صحيفة المثقف

حوار مع الشاعر سامي العامري / عزيزة رحموني

أنا رجل ساهم حالم تمر ساعات يومي دون أن أحس بها في الغالب انا حقا لا اعرف من انا...) غربته في الديار الالمانية لم تمنعه من التغريد بلغته الاصل...غزير الانتاج وارف الحرف...تضوع كلماته انسانية ..لنتابع:

 

سامي العامري من يكون؟

- طرقَ فيلسوفٌ معروفٌ البابَ على شخص ما وأظن أن هذا الفيلسوف هو شوبنهاور أو سبينوزا، فسمع سؤالاً من خلف الباب: من أنت؟

فردَّ الفيلسوف: سأكون مديناً لك طيلة حياتي إذا قلتَ لي مَن أنا .

لا أعرف حقاً من أنا غير أني فرد مسكون بهاجس الشعر، أمشي كالسائر في نومه وراء فكرة سامية، تقلقني فكرة الموت تارة وتارة أود عناقها شغفاً بها ورغبةً صميمية بالخلاص مما هو غليظ ومحدود وعابر ...

 

سامي و المنفى؟

- المنفى... لم أشعر ساعة بأني منفيٌّ أبداً إلا في داخل نفسي وفي الخارج حيث ومضات الإلوهة بكل هيَفها فالوطن يهمني سماع أخباره الطيبة وازدهاره وخلاصه من الأشرار وهو يبقى قدري ففيه أمضيتُ طفولتي وصباي وشطراً معيناً من شبابي الأول الحزين، ولبودلير عبارة شعرية وجودية عميقة نازفة: أنا منفي داخل نفسي وخارجها، مبصرٌ أعمى، ميتٌ حي، في حوار أبدي أخرس مع الموت في رحلة الليل والنهار ...

بل حتى أهم قصائده وهي - البحار العجوز – يخاطب في بدايتها الموت: أيها الموت، أيها البحار العجوز هلمَّ ودعنا نرفع القلوع ...

غير أن فهمي للموت يختلف بالضرورة عن فهم هذا الشاعر الكبير له ففهمي له بات منذ سنوات أقرب إلى فهم جبران له حيث أن جبران كان يتمنى الموت بل هو تشبب به رغبة بالفناء فيه أو بالفناء في الحقيقة النهائية للكون ...

وأما ينابيع الإلهام بالنسبة لي فهي كل ما عشته و لامسته بحرارة وما أثار روحي ووعيي وطبيعي كثيرة هي الأشياء التي هزت وتهز وجداني بدءاً من الدعسوقة حتى أبعد مجرَّة ومن الأفكار الفلسفية إلى آخر الإختراعات العلمية ومن المرأة كحالة كونية إلى الحبيبة كحالة روحية متدفقة ومن الخمرة إلى القهوة ومن الموسيقى إلى التشكيل ومن الصديق إلى من يظن نفسه عدواً لي ومن الماضي الشخصي إلى الحاضر غير الحاضر ! بمعنى أنا رجل ساهم حالم تمر ساعات يومي دون أن أحس بها في الغالب ما لم ينبهني لها فرد أو شيء ... فقد عملتُ كل ما بوسعي ليكون وقتي مكرساً للقراءة والتأمل والتعبير وعانيتُ الكثير بسبب ذلك فأنا أعيش بسبب ذلك حالة دائمية من التقشف ... لا أحب بل لا أستطيع العمل وأردد مع نفسي عبارة لأحدهم: وهل الكتابة إلا أشرف الأعمال؟

وطالما استأذنتُ من المسؤولين عن عملي في السابق، إستأذنتُ منهم أو غادرت العمل دون إذنٍ بسبب إلهام مفاجيء وأحياناً كنتُ أقول لهم في منتصف فترة العمل: لا أستطيع أكثر ويجب عليَّ الذهاب للبيت وبالفعل لا أبهى ولا أعمق ولا أدفأ من الساعات التي أمضيها في وحدتي أو عزلتي وبالمناسبة أنا كذلك منذ أن كان عمري ثمانية عشر عاماً حيث أقرأ يومياً أكثر من عشر ساعات وفي شتى التخصصات وبلذة غريبة وحين لا أجد الكتب الجديدة فإني أعيد ما قرأتُ وبعض المقالات والدواوين حفظتها عن ظهر قلب رغم لغتها العالية التجريد والتي لا تحتوي على قافية تكفي لتسهيل حفظها كديوان سليم بركات: كل داخل سيهتف لأجلي ... ومقال جبران خليل: يوم مولدي، وغيرهما الكثير ... ولكني مع ذلك وبسبب غلاء الحياة هنا في ألمانيا أعمل بين فترة وأخرى في مجال الترجمة في بعض دوائر الدولة، أترجم عن العربية والألمانية والإنكليزية وكذلك أعمل في صحيفتين عربيتين إلكترونيتين في مجال التنقيح اللغوي وألقي دروساً في العربية لبعض الطلبة الألمان والأجانب والعرب الذين ولدوا هنا في ألمانيا ... ثقافتي هي مزيج من ثقافة ألمانية عربية وقد استفدتُ من هذا البلد الذي أعيش فيه كثيراً فقد تخلصتُ فيه وإلى الأبد من البداوة تفكيراً وشعوراً وسلوكاً مع احتفاظي بالأصيل والشاعري منها وهو ما يشكل جذوري التي تلح عليَّ فأنا نشأتُ وسط عائلة محافظة ولكني شذذتُ عنها في مرحلة مراهقتي بسبب صحبتي لأصدقاء تلك المرحلة فقد كنتُ نزِقاً مثلهم ولكن الإنسان لا يملك في النهاية إلا الإصغاء لفطرته الحية فقد أحببتُ فتاةً فجأة وهي إحدى جاراتنا، أو هو ربما ليس حباً بل مشاعر غامضة كانت تجذبني نحو تلك الفتاة ولم أكن أعرف مشاعرها تجاهي ولكنَّ بسمة منها كانت كافية لهزي تماماً واعتكافي بل وهيامي وحيداً وانقطاعي عن القراءة وسط استغراب أهلي وأصحابي لهذا التغير الكبير في حياتي ومنها بدأت رحلتي مع الكتابة الشعرية ثم حين أنهيت الإعدادية وانتقلتُ لدراسة الإدارة والإقتصاد وهو الفرع الذي لم أختره ولكنه المعدّل أو نتيجة الإمتحانات والفرز، كان عليَّ أن أؤجل الدراسة لمدة عام وكنت قد أصبتُ بالإحباط بسبب عدم قبولي في كلية الآداب مثلاً وكانت الحرب العراقية الإيرانية قد اشتعلت وفعلاً أجلتُ وكنتُ كما كان أهلي وأبناء منطقتي وناسها من الرافضين لهذه الحرب وكانت حثالات قوى الأمن والمنظمات الحزبية في بغداد والإرهاب الإعلامي على أشده في تلك الفترة حيث التطبيل للإنتصارات المزعومة وتمجيد الصنم السفيه وبعدها أمست كل الطرق تؤدي إلى جبهة القتال والموت المجاني وما أكثر النكات عن تلك الحرب فحين امتدت بها السنوات وبعد أن كان النظام الدكتاتوري يظن أنها نزهة كان بعض شباب منطقتنا يرددون هذا البيت بتحويرٍ لاذع:

كلُّ ابن أنثى وإن طالتْ دراستُهُ

يوماً على آلةٍ كالزيل محمولُ

---

المهم لو كان عندنا في تلك الفترة نظام ديمقراطي لا يفكر بأمجاد عفا عليها الزمن ولا يفكر بفروسيات طريفة ولو كان عندنا بلد مزدهر يعيش بسلام فربما كنت قد أصغيتُ إلى رأي بعض أصحابي بالدخول إلى الكلية العسكرية والتخرج خلال ستة شهور كضابط بل وحتى أخي الكبير كان يؤيد هذا الرأي فهم كانوا يتأسفون أن سامي هو وتعبه وقراءاته المستمرة واجتهاده في الدروس وتفوقه على الكثير من أقرانه، أقول كانوا يأسفون أن أصبح جندياً هكذا ببساطة وأضيع وخاصةً جندية العراق حيث الإهانات والشتائم والإذلال والواجبات الحَميرية على قدم وساق وطالما أنني لا بد أن أنتمي للجيش، هكذا كان مقترحهم رغم حقدهم على النظام وحروبه ودونكيشوتياته غير أني كانت لي حساباتي الخاصة فقد كنت أعرف أني لا أستطيع البقاء في جيش النظام لذا فلو أصبحتُ ضابطاً وهربتُ أو لجأتُ إلى إيران (العدو) فكان هذا سيعرِّض عائلتي إلى السجن والتعذيب والقتل دون أدنى شك ومعروف هو النظام الصدامي وانتهاكه الحُرُمات، لهذا فبعد تخلُّفٍ عن الإلتحاق بالعسكرية ثم التحاقي وبعدها عبوري الحدود أدركتُ أني كنتُ على حق في تقييمي للوضع وفي التخطيط للإفلات منه

لاحظي كل هذا عشتهُ وأنا في مقتبل العمر ...

عشتُ تمزقاً كبيراً فقد أحببتُ لأول مرة ولكن في الوقت غير الملائم وهجرتُ وطني دون أن أرتوي من مائه ولكني أعود فأقول لا بأس فلم أكن الوحيد في هذا،

ومن جهة أخرى جئت إلى الغرب وأنا أأمل بلملمة نفسي ولعق جراحي ورغم كوابيس الحرب التي كانت تصاحبني فكرتُ بإكمال الدراسة هنا وبالتخصص الذي أرغب ولكني وجدت أني لا رغبة عندي بذلك وأني لم أعد أعير الشهادة أي اهتمام فأنا قارىء نهمٌ ولا صديق عندي سوى الكتاب وكنتُ ومازلتُ متيقناً بأني أملك من المعارف والخبرات ما يؤهلني للتدريس في أكبر الجامعات ولكن هذا، كما قلتُ، لم يعد يثير اهتمامي خلافاً لبعض المَرِحين ممن يبحثون عن الشهادات لا من أجل الإستزادة من المعرفة وتطويرها وتقديم ما حصلوا عليه لأجل المساهمة في رقي بلدهم وإنما من أجل التباهي بها داخل مجتمع تبلغ نسبة الأمية فيه مدىً مخيفاً ثم إن تزوير شهادات الدكتوراه وغيرها في العراق وبيعها في السوق السوداء بلغ خلال السنوت الأخيرة مستويات مريعة وبعضهم يستقتل في الحصول عليها بأية طريقة لا لشيء وإنما لكي يتقدم لقبُ الدكتور على اسمه وهو يحصل بذلك كما يتخيل على تزكية لكتاباته وقصائده البائسة !

ورغم أني بقيت في البداية أتعثر في التعبير ولم أكن أعرف تماماً كيف عليَّ أن أطرق باب القصيدة بالشكل المميز مع توفر الدافع القوي للتعبير ولكن المصحوب بحيرة فقد استطعتُ في بداية وجودي هنا كتابة قصائد لها قيمة في روحي ونشرتُ من بداية تسعينيات القرن الفائت حتى بداية القرن الجديد الكثير من القصائد في مجلات أدبية عربية وعراقية معروفة ونشرت أيضاً الكثير من المقالات الإجتماعية والسياسية والقصائد في صحف عراقية معارضة وصحف عربية عديدة ... كل هذا النشر والنشاط كان كتمهيد أولي على ما يبدو !

عشتُ في بداية وجودي في ألمانيا سنواتٍ عديدة حياةً بوهيمية بسبب الماضي المؤلم الذي كان يحاصرني وبسبب قراءاتي في التصوف وتارة بسبب قناعتي بعبثية الحياة غير أن المرأة لا تلبث أن تطل مرة أخرى لأولد من جديد أو لأتجدد فقد ارتبطتُ بإمرأة رائعة في اللطف والدفء فهي التي حملتني بعيداً عن حياة التشرد واللامبالاة والعجز وبادلتها نفس المشاعر بل وربما أكثر والعجيب فيها أنها كانت تبكي حينما أغيب عنها ثلاثة أيام حتى أني كنت أسألها: ومَن أنا لأؤثر عليك هكذا وأنت الجميلة والمتعلمة والتي يتمناك الرجال؟ فكانت ترد عليَّ بعبارات حميمية صادقة، على أية حال هي انتقلتْ إلى عالم آخر يعانق بحنوٍّ روحها النبيلة وقد أهديتها روايتي التي صدرت عن دار الحضارة العربية في القاهرة عام 2010 والتي بعنوان: حديث مع ربة الشفاء . وعلى ذكر إصداراتي فقد ظللتُ أحمل ما أكتب كمخطوطاتٍ أعواماً غير قليلة وكنت أحس بالحرج والشعور باستغلال عاطفة صديقتي الراحلة لو أني سألتها مساعدتي في طبع بعض دواويني ومؤلفاتي الأخرى غير أنها أحسَّتْ بقلقي في هذا الجانب وبقيت تلح عليّ حتى وافقتُ على مساعدتها بتمويل ديواني الأول الذي عنوانه: السكسفون المجنَّح والذي صدر عن دار سنابل في القاهرة عام 2004

فقد كان يكفيني احتضانها لي وتكفيني رقة طباعها وتسامحها النادر وبعد سنوات عديدة أي عام 2010

استطعتُ طباعة مخطوطاتي السابقة واللاحقة وهي أربعة دواوين ومجموعة قصصية ورواية .

 

لماذا النشر في القاهرة اساسا؟

- لماذا في القاهرة وليس غيرها؟ وصلتني عروض جيدة من هذه الدور وهذه العروض ليست موجهة لي شخصياً وإنما هم عمَّموها كإيميلات فكان أنْ خاطبتهم وتم الإتفاق وهو كذلك بتمويل من بعض الصديقات الأديبات النبيلات اللواتي سأذكر أسماءهن في الظرف المناسب، وبقية مؤلفاتي موّلتها أنا بعد عملي المتقطع هنا وهناك وهذه فرصة لأشير إلى أنانيات العديد مما يسمى بدور النشر في المغترَبات ومحسوبياتها فهي تطبع على نفقتها للمعارف فقط وما أكثر الإصدارات التافهة هنا أو تهتم بطبع الكتب التي تتميز بالإثارة المفتعلة واللهاث وراء الضجّات وأما وزارة الثقافة عندنا واتحاد الأدباء والكتاب في العراق فهم لا يهتمون بإصدارات الأدباء والشعراء المغتربين بل لا يساعدونهم أقول هذا بكل أسف فهم يعتقدون أن الشاعر الذي يعيش في ألمانيا أو غيرها من البلدان الأوروبية (خلص صار ملك) وكأنني واحد من ساسة اليوم ! وأنا لا أنكر نزاهة البعض ممن ينتمي لوسطنا الثقافي العراقي ولكني أعرف أنهم قلة ولا حيلة لديهم .

 

لماذا تزاوج بين الاجناس في كتابتك؟

- التزاوج بين الأجناس في كتاباتي حسب تعبيرك عائد لكثرة قراءاتي في مجال الأدب بأجناسه المختلفة وخاصة الرواية ولكن تبقى حرفتي أو لوثتي الأولى هي القصيدة فأنا اصطحبتها في عصورها المختلفة وكتبتُ الشعر العمودي وأنا يافع أما أسئلتك اللطيفة:

عن الأيام والرخام فقد عنيتُ بالأيام مجرى الزمن شعرياً وأما الرخام فهو منحوتة أسير معها يداً بيد .

 

متى تكون القصائد زيتية؟ و حين تسترخي ضفيرة وقتك، كيف تُمَشّطها؟

- تكون القصائد زيتية إذا أحسسنا أن الشاعر الحقيقي يشكِّل الحروف تشكيلاً لونياً ويتم ذلك حين يصبح الزمن سمحاً ويترك ضفائره الغجرية تسترخي على تلال صبواتنا وحينذاك نمشطها بغصون الليمون وبالمناسبة واحد من دواويني القادمة يحمل عنوان: هكذا تسترخي ضفائر الوقت .

 

متى يلمس سامي العامري الشمس؟ و أضلع الطريق متى تحضنه؟

- فأقول: أنا لا ألمس الشمس فحسب بل أنا تزوجتُ منها وذلك في إحدى قصائدي التي تنتمي لمجموعتي: السكسفون، واستوحيتُ هذه الفكرة كإلهام من إحدى قصائد رابعة العدوية والتي تتخيل نفسها حبيبة الله فيها بل تتحدث عن الحب معه بطريقة المتصوفة وشطحاتهم الساحرة

وإذا لامستُ الشمس فدونَ ريبٍ سأمدُّ ضلوعي سكة لقطار زفافها

 

متى تكون الكمائن أنيقة؟

- لم ينعشني فخ أكثر من فخ الحُب ! ولم يبعثر قناعاتي سواه فهو كمين محكم للشاعر المجنَّح القلب ومع كل أخطائي في الحب أحس أنه طهّرني من أكثر خطاياي وجعلني من خلال ينابيعه الثرة وباسقات أشجار السدر فيه أسمو بروحي من الأرضي إلى اللامحدود، إلى الله ثم أنا ارتبطتُ بعلاقة حب مع أديبتين عراقيتين معروفتين، مع الأولى كان الحب شاعرياً أرضياً واستمر لمدة عام ونصف تقريباً وله نكهته المحببة وأما مع الثانية فهو حب عرفاني ألهمني وألهمها الكثيرَ واستمر ثلاثة أعوام دون انقطاع ومازال طعمه في القلب .

 

ما تعني لك: القصيدة النثرية؟

- مع تحفظي على تسميتها وتفضيلي تسميتها بالنص المفتوح فقد كانت بدايتها حسنة وأذكر من كتابها الماغوط وأنسي الحاج وحسين مردان وأدونيس وسليم بركات ولكن اليوم ضاعت فيها المقاييس مادام أغلب نقادها هم أنفسهم يجهلون الشعر الحقيقي وليست لدى أغلبهم المعرفة الوافية الكافية بالعروض أو الأوزان وتأريخ الشعر ومراحل تطوره وأسبابها الموضوعية وإذا عرفوا ذلك ففي الغالب معرفة تلقينية لا معايشة وانصهاراً ويرددون ببلاهةٍ هم وشعراؤهم عباراتٍ غائمة لسوزان برنار وأندريه بروتون ومما لا يصح قياسه على الشعر العربي بل حتى أنسي الحاج قال بعد مشاهدته هذا العبث الذي يسمى شعراً: لو كنتُ أملك قانوناً يخولني منع الآخرين من كتابة (قصيدة النثر) لفعلت.. !

وبعض ممن يسمون بالنقاد يمتدحون كتابات نثرية هابطة تعسة لأسباب لا تخفى على القارىء الحصيف لهذا ظن الكثيرون من متوسطيْ الثقافة أنَّ مَن يكتبونها هم شعراء مع أن الكثير منهم للأسف ليسوا كذلك وإلا كيف أكتب شعراً بلا جذور؟ وأرجو ألا يُساء فهمي فأنا نفسي أكتب هذا اللون بين الحين والآخر مع تركيزي الشديد على الصورة الشعرية الحديثة وأتفاعل مع نصوص العديد من كتاب هذا اللون وكاتباته .

 

(كليلة ودمنة)؟

- نعم علاقتي بهذا الكتاب وهو كتاب روحي بامتياز لا كتابٌ إرشادي كما يحسب البعض ! علاقة حميمية قديمة ثم أنا نفسي صديق لكل الحيوانات حتى أني ألقي السلام على بعضها في الطريق بأسلوبي الخاص وأحس بأنها ترد عليَّ السلام . كما أنني تفاعلت بلذة وجمال مع قصص الفرنسي لافونتين على لسان الحيوان وهو طبعاً تأثر بقصص خرافية كُتبت باللغات البوذية والهندوسية وأذكر أيضاً الكاتب الروسي الذي تأثر بلافونتين في كتابة القصص بلسان الحيوان إيفان كرايلوف بل حتى العديد من الكتاب الألمان الشباب راحو ينحون نحو كرايلوف .

 

برلين؟

- كما عبَّرتُ في مجموعتي القصصية (النهر الأول قبل الميلاد) برلين تشترك مع بغداد بأنّ كلا الإسمين يبدأ بحرف الباء وبأنَّ اسميهما على نفس الوزن أو التفعيلة !

ثم إن برلين حاضرةُ الثقافة والفن والموسيقى والمتاحف والبارات والكازينوهات والمسارح وهي مدينة عالمية عريقة يضيع فيها الفرد بل ينهار إذا لم يملك حصانة أما ومن جهتي فأعرف فيها أماكن محددة أرتادها وأحب حدائقها العامة خصوصاً لأناقتها ونظافتها ولإمكانية الهذيان شعراً بحرية فيها .

 

ترانيم الخريف؟

- للخريف عندي وقع في الروح وكتبتُ عنه العديد من القصائد والنصوص النثرية وآخرها تشبيه نفسي به من جهة عدم فهم الناس لي وله!

 

الوطن؟

- الوطن أرجوحة طفولة تحولت حبالها البريئة إلى حبال مشنقة والوطن من جهة أخرى نثر وأما المنفى فشعر

 

الحدود؟

- من أهم الرموز التي لم أستطع لحد الآن إيفاءها حقها فقد عبرتها بما يشبه المعجزة فهي بالنسبة لي مرحلة فاصلة حاسمة بين العبودية والحرية، بين الإذلال والكبرياء، بين الفقر وبين الغنى الروحي، بين الجهل وبين فضاء المعرفة الحقة .

 

خمريات العامري؟

- لك وللقراء واحدة من خمرياتي:

أنتِ حلمي

أوليس الحلمُ من طبع السلافهْ؟

أنا كرخيُّ الهوى

ثمِلٌ حد الرصافهْ

-----

كأغلب العراقيين في مرحلة سبعينيات القرن الماضي كانت البارات تستهويني والمزة حيث الجاجيك واللبلبي والكرز والنومي حامض فكيف لا أصحب هذا الجو النواسي معي !؟ ولكنه في البداية كان جو مرح وانطلاق وأما فيما بعد فقد احتكمتُ للخمر إلى جانب الشعر كدواء وخلاص من كوابيس وطني التي لم تفارقني وقلقي عليه وعلى أهلي في بغداد غير أني مع تقدم السنوات وجدتُ العديد من الحلول عدا الخمر لهذا فأنا أتناولها بمزاج وعلى فترات متباعدة وأما صهبائي الحالية فهي السيجارة والقهوة ببخارها المتصاعد كقطار متعرج في فضاء غرفتي وحيث مسافروه كل ما لم يتحقق من أحلامي !

 

كلمة أخيرة؟

- كل الشكر لك إعلامية قديرة وأديبة مرموقة وحريصة على إحقاق الحق في فترة تُعتبر الفوضى والتهميش المتعمد والنرجسيات من أسطع سماتها!

مازلتُ مستغرقاً بكتابة مؤلف نقدي هو عبارة عن تأملات في الوسط الثقافي مع نماذج وشواهد من الشعر ونقده وكشف عن موهبة البعض شعراً ونقداً وكذلك زيف البعض شعراً ونقداً وهذا الكتاب أكتبه بهدوء وأضيف له وأعدّل بين الحين والآخر ... وأنجزتُ خلال السنوات الثلاث الأخيرة خمسة دواوين ومجموعتين قصصيتين واحدة منهما على لسان الحيوان .

 

سامي العامري

برلين – شتاء - 2012

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2303 الخميس 13 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم