صحيفة المثقف

أحمد لطفي السيّد مرسي الفكر العلماني النقدي المتحرر

كان لطفي السيّد مفكراً ومناضلاً ومثقفاً ليبرالياً صادق الوعد، داوى السياسة بالثقافة والثقافة بالسياسة وأعطى عمره كله لأسمى قضية في التاريخ ، قضية تحرير الانسان من ربقة القهر والتخلف والعبودية، وضحى من أجل عقيدته الديمقراطية الليبرالية النخبوية ودفاعه عن قضايا الحرية والانعتاق، وعمل على تعريب الفكر اليوناني والتعريف بالفكرألاوروبي ونشر الأفكار العقلانية المستنيرة.

 

خاض أحمد لطفي السيّد المعارك الفكرية والثقافية والحضارية المتعددة، وساهم بشكل كبير في الحياة السياسية والفكرية العربية ، فشارك في انشاء الجامعة المصرية، وتولى عدة مناصب وزارية، وترأس مجمع الغة العربية ، كما انضم الى قافلة المثقفين المخلصين في المشروع العربي الثقافي النهوضي لأجل الانبعاث القومي والتحديث الاجتماعي والاصلاح الديني، وتحرير المرأة ومساواتها، اضافة الى تعميم المعرفة والحياة الدستورية وارساء فكر علماني ليبرالي متحرر الى حد ما من قبضة الايديولوجيا المنغلقة على نفسها. ولا شك أن مساهماته الثقافية في الفكر النقدي تمثل الوجه الحي والخلاق للتقاليد التي أرساها هو ومجايليه في مواجهة ومقاومة الأوهام الباطلة في ثقافتنا، ونزع النقاب عن الأنظمة اللاعقلية الموروثة وأيقاظ الرغبة في قيام نظام دستوري يصبح فيه المفكر حقيقة دون تنازل أو تدجين وتشويه ضمير.

 

رفض أحمد لطفي السيّد الأراء والأفكار التقليدية في الهوية الوطنية على أساس ديني أو طائفي ونادى بهوية وطنية مصرية تستند الى الأوضاع الاقليمية والاجتماعية والاقتصادية للشعب المصري ، وكانت فكرة الحرية، حرية الفرد وحرية الوطن، والفكرة القومية هما محور تفكيره واهتمام مدرسته التي أنجبت طه حسين ومحمد حسنين هيكل وطلعت حرب وفتحي زغلول وسواهم. ويرى السيّد أن السلطة السياسية تستبد بالعقل المتنوّر وتفرض عليه معركة وهمية مع نقيضه، الفكر الديني من خلال استخدام نفر من موظفي السلطة نفسها.

 

ولأحمد لطفي السيّد العديد من المنجزات والمؤلفات التي هزّت الروح والوجدان المصري وحملت طابع المساجلة والمساءلة ، وهي : تأملات في الفلسفة والأدب والاجتماع، صفحات مطوية من تاريخ الحركة الأستقلالية في مصر، قصة حياتي، ومشكلة الحرية في العالم العربي.

 

المفارقة في تكوين شخصية أحمد لطفي السيّد أنه بالمنشأ ينتمي الى الريف المصري، وبالمصلحة الطبقية الى كبار الملاكين، وفي التعبير الأيديولوجي يمثل الوجه البرجوازي لفكر النهضة العربية الثانية.

 

أحمد لطفي السيّد مفكر ومثقف بارز تميّز بتعدد اهتماماته السياسية والفكرية، وشكّلت مجموع أفكاره وكتاباته علامة فارقة في الفكر السياسي العربي، وهو أحد المبشّرين بالتجديد الفكري والسياسي والاجتماعي والحضاري، ومن الداعين الى تقويم الحياة العربية وتحرير الذاكرة المصرية والعربية من أوهامها وأرتهاناتها وخلق حالة انسانية عربية جديدة، بالفكر والايمان والنضال والعمل.

 

وأخيراً، فأن المسيرة السياسية والفكرية والاجتماعية لأحمد لطفي السيّد هي مسيرة غنية جداً، وهناك أهمية كبرى الى العكوف على دراسة تراثه النقدي وتجربته العميقة لأخذ كل الجوانب المضيئة والمشرقة لاغناء حركة التنوير العربية واثراء الفكر العلماني والليبرالي والديمقراطي العربي، ولاستعادة أخلاقيات الانفتاح والتسامح والتعددية الثقافية. 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1218 الاربعاء 04/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم