صحيفة المثقف

أوكتافيو

كاتب مكسيكي يعتبر واحد من أشهر من كتب الشعر والمقالة الأدبية في تاريخ الأدب المعاصر. صار معروفا عندما صدر له عام 1950 كتابه متاهات العزلة " Das Labyrtinth der Einsamkeit " هذا الكتاب الذي ترجم إلى أكثر لغات العالم لا زال أكثر الكتب قراءة.

بعد أن أنهى دراسته الثانوية التحق بجامعة المكسيك لدراسة القانون والفلسفة. في السابعة عشر من عمره أسس مجلة أدبية (1931) بعدها بسنتين أي في التاسعة عشر من عمره صدر له أول ديوان شعري " Luna Silvestre " قوبل بإعجاب من قبل نقاد الأدب. في عام 1936 سافر إلى اسبانيا بدعوة لحضور اللقاء العالمي للكتاب ضد الفاشية مساندة للجمهورية الاسبانية التي كانت في حينها تعاني من الحرب الأهلية وبقى هناك حتى عام 1939 تعرف خلالها على الشاعر بابلو نيرودا وعلى فاليو جيزار 1 Vallejo Cesar، وعلى ميغويل هيرناندس2 Miguel Hernandez، الذي لقي حتفه في واحدة من سجون الدكتاتور فرانكو وقد نعاه باث بكلمة مؤثره. وفي طريقه إلى المكسيك، بعد خروجه من أسبانيا، عبر فرنسا حط رحاله في باريس وتعرفه على رموز السريالية حينذاك. عند عودته إلى المكسيك عمل في صحف الحركة العمالية (1939 ـ 1943) وفي هذه السنة أنهى كل علاقة كانت له مع الحزب الشيوعي المكسيكي احتجاجا على اتفاقية عدم الاعتداء التي ابرمها ستالين مع هتلر في الحرب العالمية الثانية ووجهة نظره حول الواقعية الاشتراكية في الأدب، التي أثرت على علاقته مع الشاعر بابلو نيرودا، أيضا، الذي كان في ذلك الوقت قنصلا لبلاده (تشيلي) في المكسيك وكان اوكتافيو في حينها قد أظهر تعاطفه مع الحركة التروتسكية. إلا أن أهم حدث كان بالنسبة له، في تلك الفترة هو لقائه مع الحركة السريالية، التي كان أقطابها قد اختاروا المكسيك ملجأ لها أثناء الحرب العالمية الثانية، فكان لقائه مع كل من أندريه بريتون وبنيامين بيريت وآخرون وكان يشارك بين حين وآخر في نشاطات هذه الحركة بحيث تركت بصماتها في بعض مما كتبه خصوصا في الخمسينيات من القرن الماضي وعمقت تجاربه الشعرية. وكان انخراطه في السلك الدبلوماسي قد مهد له الطريق للتعرف على أكبر ثقافتين خارج المنظومة الغربية، الأولى هي الثقافة اليابانية عندما كان سفيرا لبلاده هناك بعد النصف الأول من القرن العشرين حيث انكب على دراسة الشعر الياباني وخصوصا أل " الهايكو " إلى جانب الأشكال الأخرى من فن الشعر، التي كانت قد أثارت إعجاب الشاعر المكسيكي خوزيه خوان تابلادا3 Jose Juan Tablada، وكان باث قد خصص الكثير من كتاباته حول هذا الشاعر، التي توجت في الآخر بإصدار ديوان يضم مجموعة قصائد لمجموعة من الشعراء حمل عنوان " Renga " (1972) بصياغة أسبانية متكاملة، كون أن " Renga " واحد من أكبر القوالب الشعرية اليابانية والتي لها ارتباط مباشر مع فن أل " الهايكو ". أما فيما يخص الثقافة الهندية فقد كان يعرف عنها الكثير قبل وصوله إلى الهند كسفير لبلاده، لهذا نرى أن المؤثرات الهندية أكثر وضوحا وعمقا من اليابانية، وكان ديوان " Ladera esta " الذي صدر عام 1968 باكورة مؤثرات هذه الثقافة الذي ضم نصوصا كانت قد كتبت في الهند، أفغانستان وسيلان (سيريلانكه)، والتي عكست بوضوح مؤثرات التاريخ والثقافة والأسطورة، التي كان باث قد بدأ بقراءتها منذ بداية الستينيات من القرن الماضي حول الحضارة الهندية.

 استقال من منصبه كسفير لبلاده (1968) في الهند احتجاجا على المذابح التي قامت بها الحكومة المكسيكية آنذاك ضد مظاهرات الطلبة في العاصمة المكسيكية، وبقى بعيدا عن بلده متنقلا بين بلد وآخر محاضرا في الشعر (1968 ـ 1970) ـ انكلترا في جامعة كامبردج(Cambridge) وفي الولايات المتحدة الأمريكية جامعة أوستن/ تكساس ـ، ولم يعود إلى المكسيك إلا بعد مرور سنتين على هذه الحادثة على أثر انتخاب رئيس جديد للمكسيك وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وكان أول نشاط ثقافي قام به بعد هذه العودة تأسيس مجلة " Plural " التي انتشرت بسرعة وأصبحت واحدة من أهم المجلات الأدبية في قارة أمريكا الجنوبية آنذاك وبقى مديرا لها حتى عام 1976 ومتنقلا، ضيفا محاضرا، بين جامعة هارفارد وجامعة كاليفورنيا في سانتياغو ابتداء من عام (1971 ـ 1974) حيث عاد ثانية إلى المكسيك.

 

منح أوكتافيو الكثير من الجوائز الأدبية كان أهمها جائزة (Miguel Cervantes) صاحب الرائعة " دون كيشوت) وجائزة السلام للكتاب الألماني وكانت أهم الجوائز التي منحت له هي جائزة نوبل في الأدب، التي حصل عليها عام 1990 تقديرا للنصوص الشعرية (الطويلة) التي حملت عنوانا " البحث عن وسط" وهي قصائد ثلاث (أو ثلاثيته المشهورة) حملت العناوين التالية: حجر شمس، أبيض، Von der Kladde zur Klarheit، كتبها في فترات زمنية مختلفة وقد قارنها الكثير من نقاد الأدب بما كتبه ت.س. اليوت من قصائد.

مات اوكتافيو باث في العشرين من شهر نيسان عام 1998.

 

ليلة مؤرقة

 في الساعة العاشرة مساء في المقهى الانكليزي

لم يكن غيرنا نخن الثلاث

هناك

في الخارج تسمع خطوات الخريف الرطبة

خطوات عملاق أعمى

خطوات غابة متجهة صوب المدينة

قادمة من الضباب

بآلاف من الأذرع وآلاف من الأرجل

وجه من بخار إنسان دون وجه

الخريف يزحف إلى قلب باريس

بخطوات أعمى واثقة

شيء ما في حركة يقترب إلينا

       قال واحد منا

 

الناس يسيرون في الشارع الكبير

بعضهم ينتزعون وجوههم خفية

صخور منها ينساب الزمن

بيوت مترامية الأطراف عظام في غرف

صلدة

آه عظام لازالت تعاني من ألحمة

عاهرة جميلة مثل البابا

تعبر الشارع

تختفي

في جدار له لون الخضرة

يعاد غلقه من جديد

كل الأشياء أبوابا

يكفي ضغطا بسيطا للأفكار

وتكون الحياة أمامك

شيء ما في حركة يقترب إلينا

                          قال واحد منا

تمر الدقائق

قرأت الإشارات على جبين هذه اللحظة

الأحياء على قيد الحياة

يسيرون يطيرون يسقطون يتحطمون

الأموات أحياء

تطاردهم الرياح هنا وهناك تفرقهم

عناقيد العنب تتساقط في أحضان الليل

المدينة تفتح صدرها مثل قلب

مثل زهرة ثمرت التين

في حنين

حنينا بعد غياب

شيء في حركة يقترب إلينا

                         قال الشاعر

 

حياة معروفة

برق أم سمك

في ليل البحر،

وثمة طيور وبرق

في ليل الغابة.

 

العظام برق

في ليل الجسم.

آه أيها الغابة، كل شيء ليل

والحياة برق.

 

 

استمرار

سوداء هي السماء

               صفراء هي الأرض

صياح الديك يمزق الليل

الماء ينهض ويسأل عن الساعة

الهواء ينهض ويسأل عنك

حصان أبيض يمر

 

II

مثل غابة في فراشها من الأوراق

تنامين أنت في فراشك من المطر

وتغنين في فراشك من الرياح

وتقبلين في فراشك من ومضة ضوء

 

III

روائح لا تحصى عنيفة

أجسام مع أيدي كثيرة

على نبتة غير مرئية

لون واحد أبيض

لا غير

 

IV

تكلمي أصغي السمع أريد جوابا

ما يقوله الرعد

تفهمه الغابة

 

V

ادخل عبر عيونك

تخرجين من خلال فمي

تنامين في دمي

استيقظ على جبينك

 

VI

سأتحدث معك بلغة الحجر

(تردين علي بمقطع كلاما أخضر)

سأتحدث معك بلغة الثلج (الجليد)

(تردين علي بمروحة من النحل)

سأتحدث معك بلغة الماء

(تردين علي بزورق من وميض برق)

سأتحدث معك بلغة الدم

(تردين علي ببرج من الطيور)

تابع القسم الثاني

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1237 الاربعاء 25/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم