاتَ حوار:

(للإبداع عموما شروط "بورجوازية " للتشكل) كيف ذلك؟

*نعم أعتقد ان حياة البؤس والشقاء يمكن ان تجعل الكثير من الافكار الابداعية والقصائد تصهر في أتون الحياة اليومية وتحرق في فرن الحياة اليومية ومشاغلها المتشعبة وفواتيرها المضنية ولذلك يجب ان يتوفر للكاتب الحد الأدنى من الحياة الكريمة التي تضمن له مساحة خاصة للإبداع والكتابة والتأمل والتجريب .. ولكن هذا لا يعني ان الكاتب يقصي نفسه من هموم المجتمع وتناقضات الواقع ولكن يعيش كل ذلك ذهنيا وجدانيا ودون ان يعاني شظف العيش لان الفقر والحاجة تجفف سماء منابع الكتابة وان حدث في تاريخ الابداع غير هذا فهي استثناءات عبقرية . ثم يجب مع الحياة الكريمة ان تتوفر مساحة من الحرية ليبدع ولعل شرط الحرية اهم ربما لان الكاتب يستطيع ان يبدع اكثر ويفجر موهبته بشكل افضل في حالة الحرية .

 

**فاطمة لوْ لمْ تكُنْ شاعرة أي مجال إبداعي آخر كان سيأخذها؟

*في الحقيقة انا احاول ان اعيش في حياتي وفق ما احب ولذلك كتبت القصيدة والقصة القصيرة جدا والسرد والنقد وكنت مولعة بالسينما واهتم بالتصوير الفوتوغرافي .. وهكذا انا انفتح على العديد من الحقول الابداعية واستغل فرصة وجودي على قيد الحياة حتى استمتع بما أحبّ ..

 

**لماذا سُمّيت نصوصك بالبرقية؟

*سميت نصوصي بالبرقية وايضا بالومضة وذلك لاني اعتمد على الاقتصاد في اللغة لأقول الفكرة وأشتغل في ذلك على صورة فنية .. واعتقد ان هذا يتنزل في اطار اهتمام النقاد بما اكتب وهذا مهم جدا بالنسبة لي ويجعلني لا استسهل النص ويضنيني كثيرا حتى يكتمل .

 

**قريبا منك بعيدا عن الإبداع، هل تؤمنين بالحب؟ بالجسد؟ بالعشق؟

*طبعا أومن بالحب وأحتفي بالجسد وأعترف بالعشق وكل هذا ليس بعيدا عن الابداع بل هو جزء منه بل لعله من شروط الابداع ان نكون في حالة حب لان الحب يشحننا بالأفكار والانفعالات ويدرّبنا على الالم ونحن لا نستطيع ان نعيش تجربة الحب ونكتبها اذا اقصينا الجسد لأنه واسطة بين الانسان وذاته كما هو واسطة بين الانسان والعالم وقد راقني انك اشرت على الجسد وليس الجسم لان هناك اختلاف كبير بينهما . والعشق حالة من حالات الحب التي يعشها الجسد وتوفر له التطهر الكارثسيسي ويحقق نوعا من السمو الروحي ونقاء النفس يمكن التعبير عنها في اشكال ابداعية ستكون في منتهى الشفافية والتجلي.

 

**كلمة اخيرة؟

* كنت سعيدة بالتواصل معك ويهمني جدا هذا التنافذ الانساني والابداعي ..

 

اجرت الحوار عزيزة رحموني /المغربر

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2298 السبت 08 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم

في نصوص اليوم