صحيفة المثقف

غيرهارد فريج Gerhard Fritsch (1924 ـ 1969)

بعد أن أكمل دراسته الثانوية سحب للخدمة العسكرية في السلاح الجوي الألماني قسم المخابرات اللاسلكية.

من خلال مشاركته في الحرب تمكن من الوصول إلى النرويج، فلنده والجبهة الروسية. وعندما انتهت الحرب وأطلق سراحه من الأسر درس اللغة الألمانية والتاريخ في مدينة فيننا ومارس بعدها مهنة التعليم فترة قصيرة بعدها أصبح مسئولا على إدارة المكتبة المحلية لمقاطعة فيننا. في عام 1959 ترك هذه المهنة وتفرغ للكتابة والعمل مصححا في إحدى دور النشر ومحررا في بعض المجلات الأدبية منها على سبيل المثال المجلة الأدبية " كلمة في زمن " ( Wort in der Zeit ).

  بدأ غيرهارد فريج حياته الأدبية بكتابة الشعر، إذ أصدر في عام 1952 ديوانه الأول " بين كيركنس وباري " ( Zwischen Kirkens und Bari ) بعدها بسنتين، أي في عام 1954 صدر ديوانه الثاني بعنوان " طين وجسم " ( Lehm und Gestalt ) وفي هذه السنة، أيضا، منح جائزة تشجيعية ( تقديرية ) منحتها له محافظة مدينة فيننا، وفي عام 1955 صدر ديوانه الثالث " هذه العتمة تسمى ليلا " ( Dieses Dunkel hei?t Nacht )  بعدها بثلاثة سنوات، 1958 صدر ديوانه الرابع ( Geisterkrug ). هذه الدواوين الخمسة صورت التجارب والمعايشة اليومية والمأساة التي عايشها الشاعر أثناء الحرب، خصوصا في ديوانه بين كيركنس وباري، الذي تضمن قصائد هي خليط بين الشعر والنثر، التي هي ظلال تجاربه اليومية مع هذه الحرب... تجارب لازمته حتى آخر لحظات حياته.... معسكرات الاعتقال والقتل.... المقابر الجماعية ثم مرحلة وقوعه في الأسر.

يقول عن الحرب: هي السفر المستمر إلى الموت، الذي لا يمكن الانفلات من مواجهته. في ديوانه ( هذه العتمة تسمى ليلا )، يصف فيها ذلك السفر الذي دام أكثر من أربعة سنوات متنقلا من ضاحية إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى.

كان الليل يعني الخوف

والعجلات العجلات

كانت تغني

في سمولنسك الكاتدرائية

في وارشو القصر

فيلنا في المساء

واخضر... هكذا اخضر

غيتو ( Ghetto ) سوكولوف 

الموتى يسيرون

عارضين أنفسهم، مثلما تعرض المومس نفسها

تعالوا معي

تغني البوم

تغني العجلات

 

بعد هذه الدواوين الخمسة كتب فريج روايتين صدرت الأولى عام 1956 بعنوان " طحالب على الصخور " ( Moos auf den Steinen ) ومنحت له على أثرها جائزة الدول النمساوية ومضمونها نهاية الحرب العالمية الثانية والأوضاع التي ترتبت عنها عبر أحداث تاريخية/ نفسية تبدأ عند الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية النمساوي. والثانية صدرت عام 1967 بعنوان " كرنفال " ( Fasching ) مضمونها الحرب أيضا تبعتها بعد ذلك الكثير من المؤلفات تجاوزت العشرون مؤلفا من شعر ورواية وتمثيلية وترجمة. والجدير بالإشارة هنا أن غيرهارد فريج قد لعب دورا مهما على الساحة الأدبية النمساوية أثناء استلامه رئاسة التحرير لمجلة نقد وأدب (   Kritik und Literatur ) إذ اخذ على عاتقه في هذه الفترة، أي فترة بعد الحرب العالمية الثانية، نشر الكثير من النصوص الأدبية ( شعر، قصة، نصوص مترجمة ) لجيل من كتاب النمسا الجدد، جيل بعد الحرب، أمثال توماس بيرنهارد، بيتر هاندكه إلى جانب انفتاحه على مجموعة من الأدباء خارج حدود النمسا ( هنكاريا، جيكسلوفاكيا، يوغسلافيا...إلخ ).

في اليوم الثاني والعشرين من شهر آذار عام 1969 مات غيرهارد فريج منتحرا.

النصوص أدناه مأخوذة " هذه العتمة تسمى ليلا "

 

أوسلو / آب 1943

ليس من الضروري أن تلاحقونني بنظراتكم هكذا،

أعرف، أيها الأصدقاء، أنا ثملا.

اتركوني هكذا، أريد الذهاب إلى رصيف الميناء،

هناك، منذ فترة، كنت قد التقيت صديقا.

 

صديقي، صديقي، هو عمود النور،

واقفا هناك عند الساحل.

لا يحمل ضوء، مقطوع الرأس،

لا أعرف لماذا لازال يقف هناك.

 

أنا ذاهب، الآن، إليه

أسند نفسي عليه، ربما سيكون جميلا، ما أراه:

المياه التي تمتد بعيدا في العتمة،

وتلك الأصوات الغريبة التي لا أفهمها.

 

ميناء غريب في ليل غريب،

أمواج تتلاطم على الأسوار بصوت خافت.

كثير من سفن راسية هنا،

لها أسماء غريبة

منزوية في الظلمة.

 

السفن لن تبحر بعد الآن حول العالم،

    جاثمة تحت أمرة نظام جديد،

    ضحية

    مثلي أنا

وهذا العمود المنخور أيضا.

 

 

Maubeuge / Oktober 1942

هذه هي الليلة الثالثة على سفرنا

السماء لا زالت تمطر. العجلات تصرخ،

عند مرورها على مكان طيني.

لا أحد يضحك

عند النافذة. 

كل واحد منا منطويا على نفسه.

 

في الخارج، ظلام، لا شيء يمكن رؤيته،

سوى ضباب يندفع إلى الداخل مخلوطا بالدخان.

ربما هذه خرائب، هناك في الجانب الآخر؟

التعب شديد والبرد القارص يلف كل شيء من حولنا.

 

غروب، حقول، أشجار، أرض صامته.

على الطرق ترسانات للمراقبة

مصانع صفراء بلون الرماد.

فجأة

أمامنا رصيفا قذرا لمحطة قطار كان خاليا

من أي حركة بشرية،

غير الأشباح

 

يقف القطار. أمر بصوت عال.

وصوت الصفارات يغطي المكان.

واحد جنب الآخر... ونبدأ من اليسار واحد، اثنين، ثلاث،

يسارا... يسارا

إلى المدينة.

الهواء شتائي.

 

المدينة؟ كانت، في مرة ما، شامخة هنا.

كانت حرب عشرة دقائق. أزيل كل اثر لها،

هكذا قال لي صاحبي الذي هو على جهتي اليمنى. يمر طفلان،

لم يروا من هم الذين يسيرون هنا.

 

نسير فوق جسر خشبي هش.

نهر مياهه عكرة. وأخيرا، أمامنا بيتا،

أعيد ترميمه.

قال الضابط (فخورا):

هذا بيت للدعارة،

سأخرج في مساء هذا اليوم للنزهة.

 

الشارع له انحناءاته.... مخابئ قديمة

سوداء اللون. حارس يحمل بندقية.

باب حديدي ثقيل. أيها الجنود قفوا!

وقفنا صامتين.

والسماء سوداء،

بدت، وكأنها قد غطيت بالقار.

 

بين كيركنس وباري

بين كيركنس  وباري

ومن بايونه حتى الفولغا

غبار، عرق، مطر، ثلوج ودماء.

غبار، وقبور، قبور، قبور، قبور ـ

هكذا مرت الأعوام

من بايونه حتى الفولغا،

بين كيركنس وباري.

 

بين كيركنس وباري

من بايونه حتى الفولغا

صمت... أجسامنا لا تريد الحركة من جراء التعب... فقراء.

آخر جوارب جيدة من البيت،

آخر صورة من حب قديم،

كل شيء أصابه العفن، ملقيا، في مكان ما،

في الوحل.

حتى مثلنا العليا، سقطت هي الأخرى،

خاوية مثل خرطوشة رصاص،

طالحة مثل جوارب ممزقة، في مكان ما، في واحدة من شوارع كثيرة

من بايونه حتى الفولغا،

بين كيركنس وباري.

 

..............................

المصادر

1.   Stefan Akler und Andreas Brandtner ( Hg. ): Gerhart Fritsch Schriftsteller in ?sterreich. Sonderzahl Verlagsgesellschaft mbH. Wien 2005.

2.   Thomas Kraft ( Hg. ): Lexikon der Deutschsprachigen Gegenwartsliteratur seit 1945 Band 1. Nymphenburger Verlag 2003.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1220 الجمعة 06/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم