صحيفة المثقف

أنا وفلاح الشابندر وآخرون

inaam hashimiمتابعة حوارية .. نصوص وتعليقات وردود وسؤالات

توطئة: لعل القارئ يتساءل عن المقصود بالمتابعة الحوارية، والجواب أنها فكرة خطرت لي وربما هي ابتكار في أسلوب الحوار وابتكار في أسلوب القراءة للنصوص الأدبية والنقد ... والابتكار ما كان هدفي في هذه التجربة قدرما كانت هذه ناتجاً تلقائياً للطريقة التي اقرأ بها لكاتب معين واهتماماتي بتحليل النصوص ومتابعة ما يأتي حولها من قراءات وتعليقات، وفي كل هذا كثيراً ما تتولد لدي أسئلة وكثيراً ما تبقى هذه الأسئلة مطلقة في الجو أو حبيسة الفكر تدور فيه دون أجوبة، بل ودون حتى محاولة طلب الأجوبة .. الناقد حين يسجل قراءته أو نقده إنما يكون في معزل وعزلة تامة عن الكاتب وبظنه أنه قد سيطر على المحتوى واحتواه بفكره وبتحليله إنما يتملكه الغرور مصدقاً انه المالك الحقيقي.. ويخطأ حين يظن أنه قد امتلك السيطرة على السؤال والجواب مؤمناً بفكرة موت المؤلف حسب نظرية رولان بارث. في حين ان النظرة الكلاسيكية تعطي الملكية كلها لكاتب النص الأصلي . وهنا اخترت أن أخطو خطو ة أمسك فيها بيد الشاعر أو هو يمسك بيدي ونسير معاً في طريق فهم نهجه ذلك بإشراكه في عملية القراءة دون تجاوز الأدوار خلال رحلة الاستكشاف حين أطلق أسئلتي التي هي وليدة القراءات نحو الكاتب فيأتي الحوار مكملاً ومرتبطاً بالنص والتعليقات والقراءات والمشتركات بينها في رسم سمات أسلوب الكاتب . الشاعر فلاح الشابندر كان أولى محطاتي في هذا المشوار.

 

بداية المشوار:

بدأت رحلتي مع فلاح الشابندر يوم أن ترجمت له نصاً شعرياً لفت نظري وكان بعنوان "سماء من ماء" ونشرت الترجمة في موقع المثقف وفي موقع النور ؛ في مقدمتي عن النص قلت:

(ماجذب انتباهي الى هذا النص الرمزية الأسطورية فيه، ففلاح الشابندر كما لاحظتُ بدأ في هذا النص سلسلةً من الفهارس؛ من فهرس الطير الى "فهرس الشاعر" في نص أخر يحمل هذا العنوان، وكأن الفهارس هي ملحمة أسطورية بين الطير والبحر ..).

ومن عادتي أنَّ من أترجم له نصاً أعود وأترجم له نصاً مغايراً في المحتوى والأسلوب كي أعطي القارئ فكرة أوضح عن الشاعر ... في ترجمتي للشابندر وجدت التغاير في نصوصه يدعوني لترجمة أكثر من نص أو نصين ...

فعدت للترجمة له مجدداً في نص "إمرأة من ندى" ونشرت ترجمتي في موقع المثقف وموقع النور ... في هذا النص المغاير جداً لما سبقه قلت:

(عُرِفَت قصائِدُ الشاعرِ فلاح الشابندر بالرمزيَّةِ العاليةِ التي يصعبُ فكُّ رموزِها على الكثيرِ من القرّاء، وما جذبني إلى ترجمةِ أوَّل قصيدةٍ ترجمتُها له والتي كانت بعنوان "سماء من ماء" رمزيَّتها الأسطوريّة التي ترتبطُ بنصوصٍ أخرى على نفسِ المِنوال ... وترجمةُ مثلِ هذه القصائدِ تضعُ المترجِمَ في امتحانٍ عسيرٍ في المفاضلةِ بين الدِقَّةِ في نقلِ معانِي القصيدة وبينَ الانسيابيَّةِ في إيقاعِ الكلماتِ الانجليزيَّة والجملِ المرتبطةِ بها.

القصيدةُ هذه "امرأة من ندى"، اصطَدتُها حينَ نُشرت في "النور" وترجمتُها آنذاك، ثم رأيتُها مجدَّداً في ديوانِه "فحم وطباشير"... وهي تختلفُ كليّاً في موضوعِها وأسلوبها عن كتاباتِ فلاح الشابندر الأخرى، فرغمَ أنَّها لا تخلو من الرمزيَّةِ والاستعاراتِ المبهمةِ إلاّ أنَّها تحتوي على الكثيرِ من الوضوحِ في الكثيرِ من مقاطِعِها، كما أنَّها تختلِفُ في الموضوعِ عمّا عداها من قصائدهِ في وجدانِيَّتها والمشاعرِ التي أطلقَ لها الشاعرُ العنانَ بين حروفِها؛ وكما يشي العنوانُ به منذُ البداية فهي تتحدَّثُ عن علاقةٍ معيَّنَةٍ بامرأة ... ففي حين أنَّ قصائدَهُ الأخرى تنطوي على وَجَعٍ يخصُّ الوطنَ أو الإنسانيةَ بصورَةٍ عامَةٍ أو فلسفةٍ مُضمَرة، نجدهُ في هذهِ يغرَقُ في العاطِفةِ الحسيَّةِ من أولِ افتِتاحِها ثمَّ يتصاعَدُ بها حتى النهاية. في القصيدةِ من حرارةِ المشاعِرِ ما يوحِي بصدقِ التجربةِ، والشاعرُ الماهرُ هو الذي يجعلُ قارئهُ يتعايَشُ مع القصيدةِ ويصدِّقُ وقائِعَها كحقيقَةٍ وإن كانت محضَ خيال...)

 179-falah

وهنا أضع أول اسئلتي للشاعر الشابندر لتتبعه بعد ذلك أسئلة أخرى تتعلق بنصوص أخرى له وقراءات لها وتعليقات عليها.

سؤال 1- أ. د. إنعام الهاشمي: نص "سماء من ماء" أجده مرتبطاً بالنص الآخر المعنون "فهرس الشاعر" ارتباطاً وثيقاً حتى يخيل الي ان الفهرسين هما فهرس واحد انقسم نصفين بعنوانين ... والنص هذا يوحي بأن الطائر له ارتباط وثيق بالشاعر، بل ربما هو الشاعر، وإلا كيف يكون بذاره الكلمات؟

فمن هو، أو ما هو، هذا الطائر الذي يحوم فوق رؤوسهم...؟ أهو الشعر؟ أهو رمز الشاعر؟ أو ربما هو الناقد أو القارئ؟ أهو القدر؟ الحتف؟ المجهول؟

ولماذا يحاول الشاعر "المتحدث في النص" اصطياده أو استدراجه ويتمنى لو كانت لديه بذارة؟

جواب 1 – الشاعر فلاح الشابندر: الشاعر والطائر كلاهما يعشق الحريه... الطائر يعشقها بغريزته والشاعر بعاطفته وبالتالى يتفقان فى نقطة جوهرية هى الأثمن فيما فى الوجود وأقصد بذالك الحرية سواء كان هذا اللقاء عن وعى أو بدون وعى والمهم هى النتيجة.

 

سؤال 2- أ. د. إنعام الهاشمي: كلما قرأت نصك "سماء من ماء" أخذني دون وعي الى "المركب السكران" لرامبو وبالأخص في هذا المقطع رغم الاختلاف:

(ويزفر الزبد

أوراق فكر مهان

يكركر الموج ........ نتقهقر ........ نتأرجح انحيازا

يدور حوله ........... حوله يدور (المركب السكران)

نتقهقر .. ظهرانينا التقيا .... التصقا

صلب ينتظر صلبا

(نكون أو لانكون) ............ تلك هي القهقهة !

ياملكوت البحر إنا تراب

وتأخر الطير

يلتقطنا غبار)

والسؤال: كم تأثرت برامبو قبل كتابة هذا النص؟ وهل استطيع أن أقول أنك حين كتابة النص كان العراق هو مركبك السكران؟

جواب 2 – الشاعر فلاح الشابندر: لو لم أكن أتاثر برامبو سأكون حجراً، وكيف وانا أْقرأه إنسانا يعيش هموم الوجود والحياة؟

رامبو....... رسب في أعماقه وما ينبت فى الأعماق عن وعى وإدراك يؤسس لأعماق أكثر.

• أما جوابي على الشق الثاني من السؤال وإن كان هذا هو مركبي السكران فأقول: بالضبط... فالمركب السكران لا يعنى مادية المركب على قلق الموج. فلكل منا مركبه، ومركبي هو مجموعة قلق.

 

سؤال 3- أ. د. إنعام الهاشمي: تساؤلي هذا ورد في مقدمتي لترجمة نص "امرأة من ندى" كما في المقتطف أدناه والآن أوجهه لك .

(بعضُ الشعراءِ يدسونَ أسماءَ في قصائِدهم، وأحياناً دونَ مناسبةٍ ودون توافقٍ مع مجرى القصيدةِ وثيمتها، بغرضِ الإيحاءِ أنَّها كُتِبَت لشخصٍ معيَّنٍ أو بقصدِ التقرُّبِ لإنسانٍ معيَّنٍ، فهل فعلَ الشاعرُ فلاح الشابندر هذا؟ وهل "ندى " هو اسمٌ لامرأة أم وصفٌ؟ هل تحكي القصيدةُ تجربةً صادِقة؟ أم أنَّه بمهارةِ الشاعِرِ أرسلَنا في طريقِ تصديقِه؟ في كلِّ الأحوالِ أقولُ أنَّ حرارةَ المشاعِر وتدفُّقَها توحيان بذلك إضافة إلى خلوِّ القصيدة من التصنُّعِ الكلامي المحشورِ حشراً لبهرجةِ القصيدة، وأنا أوشكتُ أن أصدِّق وجودَ هذه المرأةِ "الندى" التي فجَّرت الماءَ من عينِ الصخرةِ بقوَّةِ التوتُّرِ في قلبِ الشاعر!)

والسؤال: كم من الحقيقة في هذا النص وكم من الخيال؟ وإن ادعيت الخيال سأقول لك كيف لك أن تصور هذه المرأة كما صوّرتها بدفق المشاعر وكأنها ستنطلق من بين الحروف كما الماء من "توتر جوف الصخرة الصلبة"، استعارة من تعبير لك ورد في النص؟!

جواب 3 – الشاعر فلاح الشابندر: ندى هى المرأه وليس مراْه ... ولذلك أدعى أنها تجسيدا للأنوثه المقدسة... تجد ذاتها مفاهيمى وليس تجسيدا.

 

الترميز سمة حرف الشابندر:

وأعود للترميز والغموض في نصوص الشابندروذلك ما ذكرته في البداية هنا بالإشارة إلى أن هذا هو ما جذبني إلى نصوصه بدءاً والذي أغراني بإطلاق لقب "شاعر الرمز وعرابه " عليه ... ولست أول من وصف نصوصه بالرمزية العالية ولست بآخرهم ولن أكون، ولا أظنه سيحاول أن يغير من أسلوبه إرضاءً لغير ما يوحيه له قلمه وفكره. وسأتطرق أدناه إلى بعض ما قيل عنه في هذا الخصوص ثم توجيه أسئلتي له في محاولة لإشراكه في النقاش حول ما يدور في أذهان قرائه وناقديه والباحثين في نصوصه والمعلقين عليها سلباً أو إيجاباً.

 

• في قراءة عن ديوانه "فحم وطباشير" كتب الأديب صباح محسن جاسم عن فلاح الشابندر قائلاً:

(واذ يختزل دائرة الكون بفحم الواقع وطباشير فجر قادم انما يسعى عبر تهويمات تفيض بتوصيفات تضاد داخلي يتهشم على ضفافه البناء اللغوي فيغدو مرتبكا ساعة وأخرى منسجما مع تقابل تساؤلاته وتقاطعاتها من على لسان بوحه وهذيانه بنهج مناجاة عبر رمزية فاقعة الألوان.)

ثم يضيف:

(في سؤال شخصي عن الكيفية التي يكتب فيها نصوصه، أجاب: " بصراحه أكثر ما اكتب بعضه لا افهمه وربما لا يفهمنى لان علة المرض لا يعرف بها الا ما يوجع منها لكن الاسباب تبقى بحاجة الى الأستكشاف"

هذا الرجل ينوي أن يضيعنا في غيهب اليم ويعود بالقارب من دوننا!)

 

سؤال 4 - أ. د. إنعام الهاشمي: تجاوزاً على ما جاء أعلاه من تفسير للكيفية التي تكتب بها نصوصك، ماذا تقول لصباح وللقراء رداً على وصف الإرتباك في بعض مواقع البناء اللغوي في شعرك؟

جواب 4 – الشاعر فلاح الشابندر: لأنى أتشرط جوهر الشعر وروح الفكره فأغيب عن الوعى خارج هذه الدائره.. لا أسمع صوتا ولا أرى شيئاً ولعلى أعيش بلا أنفاس ولا أعلم بذالك، فهل بعد هذا يمكننى أن أتحرر من الإرتباك؟

 

• وفي مقاله المعنون "الشاعر العراقي فلاح الشابندر وديوانه (فحم ... وطباشير)" كتب الناقد أحمد فاضل في إشارة إلى نقطة تشابه بين تي أس أليوت والشابندر قائلاً:

(وهذا بالضبط ما عليه شاعرنا الشابندر وبحكم تاثره بالشعر الحديث فقد قدم نفسه بصورة مغايرة جعلنا نتسائل الى أي فريق ينتمي؟ أهو يكتب الشعر من أجل الشعر أم يكتبه لغيره؟ حاولت هنا أن أعيد ترتيب مشهده الشعري لأنني امام شاعر صعب المراس فتذكرت والاس ستيفنز (1879 - 1955) الشاعر الأمريكي الذي اعتمد ثلاثة أمزجة في كتابته الشعر، النشوة، اللامبالاة، وما بينهما، حتى قالوا عنه أنه يشبه الرسام الألماني السويسري بول كلي في بوهيميته، بينما قال فريق آخر أنه يشبه الرسام الفرنسي بول سيزان في حبه للطبيعة، ما انعكس ذلك على شعره، الشابندر يمكن أن يكون خليط لكل الذين ذكرتهم لأنه ومن خلال قصائد ديوانه يؤمن بانتمائه لكل هذا العالم الذي يتغير في كل لحظة، فلم يعد شاعرنا ليقف على بقعة ما من هذا الكون لذا نراه يتنقل كسفينة يجوب بها الأصقاع يبحث عن اسئلة طالما أرقته، لماذا الوجود؟ ولماذا العدم؟ ولماذا أنا هنا؟ ولماذا أنتم هناك؟ قد يفقد الخيال حيويته عندما نكون غير واقعيين، الشابندر كسر هذه المعادلة في " فحم ... وطباشير " .)

 

سؤال 5 - أ. د. إنعام الهاشمي: هل سترسو سفينة الشابندر على بر... وهل وجد أجوبة لبعض الأسئلة التي تؤرقه حسب تحليل الناقدأحمد فاضل؟

جواب 5 – الشاعر فلاح الشابندر: سفينتى بلا شراع تتقاذفها الامواج وعند ذاك هى رهينة القدر ... فلست راسيا ولا مبحراً وإنما أنا في سفرة عشوائيه بلا هدى ..

وبالتالى لا أدرى كيف تتلاعب بى الأقدار... فأنا عبدها وهى فارسي.

الإنسان وجود فعلي ووجود مواجهه للسؤال الكبير والمكثف بل ويتعلق بمصائر متعدده فلا يمكن ان نستنفذ ونفرغ منه . ساد السؤال على سوح المعرفه وأخصها بالأدب والفلسفه، وما الكون إلا سؤال ويضمر الإجابه.

 

• وفي تعليق له على مقالة الناقد احمد فاضل المشار إليها أعلاه، يقول فلاح الشابندر:

 (وما انا الا تجربة وصدى التجربه

انا اكثر الناس خوفا من الشعر يرعبنى الشعر واتحفظ

ولكن وفى غفلة منى افقد الحصانه لحواسى لترعى فى حقل الواقع وربما يكون ملغوما فلا أسلم من الإصابه وألم الإصابه

أو ليس الألم منشأ للوعى؟

يعذرنى الشعر سيدى فأنا لا أفهم أن للدمع أكاديمية وبحور القافيه. فى هكذا واقع انفجارى بات اليوم كل شىء انفجارى وفوضى دخان وغبار وتشويش .... وكل هذا ويعول عليك التاريخ كتابته .. ساعد الله الشعراء)

 

سؤال 6 - أ. د. إنعام الهاشمي: تقول أنك التجربة وصدى التجربة ... وتقول أنك تخاف الشعر وتتحفظ منه .. فماذا تسمي ما تكتبه وهو الذي يحظى باهتمام متزايد رغم قلة من يستطيع فك رموزه والغور في صوره ومعانيه؟

جواب 6 – الشاعر فلاح الشابندر: كل حدث هو تجربة حتى اكتشاف المعادلة الباطنية تجربة، والشاعر مهما طوّف به الخيال إنما هو يمارس تجربة، تجربة الحياة مع آلامها وأفراحها.. وهنا تكمن مشكلة الإنسان، لان كل تجربة تسلمه إلى تجربة أخرى حتى يموت . علما أن الموت ليس تجربة .

 

• وفي تعليق سريع رداً على من قال أن فلاح الشابندر مخيف في شعره، يقول الأديب الباحث غالب الشابندر:

(فلاح مخيف لأنه يضعنا في مواجهة أنفسنا)

 

سؤال 7 - أ. د. إنعام الهاشمي: ما هي الحقيقة التي يحاول فلاح الشابندر وضعها أمام القارئ ليجابه نفسه؟

و هل يهدف فلاح الشابندر إلى إحداث الرجّة لدى القارئ كما تفعل "الرجّة الكهربائية" في الطب لإعادة النبض للقلب الذي توقف؟

وهل هذا يعني أنَّ الشابندر لم يفقد الأمل في عودة النبض للقلوب التي ابتعدت عن الحقيقة؟ أليس في هذا دليل على وجود التفاؤل بين طيات قتامة بعض الصور في حروف فلاح الشابندر؟

جواب 7 – الشاعر فلاح الشابندر: كلما أراجع نصوصى بالإنسان أحس بأنى أريد الرجوع بالإنسان إلى فطرته، ولعل هذا راجع إلى قراءاتي الكثيرة والمبكرة، وربما بعض تجارب وأفكار من عبقرية علم التحليل النفسى .

الانسان وجود فعلي ووجود مواجهة للسؤال الكبير والمكثف بل ويتعلق بمصائر متعددة، فلا يمكن أن نستنفذه ونفرغ منه . ساد السؤال على سوح المعرفه وأخصها بالأدب والفلسفه: وما الكون إلا سؤال ويضمر الإجابة.

الشعر قضية أولها كشف الذات والإنصات، أي أكثر من الأنا الواحدة... الشعر فى جماليته الصدمة والإغواء الصادم ...

القضاء على القهر بأنواعه مطلعه التفاؤل والتنحي عن السلبية.

 

• وفي تعليق له على نص "الشارد... خيط" كتب الناقد أحمد فاضل مجدداً حول طبيعة ما يكتبه فلاح الشابندر ويقول:

(مع أنني أعجب كيف يتسنى للشابندر إخراج كل هذه الرمزية وهذا السحر من قمقمه، فإن ذلك العجب سرعان ما يغادرني في كل مرة التقيه فيها لأجده بسيطا متبسطا، ليس من لغز في كلامه ولا أحجية يمكن أن نعثر في نهايتها على سر كلماته .

" الشارد خيط " صورة أخرى لمعاناتنا معلقة بين الوهم والحقيقة، الوهم الذي نريده أن يصبح حقيقة، والحقيقة التي نريدها أن تصبح وهم !!)

• وفي الرد عليه يقول الشابندر:

(القصديه فى الشعر تتحكم بثيمة النص ويكرر فعل القول الا هى القيصريه ...

وفى أحايين ياتى النص على مستويات من الذاكره فتمنح نفسها حضوراً للماضى فى الحاضر ولا يكون الشاعر واعيا بالضروره واعيا للحدس المباغت يتجمع للتحرر ومضه سريعه الومضة الجمره ومن منا لا يطلق الجمر ولكن بلا تشظى لئلا تضيع)

 

سؤال 8 - أ. د. إنعام الهاشمي: أين تقف الحدود لدى فلاح الشابندر بين الوهم والحقيقة ... وكيف تقفز الذاكرة بينهما لديه ...

هل الذاكرة أو الذكرى هي الومضة الجمرة؟ أم هل هو المشهد الحاضر الذي يشعل الجمرة التي تومض في الذاكرة فتحرك الحرف؟

 جواب 8 – الشاعر فلاح الشابندر: الحقيقة تنبع من داخل الوهم.. عندما نضع فروضا لتفسير أى شىْ مبهم إنما نبتدىء باوهام وكثيرا ما يتحول أحد هذه الأوهام إلى حقيقة . بل لا حقيقة لاحقة بلا وهم سابق... وللعلم لا توجد حقيقهة مطلقة وبا لتالى هى وهم فى أحد جوانبها على أقل تقدير .

الومضة بين الخلق والابداع ... الخلق ما لايسمى من قبل ولا من بعد، أما الإبداع فهو التوظيف وإسقاطها على المشهد. لا أعتقد أن الومضة تاتى من الذاكرة أو الذكرى عموما، وقلت هو الضغط على اللاوعى الذي تنفلت عنه الومضة. متحررة.

 

عود إلى الرمزية في نصوص فلاح الشابندر:

الرمزية المركزة في نصوص الشابندر تضعه في صنف خاص من صنوف الحداثة التي تتحدى ذهن القارئ وقدراته على الفهم والتحليل وهذه المعضلة تظهر بوضوح عند الترجمة فلا يمكن للمترجم ان ينقل مالا يفهمه بشكل مفهوم لغوياً باللغة الأخرى... وقد تطرقت أكثر من مرة إلى موضوع المفاتيح في النصوص الغامضة أو الرمزية وهذا ما أبحث عنه دائماً في نصوص الشابندر وبها استطعت فكّ مغاليق الكثير من نصوصه التي يقف القارئ حائراًً أمامها في الكثير من الأحيان .

فالرمزية تتدرج من الغموض المحبب والذي يتحدى ذهن القارئ الى المعميات والهذيانات التي لا يربط بين افكارها رابط بل هي لا تتجاوز كونها فذلكات لغوية البعض منها يصل حد منافاة الذائقة إلى قلب معدة القارئ .

 فهل وصل الشاعر الشابندر إلى حدود المعميات؟

 

• الشاعر الحداثي فائز الحداد في قراءة لأحد نصوص فلاح الشابندر بعنوان "جدل أول" يشير الى رمزيته بالقول:

(فلاح في نصوصه يضع للرمز شأنا كبيرا في كل اشتغالاته الشعرية، وتشفيره الغامض أحيانا يجعل النص أشبه ما يكون بنظام الدوال الإشارية ويحتاج إلى قراءة منتجة عميقة وسابرة للرموز التي يبني بها جمله، وأحسبه كالصائغ الذكي الذي يعرف التعامل مع سبائكه الثمينة وأحجاره الكريمة دون تقليد .. قد يصعب على القاريء العادي فك مغاليق نصه في أول وهلة، ولكن ما أن يمسك بمفتاح فك شفره النص المركزية تسهل عليه معرفة بواطن أسراره كلها .. )

 

• وفي نفس المعنى يقول الأديب عبد الستار نور علي:

(القارىء لنصوص فلاح الشابندر يحتاج ان يستبطن اولا ثم يستقرىء ثانيا ثم يستبصر ثالثا حتى يصل الى ما ابتغى الشابندر من تحمله عناء رحلة الكتابه على عربة عقله وحسسه ومشاعره ولغته الخاصه به وهذه عملية قراءية تقتضى وقتا وجهدا بصريا استبصاريا لا تتوفر لكل متلق الا الذى خبر القراءه والابداع والكتابه لزمن لا يستهان به واعتاد الصبر فى النظر فالرمز لا يعنى الغموض والالتفاف على مسلمات اللغه والتعبير الاساس ولا يعنى الاستهانه بمفردات البلاغه المنهجيه او تجاوزها وانما خلق ما يمكن ان نحسبه بحثا عن تفرد فى استخدام المنهج اللغوى لوضع لمسسسة خاصه وبصمة ذاتيه تخرج عن الماءلوف السائد الذى يؤدى فى الكثير الى الوقوع فى النمطيه الاسلوبيه التى هى فوتو كوبى عن الغير)

وكما يقول عبد الستار نور علي أن القارئ لنصوص فلاح الشابندر عليه أن يستبطن ويستقرئ ويستبصر..

وأنا أضيف ويتخيل ويضيف من عندياته ومن تجاربه للصورة، فعمق الصورة الناتجة يتأتى من عمق تجربة الرسام وعمق تجربة الناظر اليها.

 

سؤال 9 - أ. د. إنعام الهاشمي: من هو القارئ الذي تطمح وتتطلع إلى اهتمامه بنصوصك؟ وما هي في نظرك نسبة هؤلاء إلى مجموع القراء في المجالات التي تنشر فيها؟

وهل تظن أن القارئ عموماً سيتجه للبحث عما يحتاج منه البصر والبصيرة والاستبطان والاستقراء أم انه يتجه نحو الممتع وسهل الهضم خاصة في عصر النت وانتشار الوجبات السريعة والومضات الخاطفة؟

جواب 9 – الشاعر فلاح الشابندر: أكتب وهدفى القارىْ الذى يعى نفسه، فالإنسان الذى لا يعى نفسه لا يعى غيره .

أما ما يتعلق بعدد القراءات فهذا أمر بطي الغيب .

وأما عن بحث القارئ عن الوجبة السريعة فأقول: وهل الوجبة السريعة من القدرة على ضم كل هذا الانفجار؟

هل نفتتح الحدث بكلمتين وندّعى بذلك وصفا كافيا لما يجري؟

الومضة الخاطفة هى الضغط على المتراكم من اللاوعى تنفلت متشظية وساخنة مع احتفاظها بالمعنى الصادم . وأقول أن الومضة هى من تفتح التأويل المضاعف. وحتى الوجبة السريعة لا تتم إلا من مكوناتها الكثيرة ولكن باختزال.. أعتقد هى مدى قدرة الكاتب على التوصيف والسؤال .

هل على الكاتب أن يراعى كل القراأء؟ أعتقد هذا من الصعوبة بمكان ذلك للتباين الكبير بين القراء.

 

سؤال 10 - أ. د. إنعام الهاشمي: كما يبدو فإن نصوصك تحظى باهتمام متزايد من قبل من يهتم بأكثر من تعليق عابر وتصفيق . هل ترى أن الشهرة قد وجدت طريقها إليك؟ وإن كان ذلك أو لم يكن فهل يمكن أن نعزو تزايد الاهتمام إلى أنك قد وضعتَ بصمتك الخاصة في النص الحديث؟ أم هل هو التحدي لفهم القارئ الذي يدفع الباحث إلى محاولة الغور في فهم الرمزية التي يغرق في لجتها النص والقارئ والباحث؟

جواب 10 – الشاعر فلاح الشابندر: أولا أنا لا أبحث عن الشهرة لأنى إانسان غائر فى لجة الألم، وإذا كان للشهرة حساب لدي فلتبحث هي عني .

أي شاعر فى الكون يترك بصماته على الآخرين حتى إذا كان شعره رديئاً، لأن كل إنسان هو مجموعة نصوص .

 

المسرحية في نصوص الشابندر:

في متابعتي لنصوص الشاعر فلاح الشابندر أرى مشاهد ولوحات أحياناً قاتمة وأحياناً مضيئة وملونة ... أحياناً أرى الوجه المجعد يزداد تغضناً في زواياها وأحياناً أرى الطفل يقفز من بين سطورها ليستكشف ويدهَش ويُدهِش، ويحتار ويدور حول نفسه ويتكئ على جدران مائلة وحقول ضوء وحرثة وفزاعات خضرة تأكل الإرضة رؤوسها ... ولو أخذنا الصور واللوحات في نصوصه ووضعناها في متتالية للصور المتحركة لكانت خير مقدمة لمسلسل سينمائي متعدد المشاهد.

 

•الكاتب المسرحي محمد رشيد رأى بعين المخرج ما رأيت في نصوص الشابندر من خلال قراءته لديوانه المذكور "فحم وطباشير" من مشاهد سينمائية ويعبر عن ذلك بقوله:

(أجد في القصائد / النصوص الدلالات الواضحة والتي تقودنا إلى ما ننحاز له أكثر فأكثر، دون زينة أصطناعية، أذ أن الرمز أكثر وضوحاً من السرد، (عدنا للنقد السينمائي في وريقات هذه المجموعة الشعرية) فالنصوص الموجودة بين دفتي (فحم طباشير) أكثر عطاء من النثر المستخدم في مختلف الأصناف الأدبية (وهذي وجهة نظر قابلة للنقاش) أن صح التعبير أقول أن أسلوب النصوص يمتلك إيقاع خفي، ليست حكاية، أو قصة قصيرة، أنها لقطات سينمائية تمتلك كل مقومات الحدث والزمن وديكورها المؤسس مع موسيقها الداخلية، فنصوص فحم وطباشير تطرق مابين اللقطة الشعرية الخاطفة، (كصعقة الكهرباء) ومكونات المشهد السينمائي بكل تفاصيله في (كوميديا المقهى 2) ترى عين الشاعر مشهداً سينمائيا شريكاً به.)

 

سؤال 11 - أ. د. إنعام الهاشمي: من خلال حديثي معك اكتشفت أنك مولع بالأفلام السينمائية ذات الحدث والعمق والمعنى ... كما أنك تحرص على مشاهدة الأفلام الغربية المتوفرة اليوم على أقراص مدمجة مما لم يكن متوفراً من قبل في دور السينما. هل نستطيع القول أن هوايتك هذه قد تركت أثرها في شعرك؟

جواب 11 – الشاعر فلاح الشابندر: نعم كنت مشدودا للسينما بل من الرواد ومن هذا الولع كنت أمارس تبادل المواقع مع البطل، ولم أكن أعرف أنها التبادل بين الواقعى والمتخيل.

وأود اليوم لو أشاهد ما شاهته فى الأمس البعيد بعقلية اليوم وأخيلة اليوم وترى كم هى صعبة اليوم إذ تسلط ما شاهدته على واقع اليوم ... الإختلاف كبير جدا وذلك لا يخلو من تجربة . .

 

سؤال 12 - أ. د. إنعام الهاشمي: هل تمنيت ان تكون ممثلاً؟

جواب 12 – الشاعر فلاح الشابندر: حلمى كان هذا.

 

سؤال 13 - أ. د. إنعام الهاشمي: وهل تقمصت أدواراً بينك وبين نفسك أو حينما كنت صغيراً؟

جواب 13 – الشاعر فلاح الشابندر: كثيراً ومنها أدوار لمسرحية هاملت،

وكذلك مثل بيكت تمثيل ريتشارد بيرتن "حتى انت يا بروتس" كنت اتمكيج بالفحم

والبس عباءه سوداء واقوم بالدور .

 

سؤال 14 - أ. د. إنعام الهاشمي: من جوابك السابق عرفنا السر وراء الفحم والطباشير .. وكذلك عرفنا أن ما ما يقف وراء المسرحة في نصوصك هو اهتماماتك المسرحية، وهذا واضح رغم أن النصوص لا تمثل نصوصاً مسرحية حسب التجنيس المألوف... فهل فكرت في كتابة نصوص مسرحية؟

جواب 14 – الشاعر فلاح الشابندر: بصراحة أقول فيما مضى كنت أمنّى نفسى أن اكتب مسرحة ولم أستطع. وحين كتبت الفهارس وجدت أن طريقتها ممسرحة، أعنى القصدية بعمل مسرحة ولم أنجح يعنى تقنية المسرحة لا أعرفها.

فى فهرس الريح حوار قائم

فى سماء من ماء حوار قائم

مع أجواء ممسرحة ... البحر، الطير، السماء..

 

اما فى فهرس الريح تجدين حوارية ما بين الشاعر وسقا الماء حوارية ومباشرة.

ومع النشيد فى فهرس الريح وكورس افتراضى يقول:

ضمير الماء صبرا جميلا سقا الماء

الماء من عين الله

وغيرها الكثير

 

سؤال 15 - أ. د. إنعام الهاشمي: هل تشعر عند كتابة النص أنك في صدد كتابة سيناريو لفلم سينمائي؟

جواب 15 – الشاعر فلاح الشابندر: بصدد كتابتى سيناريو يؤسفني أن أقول أني لا أملك أي معرفة بهذا المضمار.

 

سؤال 16 - أ. د. إنعام الهاشمي: هل استطيع القول أنّ نصوصك قد تأثرت إلى حدٍّ ما بأفلام هتشكوك؟

جواب 16 – الشاعر فلاح الشابندر: نعم هتشكوك. .

 

سؤال 17- أ. د. إنعام الهاشمي: أي من أفلام هتشكوك التالية ترك أثره في مخيلتك؟ وكيف كان ذلك؟

•        الطيور تأتي

•        الدوامة

•        سايكو

جواب 17 – الشاعر فلاح الشابندر: سايكو والممثل القدير أنتونى بركنز، والمحكمة لكافكا . لا أدرى ما الذي يشدنى لهذا الخط من الأفلام، إنى أختصها كثيراً ولا أدّعى أنني قد هضمتها فى سنوات المشاهد الأولى مع وعيي البسيط ولكنى أجد فيها سؤالاً كبيراً .

 

وأعود وأقول فى معرض الأسئله أن الأخ محمد رشيد وحقل السينما وما وجد فى نصوصي هى الجواب الشافى والدقيق مما عوّلت عليه في نصوص فحم وطباشير، وأخصها الفهارس الثلاث .

 

الريشة والألوان في نصوص الشابندر:

في نص "منارة الحلم" الذي حظي باهتمام أكثر من مهتم بنصوص الشابندر يتطرق الشابندر إلى صور وجدتها مبهرة تبرز فيها الألوان ولوحة الكانفاس والمرأة والحلم في مزيج أجاد خلطه بطريقته الخاصة والنص يقول:

(همَّ يدخل غرفته، يغلقها من الداخل

موعودٌ بما يسره على قيد الحلم

باقية ٌ .. مابقيّ الحلم

بيقين اللون واللحن .. يرسمها افتراضاً

امرأةً .. أثر امرأة

امرأة ً...

نعرف معا ..

فامعن النظر إليها

المنيعة بإغماضة ..

إغماضة ضمت الزئبق المائج عبر الشفيف ..

أرى الرائق يشتغل اخضرارا

موعودٌ بما يسرّه .. أن يلمس طرفا منها

وتشدّه ساعات طوال .. لئلا يسقط الظل

سقط الظل .. شكاً

شكاً رماديا يراق

ضارباً سطوح الحلم

كغمغمة الريح في ثقوب الرمل

ملهاة بلهاء، قماشة الرسم)

فلاح الشابندر

 

• في تعليق لي على هذا النص قلت:

(هذا فلاح

يرسم صوره رمادية زئبقية وعلى من يقرؤها أن يقف ويتأمل فيها... رمزه لا يختفي وراء المفردات وإنما وراء الصور فمن الذي اخترق رقعة الكانفاس ليرى ما وراءها؟)

 

• ويقول صباح محسن جاسم:

(فلاح الشابندر يكتب بازميل، ناحتا على حجر الصوان فيطوّح به غابة من الصور بمخيال فنان..

موضوع اشتغاله يتجاوز الرسم على الكنفاس - فهذا لا يمثل سوى تجريبا للعبور الى تجسيد ما هو خابي كما قطعة ماس حتى يحيلها الى المتوهج بالخضرة!

الشاعر لم يتخل عن ذات اسلوبه الراكز في تناوله للشعري واستفزاز مجاهيله التي لا ولن تحصى (نعم الله التي لن تحصوها).

اما فنيّته فتثير في المتمعن قراءة لنصّه، الكيفية التي يجمع في سلّته الشعرية كل تلكم الانواع من الفاكهة الزاهية الألوان.)

 

 

سؤال 18- أ. د. إنعام الهاشمي: من أين تستقي صورك الشعرية التي تظهر كلوحات على كانفاس في الكثير من نصوصك؟ وهل كان في حسبانك أو تمنياتك أن تكون رساماً؟

جواب 18 – الشاعر فلاح الشابندر: الواقع هذا الخليط من الصور، وأنا رهينتها ومنها ما ينبغى إحداث خروقات داخل الصورة، ومنها ما يعتمد على الذاكرة فتكون صورة وصفية وقابلة للتأويل .

أنا لا أكتب إلا أن أرسم أولا، وأعتقد أن الرسم بالكلمات هو الأصعب.

 وهذا يبرر الأمنية لو كنت رساماً.

 

• وجاء في جزء آخر من تعليقي على النص:"منارة الحلم" ما يلي:

(قالوا إن عصى عليك اخضرار أطرافها فامسك بريشة ألوانك في الحلم علَّك تجد فيها ما يطفئ الحنين ... ولكن الحلم يحيلها إلى زئبق لن تمسك به الأبواب المغلقة ولا الجفون المطبقة لدى فلاح الشابندر... فما الذي ظنته في نفسها رقعة الكانفاس؟ والحلم تذروه الرياح ولا يبقى منها إلا غمغمة الريح في ثقوب الرمال ... وتمضي هي وزئبقها وألوانها عبرثقوب الرمال ...

البعض يمسك بالحلم ويرخي قبضته يقيناً وما لديه سوى الشك والبعض يعصى عليه حتى الحلم ... أيهما أسعد؟ من قبض على الحلم وضاع؟ أم الذي لم يمر عليه الحلم إلا كطيف زئبقي؟)

 

سؤال 19- أ. د. إنعام الهاشمي: بما أنك الرسام والحالم ومن فقد الحلم، هل تملك جواباً للسؤال الذي تضمنه التعليق اعلاه...

 أيهما أسعد؟ من قبض على الحلم وضاع؟ أم الذي لم يمر عليه الحلم إلا كطيف زئبقي؟)

جواب 19 – الشاعر فلاح الشابندر: هنا نأتي إلى مسرحة الحلم وإذا ما انسدل الستار، اليقظة. لا شىء فى اللوحه إلا الإغواء الصادم والفراغ السطوة. ولا يعنى ترحيل المونولوج الداخلى على غرار الغروب الغسقى بل نهمس للون للحلم ... ومن فى استطاعته أن يتكلم عن أحلامه السرية؟

وتسأليني أيهما أسعد؟ ام أيهما أكثر عذاباً؟

الحلم الذى كان وضاع، لأن الحلم الذى يضيع بعد أن يتحقق يزرع فى الأعماق جرح الحنين إليه ويجعل صاحبه يفتش عن شىْ يعرفه وجربهّ ولكن لن يعثر عليه مرة أخرى، فهو عذاب مركَّب.

 

الغضب والاحتجاج في نصوص فلاح الشابندر:

يظهر الغضب في أكثر من نص من نصوص فلاح الشابندر رغم توشحه بوشاح الهدوء الوقور ولكنه يتجلى بوضوح في نص "الهتاف الأخير" أو "السكران الأخير" الذي يكفر فيه بالمنطق وبالعلم والتقدم والحضارة ويرى فيه الصعلكة وهي تهتف هتافها الأخير ثم تلبس بياض الله وتتوجه للبحر لتغرَق وتُغرِق، ومن منطلق هذا النص توجّه الشاعر عبد الستار نور علي لكتابة نصه "غضب" الذي أهداه إلى فلاح الشابندر مطلقاً عليه لقب "الشاعر الغاضب على كلِّ سكونٍ ساكن"،

 

 كما يتجلى غضب فلاح الشابندر بهدوء احتجاجي في نص "بيان هام" الذي يقول فيه الكثير في القليل من السطور:

(الحرب ملقاة على الطريق

 ظلالها ثياب رثه

ليليان ....

ليليان خد التراب

بثوبها القصير الاخير

وبسرها الصغير اللذيذ

فى وسط السوق تفضح زيف الحكمه

حين دسسست فى الخرج المثقوب

نصف تفاحة مطبوخة بالشمس

طاعنة بالعفن

مسروقة من سسسسلة السسسوق

تخبىْ وجودها الحى فى فرار موهوم

 فرار الى دائرة

 فراغه.)

فلاح الشابندر

 

• وفي تعليق على نص آخر يقول صباح محسن جاسم:

(لي ملاحظتي الوحيدة / فلاح يكتب من بين صراخ مكبوت وعيون مغرورقة بأنين لطفل يبحث عن امه، زوجه، وطنه.......

في صراخه مرارة احتجاج .. لوعة للذي يجري ويحصل الآن)

 

سؤال 20- أ. د. إنعام الهاشمي: ما الذي يجعل فلاح الشابندر يصرخ؟

جواب 20 – الشاعر فلاح الشابندر: أأ نت من يصرخ؟ أم تسمع الصراخ؟

الجوع يتوعد بيعى .....؟ تساألنى الطفلة ليليان

رغيفٌ مرٌّ يطفو على ماء المرايا وجهى من يصافح وجهى؟؟؟

تساْلنى المرأة ليليان..

كسوتُ عريها رثاءً

ثمة أشياء لا أريد أن أعرفها .

 

سؤال 21- أ. د. إنعام الهاشمي: ما الذي يبحث عنه الطفل في فلاح الشابندر ولا يجده؟

جواب 21 – الشاعر فلاح الشابندر: الغياب؟؟

 

سؤال 22- أ. د. إنعام الهاشمي: ما الذي يحتج عليه فلاح الشابندر بشدة؟

جواب 22 – الشاعر فلاح الشابندر: الفقر.........

 

الملنكولية في نصوص فلاح الشابندر:

سأتخذ من نص الشابندر "أزيز" مثالاً على ما قد يشير إلى الملنكولية في شعره . وإليكم جزءاً من النص.

 

أزيز

فلاح الشابندر

--------

 (دائرة حرث

.. جزء الدائرة

فزاعة

اعتمدت الفحول السود

أشد فتكا من ارضة الخشب

إن تلتهم الراس

\ راس ميتة

ميتة تتكيء على العصا

واقف جوار ليل

ليس للنافذة ما تقوله

أحمل راسى..

ويحملنى

يجول يجول يجول

ذاتها هى الحيطان

هو ذاك الحائط

ساند راسه إلى يده

أظنه يفكر..

يفكر بصمت

دنا يدنو يطوقنى

سرا

الطارئة الفا ضحة الخائفة

وقدر من الجنون

يسالنى قدمى

تجادلنا تقاطعنا تجادلنا

تقاطعنا نعسا

ولا تمهلنى الغفوات

غفوة اطاحت براسى

في..

ظلام ما

أصابعى مجس للعتمة والمسافه

مجس لمناخ الصمت

تقنطرت رطبا جافا والعابر صوتى

اقتفي اثره

ما أتسع ينكسر

مشى حائطى

مشى بين أضلعى ........)

 التكملة في الرابط

 

دار حول هذا النص نقاش بيني وبين الأديب صباح محسن جاسم حول مقاربة أجواء النص لأجواء قصيدة أدغار ألان بو الشهيرة "الغراب"، بل ومن الإيقاعات الداخلية فيها ولكني كما قلت حينها لدي نية وضع هذا النص في قراءة تتضمن تتابع التعليقات في فحوى النص وأسلوبه وما إذا كان يؤسس لطفرة زمنية في التأويل النصي وكيفية فهمنا له. وهنا أقتطف جزءاً من أحد تعليقاتي على هذا النص يدخل يوضح المقاربة:

(في" الغراب" الأسى الذي يعتصِرُ روحَ المتحدِّثِ على حبيبةٍ فقدَها وفقدَ الأملَ في نسيانِها ... وهنا الأسى على الأرضِ التي ماتت كرمزٍ للوطن .... ويشترِك الإثنان في وجودِ بعضٍ من الجنون او الارتباك النفسيّ في حالة المتحدث مما يجعله يتخيل الأحذاث أو يبالغ في تصوّراتِه لأحداثٍ صغيرة.

الحركةُ الدراميَّةُ التي تحرِّكُ المشهدَ هنا تتجسَّدُ في الحرثةِ والفزّاعةِ برأسِها الملقى على الأرضِ والفحولِ السودِ التي أكلتها تأتيكَ في البدايةِ هنا .... وفي قصيدةِ أدغار، بدايةُ الحركةِ الدراميّةِ تأتي مع الجذوة المشتعِلةِ في الموقِد وهي تلقي بظلالِها على الأرضِ كأشباحِ أجسادٍ موتى ... ثم ظهورِ الغراب،،،

ألا ترى المقاربةَ بين الفزّاعة والفحولِ السودِ من جهةٍ والغراب من الجهةِ الأخرى؟

ثم الأصوات ...

القرعُ أو النقرُ الرتيبُ الذي يتكرَّر لدى أدغار:

Rapping rapping، tapping tapping

ثم nevermore، nevermore

وهنا الصفيرُ يتكرر والأزيز يتكرر كذلك

ثم: "تجادلنا تقاطعنا تجادلنا .... تقاطعنا نعسا "

ثم: " يتلفت يتلفت يتلفت"

وبالإمكانِ التعمُّق في المقارنة فهناك الكثيُر في تطوُّرِ أحداثِ هذا النصِّ مما يشابِهُ التطوُّرَ في حداثِ نصِّ أدغار رغمَ طولِه وقِصَرِ هذا. ...)

 

• وفي تعليق للأديب صباح محسن جاسم يقول:

(ما يقلق الشابندر فلاح هو فضاعة ما يجري من تضخيم لشكل الموت .. ليس موتا تقليديا - موت يؤسس له بتدبير دون وازع من ضمير وطبيعي لا يقف وراء ذلك عقل مفرد بل مؤسسة بعلماء جهابذ.

يرافق كل ذلك مسخ مساحة وطن الأنسان بكل تراثه وتاريخه وجمال رؤاه بعد ان شوّهت منظومته الفكرية بالخرافة والأنانية والعنت الأعمى.)

 

وهنا أجد رابطاً مع أدغار ألان بو من حيث علاقة أدغار بالموت وتكرره في قصصه وقصائده.

 

سؤال 23- أ. د. إنعام الهاشمي: لا شك وأنك قد قرأت لأدغار ألان بو واطلعت على أسلوبه الغامض والأجواء المخيفة التي تطغي على كتاباته سواءً في القصة كما في "القط الأسود" و"جريمة في شارع المشرحة" أو في القصيدة كما في "الغراب" على سبيل المثال، فهل كان لأسلوبه هذا تأثير مباشر او غير مباشر على أسلوبك؟

خاصة فيما يتعلق بالموت والملنكولية؟

جواب 23 – الشاعر فلاح الشابندر: ما يقترفه الشاعر هو التقليد والتسطيح والأحرى به أن يطمح إلى أن يؤسس عليه أو أن يكون مشروع شاعر وليس بعيدا فى الطابع العام للطموح.

ولو أمعنت النظر فى ثقافتى لما وجدت وبكل صراحه أنها قد تناولت ما تعنيه قصيدة الغراب للشاعر الكبير الا بعد تعليق الدكتورة إنعام الهاشمىي والناقد الكبير صباح محسن جاسم . كما لا يوجد فى رف الكتب كتاب لجبران.

بصراحه أنا أعوِّل على القارىء كثيراً. القارىء المعرفى وليس القارىء لحواف النص، فالنص منشور وقابل للتأويل والاختلاف

 

 

سؤال 24- أ. د. إنعام الهاشمي: أذكر أن أحد الشعراء غضب غضباً شديداً حين علق أحد القراء بقصد المديح أن قصيدة الشاعر فيها مقاربة لإحدى قصائد جبران خليل جبران ... ماهو شعورك ونحن نجد المقاربة بين نصك وقصيدة هذا الشاعر العملاق؟ هل يغضبك ذلك أم يفرحك

جواب 24 – الشاعر فلاح الشابندر: بلا غرور يفرحنى كثيراً .

 عزيزتى د. انعام الهاشمى مثل هكذا تشبيه يضعنى أمام المساءلة والعدالة حيث هى اللعب مع الكبار، ولكن من حيث السؤال فيه خط يتفرع إلى منعطف اليمين والآخر الشمال ... الأول أن يبرهن التوافق مع إذا ما أكون عليه مع هذا الشاعر العظيم وجب المراجعه للنص أعلاه " أزيز" ولا أدرى ماهى كلفة المزاج والوقت، أما الثانى وأسميه الناسف لهذه المقارنه أصلا بل وربما يهزأ عليه أن يقرأ ما اكتشفه الأول ولا حاجة لقراءة النص .

عيونى الدكتوره لا يؤخذ بهذا لانه انطباع.. لكنه التشبيه يفرحنى كثيرا بل هى تثبيت بصمة من سبابة من ذهب .

 

• وفي محضر مقارنة فلاح الشابندر كأسلوب كتابي بكتاب من الأدب العالمي كتب الأديب أسعد البصري في أحد تعليقاته ملاحظة عن "نص سماء من ماء" وفيها يربط أسلوب فلاح الشابندر بأسلوب صاموئيل بيكيت بقوله:

(نتقهقر .. ظهرانينا التقيا .... التصقا

صلب ينتظر صلبا

(نكون أو لانكون) ............ تلك هي القهقهة !

ياملكوت البحر إنا تراب

وتأخر الطير

يلتقطنا غبار

الشاعر فلاح الشابندر

تكتب بتقنية صاموئيل بيكيت تعتمد التجاور وأونطولوجيا المعنى الشعري

هناك حضور للغياب للبياض للصمت

كتابة تأملية لا يمكن أن تتشكل لولا الحروب

القنابل هدمت القناعات فظهر شعر كشعرك فكر تتقطع أحشاؤه

ليت فيه مزيداً من العنف لجذب المزيد من الشباب

أراقبك بعيون صقر ...!

(أسعد البصري)

 

سؤال 25- أ. د. إنعام الهاشمي: صموئيل بيكيت الحائز على جائزة نوبل للآداب شاعر وروائي ومسرحي توصف كتاباته بالتراجيدية الكوميدية او الكوميدية الملنكولية وهي غالباً كئيبة وتتطرق للطبيعة البشرية بطريقة المضحك المبكي ... هل تجد هذا التشخيص أي تشبيه طريقتك في الكتابة بطريقة صموئيل بيكيت صائباً إلى حدٍّ ما؟ هل تود ان تناقشه؟

جواب 25 – الشاعر فلاح الشابندر: لكل شاعر مهما تاْثر با لآخرين شخصيته لأنه ابن تجربته، الأمر الذى يحتّم شيئاً من الاستقلالية حتى وإن لم نشعر بذلك. لم أتقمص بيكيت ولا غيره ..... وإنما تقمصتُ روحى وحدها . وقد قرأْت له "فى انتظار غودو."

 

 

• وكان في رد الشاعر الشابندر على التعليق أسعد البصري المذكور أعلاه دهشة واضحة ذلك أنه شبه التعليق بالدخان الأبيض لخلافة البابا... بقوله:

(الاخ الكريم اسعد البصرى

لا ادرى لكنى اقول لك هذه اللحظه فى ان الان

كان ردك اشبهه

دخان الفاتيكان الابيض لخلافة ال بابا

والبقية تاتى

اشكرك جدا عزيزى ادهشتنى ويا دوب الملم الخفق

ودمت)

 

سؤال 26- أ. د. إنعام الهاشمي: هذه الرمزية التي تظهر حتى في تعليقاتك وردودك على التعليقات هل تأتي لك بعد تفكير؟ أم هل هي عفوية ووليدة لحظتها؟

جوأب 26 – الشاعر فلاح الشابندر: وانا اقرأ النص، النص الجاد والمعرفي، أجده يحرّر الفكر، وبالتالى هو تطور مضاف إلى القارىء وإلى النص... ولا أنكر العفوية وما يعتمل من النص فى الذات القارئة . كثيرا ًما يكون النص طارئاً على الحواس ويتولد الانفعال، بل حتى الانفلات بتعبير أوسع من النص ...هذه لحظات حرجة لا يمكن حصرها .

 

فلتة غير متوقعة في شعر فلاح الشابندر:

تدخل المرأة بين الحين والحين في شعرفلاح الشابندر وتطل بلمسات أنيقة حالمة ممثلة برمز أو إشارة رومانسية كأن يقول:

 " أبدعها بما توحي" ...

أو: . "وكانت هدية الريح للنافذة طير..."

أو: " يا ايتها ... انت والمدينة .... لك النهارات كلها ولى الظلال"

أو: ويسألوني عنكِ .. اقول فصوص الشمس تتداولها الريح على سطح الماء"

وغيرها من الإشارات التي تشير إلى وجود المرأة بين السطور ولكنه لا يهاجمها بعنف الكلمات ليعرّيها ... غير أنه بكل هذه الغلالات التي يوشح بها امرأته له فلتات بين الحين والحين كأن يتحدث عن القبلة بقوله ...

( أقبلها...... مطراً .. مطراً .. على المجرد العاري ... فعل الماء فى الأشباء .. القبل....!!)

 وواحدة بالذات يعري فيها امرأته كما أوضح في السؤال...

 

سؤال 27- أ. د. إنعام الهاشمي: في الوقت الذي أرى فيه بعض الشعراء يتمركز شعرهم حول المرأة جسدياً أراك تبتعد عن التفصيل الجسدي إلا في قصيدة إمرأة من ندى وأنت تقول:

 (بموده يشاكس قميصها الريح...

 قميص اشهى ما فيه سر، نهد فيه ...

ثمرة مدلاة

لحم التفاح قطفناه لقاء!) ...

 وهذا أجرأ ما قرأته لك إطلاقاً.

و السؤال: هو هل كان ذلك تجربة شعرية منك كي ترى رد الفعل والدهشة لدى الآخرين؟

أم هو مجاراة للمحيط الشعري آنذاك؟ أم هو ناتج تجربة حياتية لم تستطع إلا التعبير عنها فغلبتك؟

جواب 27 – الشاعر فلاح الشابندر: كان النص نتيجة مظهر تلقائى يندرج ضمن انفعال شخصى كان النهد وما يشيع أنه زعامة الجسد...أعتقد الجسد اليوم هو الرغبة العامة .. وما جعلنى أصف كان نتيجة ردة فعل عنيفة من جسد مكشوفة خباياه لكنه منحنى أكبر قدر ممكن من الطاقة الشعرية والموجهة وليس موضوع خيال أو أثيري وإنما صورة حيَّة أمامي . ولا أخفي أن أقول أن هذا النهد كان مجموع طاقة مشهدّي فعّالة قادرة أن تفجر بى الطاقة المخبوءة وراء اعتبارات عرفيّة ونفسيّة لكنها اقتحمت وتجرّأت أنا .

إن النهد يتمتع بقوة خاصة به قادرة أن تطوع كل ماهو طبيعي ويخضع بدوره إلى محاكاة التهذيب الاجتماعي والحياء المكمّل للفضيله بعد أن انتفت التلقائي’... اليوم صارت القصديّة تلغي العفويّة وصار تبنّى النهد للفتاة مشروع جمالي وحتى نفعي فالنهد تستفتح به الحرية لنشدان الرغبة فى كلا الطرفين ...النهد أصل التكوين كما يضاهيه عصارة العجينة بكف الخباز وينتج خبزا ويشرق وجه الرغيف، االيوم أصبج شِعر الجسد والمرأة مثل أدوات الزينه الجاهزة فى أى وقت، تكرّر نفسها فى إشراقة النهد. كتبت شعر النهد من خلال نظامه الجسدى والجنسى مما أفقد معنى التطور وما يفتح على نفسه الجسد

أبدعها بما توحي...

أليست هى الأدرى للمعنى العام والشخصي؟ وحتى الداخلي . وبالحقيقة هو تورّط خاص يصعب فيه الوصول إلى جمال الوصف.

 

الشعارات والهتافات واللافتات في شعر فلاح الشابندر:

تتكرّر اللافتات والشعارات والهتافات في نصوص الشابندر وفي عناوينها كما في "اللافتة" ... "الهتاف الأخير" ... بيان هام" ... و"قف"

وانتخب نص "قف"

 (قف

فما ذاك إذن؟

عمودُ الموجةْ ...

الموجةُ المُهْوَسَّةْ ...

بالضحك ْ...

والضحكُ يلهو بأقدارنا يوم أشتهت أنْ نكون هنا !...

فما هذا اذن؟

كسادُ الروحْ...

فالروحُ قيدٌ ..

والقيدُ يلهو بمعاصمنا أبداْ ...

قف !

هوَّة الاشياء في عين اللافتةِ

متاهاتٌ ...

وقبضةُ الصيحةِ

فيْ

أثر المشنوقين غرقا ...

أتدري يا صاحبي؟

على قيدِ الغيبِ

يمضي البحرُ

والليلُ الى سواه

فراغا

وحيد َالشكل

فراغا

يتناظرُ

و

اللافتة

تعود

لافتة ...)

(فلاح الشابندر)

 

• وكان تعليقي عليه:

(كلمة "قف" تحمل تحذيراً وتهديداً في ظل الظروف الاستبدادية السلطوية ... ولكنها في احيان أخرى تمثل التماساً حين يسود الحب ويشط المحب عن المحب في تهور اللحظة وحينها قد يستنجد العقل بالنزق ان يقف ويرعوي عن التمادي في الأذى ... وفي اوقات الفوضى هي توسل الصبر والصابر بالمنحدر في تيار الفوضى أن يقف ويتأمل ...

ولكن ما رأيته هنا هو دعوة للوقوف في ظل الشعارات "اللافتات" والتفكر في مضامينها بدلاً من قراقيعها التي قد تعلو احياناً كثيرة لتحمل جعجعة دون طحن ... وقد تحمل القول والقول الآخر والحياة تمضي كما هي ... الروح الى نهاياتها وإلى مستقرها بعذاباتها وتساؤلاتها ونزاعاتها فيما تراه الحق ... وتبقى اللافتات والشعارات والكلام الفاضي لا شيء سوى "مجرد كلام" من أجل الكلام ...

تباً لكل الشعارات ...

سأقف عند المواقف دون شعارات ودون هتافات. )

 

سؤال 28- أ. د. إنعام الهاشمي: في ضوء ما جاء أعلاه، أين يقف فلاح الشابندر من اللافتات والشعارات؟ وماذا بعد الوقوف؟ هل فيه مراجعة النفس والتراجع عن مواقف سابقة؟ أو على الأقل إعادة النظر فيها وتغيير بعض المسارات؟

جواب 28 – الشاعر فلاح الشابندر: أعتقد أن من إسقاطات النص هو شرح النص، وأجد فى نص " قف " أسئله كثيره، وعليه لم يكن شعار" قف " ظاهره نقف عندها ومختصه بذاتها إانما تشكل البنيات المحيطه بالإنسان وحتى فى دوخلنا نجد الـ "قف"

 التى لربما تسبب كوارث أو تحوّلاً كبيراُ ... تحوّلاً تاريخياً، وعليه ومن الأهمية لنص "قف" ارجو من القارىء الجاد أن يراجع النص لأنه فيه وعليه وله .

 

المرايا والجدار والثقب الأسود وفلاح الشابندر:

تتكرر المرايا في نصوص فلاح الشابندر وأذكر منها على سبيل المثال نص "مسرح المرايا" وادناه مقطع منه:

(أقرأْ في سماءٍ مضاءةٍ لا سبيلَ الى لمسِها

باسطةٍ للناظرِ غوايتَها باسطةٍ للناظرِ سطوتَها باسطةٍ للناظرِ غيابَهُ

يبحثُ عن ما يشبههُ فيها

أو يستعيرَ أجوبةً

السيداتُ المرايا:- كمْ مَنْ آتٍ مرَّ عليكَ؟

وكمْ مَنْ أنتَ؟ .............. )

...............

.............

 (يرفعُ رأسَهُ من بينِ موجِ الظلمات...

بقايا أملٍ للخلاصِ من الغرقِ الوهميِّ

يصرخُ بصمتها السائدِ والموحّدِ

يصرخُ بانعدام الصدى

يصرخُ... يرتعشُ خوفاً بارداً

يحلفُ بِعُريهِ

انَّ المُجردَّ لهوُ المرايا)

 

وكما في نص "ثقب بالاستعارة"، وهذا مقطع منه:

(يتسارع النبض يتصاعد رعدا ... رعدا باردا

يتساكت النبض يعصف الضؤ واسعا نافذا يتغلغل مجلجلا

مسسسسه الضوء سرت قشعريره رعد رعدا باردا

صارخا ...... حل عنى ..... حل عنى

تفزعنى ......

يقترب الثقب ......

صارخا .....اطمروا القب اطمروا الثقب

يجرفنى السسسسسسسسسسسسسيل

يجرفنى السيل .... يجرفنى الضوء

اطمروا الثقب

الضوء فرحا جذلا يتلفظ المرايا

صارخا ...... اطفئوا المرايا ....

تعرينى .....

صارخا ......اطفئوا عزاء المرايا

يفزعنى

ليتجلى السسسر بالعمى اتلاشى بالعمى

صارخا ......اطفئوا المرايا دموعى عاريات

دموعى الماجدات المعتلات بالخطايا

دموعى رغوة مجنونه فى قاع المرايا

ولمثل هذا لم يكن من قبل .....

بصرى اليوم حديد بصرى حديد بصرى حديد

يعرينى ...... سر اللاشى ..... سر ابله

اؤثر العماء على البياض)

(فلاح الشابندر)

 

سؤال 29- أ. د. إنعام الهاشمي: أين تجد نفسك من المرايا؟

جواب 29 – الشاعر فلاح الشابندر: المرايا تجذب الناظر بكل قبول حتى نقطة معينة يكتشفها هو الرائى لنفسه يمستوى التمييز .

 ممكن أن تكون من المرايا واقعيتها الحبيب مثلا ...

 لكن السيدات المرايا سائلتنى

 كم من آت مر عليك وكم من أنت؟

ومن الاحتمال أن يكون المجرد لهواً للمرايا حين يقسم بعريية أن المرايا لهو المجرد... لكن الغريب فى الأمر أنني قد سعيت مرة فى فكرة قفا المرايا وأن أكتبها نصاً قد يبدو للآخر هو التجريد، وربما وفقت إلى حد ٍّ ما حين كتبت النص الذي يحمل عنوان "ثقب بالاستعارة".. قدر يسقط أعمى ويدخل إلى أعماقه لتتكشف له مرايا حقيقية، ويرى ما لايراه فى الواقع . وهذا يذكرنى برواية دوريان كراى ... صورة دوريان كراى .. كلفه رسم الصوره 35 عاماً، ولما بلغ دوريان المعنى بالصوره أطاح بها تمزيقا فقد كانت هى مراياه التى عكست شيطانه .

 

سؤال 30- أ. د. إنعام الهاشمي: في نصوصك، إضافة إلى المرايا، يتكرر ذكر الحائط ... والثقب... والقدم الحافية، فما الربط بينهم في ذهنك؟

جواب 30 – الشاعر فلاح الشابندر: توجد خلائق عامة وخلائق خاصة يجمعها ترابط بدائي وجوهر استعاري بأكثر الأوقات وحتى تأويلي، والحاجات كذالك، ولكن أكثرها هو التأويلي والعبور من خلالها إلى الرمزية.

ممكن أن تستغل إلى تضاديّة فهى خلائق للتصريف لأكثر من معنى .

 

وفي اختام حديثي، أريد أن أقول أن الكتابة مشتهاة لتكون مرايا للكاتب، بل وحتى امتداداً لحوار مع الذات، لذلك لايمكن إعطاء الكتابة مصطلح تعريفى ولكن يمكن إعطاء صورة وأثر للصورة لئلا يتشتت الكلام.

تتطلع الكتابه إلى ما هو أبعد من مداها كأن تولد أفكاراً جديدة ويمكن أن يقال أن الفكر الآخر هو الذى أنتجته الكتابة . ما صارت الكتابة امتدادا إلا بالاستكشاف .

 أقول، وبقدر ما يتعلق الأمر بي وجدت الدكتورة إنعام الهاشمى تستمد من الكتابة نفسها دون المغامرة وتذهب إلى الأبعد من مداها وما تنطوى عليه قصدية الكاتب من رمزية وخيال بما لديها من الاستيعاب وبتأمل منهجىي فى خارجية الكتابه وباطنها وبالتالى النقد وبالأخص النقديه المضافه إلى النص .

أشكر سيدتي الدكتورة إنعام الهاشمي على هذا الحضور المهم والفاعل فى الحرف وحرثية الحرف ..وأسأل الله أن يمدها بالعمر وبالعافية.

 

وهنا سمعت فلاح الشابندر يردد بصوت عالٍ من "غرفة مجاورة"

(موجة لجية وقشه

رقصة ضراعة للخلاص

كل ..... رقصته

واإذا ما انزلق اصبع المجنون على الوتر

اْنا وظلى رقصة وراقص

من الغرفة المجاوره سمعت الأرق يسقط من حافة السرير ...)

 

فقلت لقلمي كفى ولأقدم شكري لشاعرنا فلاح الشابندر للمسير معي في هذا المشوار بين تعرجات نصوصه وأفكاره ما بين النص والتعليق والسؤال والجواب ... وأحييه تحيني الشهيرة له ... حيَّ على الفلاح ... قد لاح فلاح !!...

نعم لاح فلاح وأبدع، فله كل الشكر والتقدير . وشكري وتقديري لكل الذين اقتبستُ من أقوالهم في هذه القراءة والمتابعة الحوارية . وأود أن أقول، رغم تعدد النقاط التي تعرضت لها هنا فإن كل ما جاء فيها لا يتعدى كونه رؤوس الأقلام التي قد تتيح للدارسين التعمق والتوسع في مضامينها فيما بعد... وأود أن أضيف أن معظم النصوص التي مررت بها تظهر في مجموعة الشاعر فلاح الشابندر القادمة التي هي قيد الطبع بعنوان "سطر الشارع" والتي ستكون بين أيدينا بحلتها المتميزة قريباً.

.........

حرير وذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم