صحيفة المثقف

جائزة نوبل لقاء انتحال مبادرة

jawdat hoshyarهل يستحق جائزة نوبل للسلام، من ينتحل لنفسه مبادرة قدمها آخرون؟ الجواب .. كلا .. بطبيعة الحال، ولكن هذا ما حدث بالفعل مع المبادرة الأسكندنافية لوضع ترسانة الأسلحة الكيمياوية السورية تحت رقابة أممية .

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نسب المبادرة لنفسه . ومنذ منتصف الشهر الماضي انشغل الأعلام الروسي بالأشادة بمناقب صاحب المبادرة وفطنته ودهائه والمطالبة بمنحه جائزة نوبل للسلام لقاء جهوده في منع نشوب حرب مدمرة جديدة في الشرق الأوسط ، لا أحد يستطيع التكهن بتداعياتها الخطيرة التي قد تهدد السلام العالمي !

 ومن اجل ترسيخ هذه الفكرة – فكرة ترشيح الرئيس بوتين لجائزة نوبل للسلام – أجرت وسائل الأعلام الروسية - ومعظمها اما تابعة للحكومة او تردد ما ترغب الحكومة في سماعه، اذا كانت مملوكة للقطاع الخاص - مقابلات مع شخصيات سياسية وثقافية وفنية منتقاة بعناية بالغة، من معسكر المؤيدين للسلطة، من اجل الحصول على تصريحات وتحليلات تشيد بـ(المبادرة السلمية الروسية)، وتصب في نهاية المطاف لصالح ترشيح بوتين لجائزة نوبل للسلام، تلك الجائزة، التي يسخر منها الأعلام الروسي غالبا ويتهكم عليها وعلى حامليها .

ولم يقتصر الأمر على الشخصيات الروسية، بل جرى أيضاً الحصول على تصريحات (ايجابية) من شخصيات أجنبية، بينها بعض رؤساء الدول كالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي اشاد بدور «بوتين» في تجنب الحرب في سوريا.

وقال مادورو، في تصريحات نقلها عنه، موقع «روسيا اليوم»، مساء يوم الثلاثاء الماضي، "إذا كان هناك من يستحق جائزة نوبل للسلام في هذه اللحظة التاريخية، فإنه الرئيس فلاديمير بوتين، الذي ساعد على وقف الحرب ضد الشعب السوري".

كما أن ما تسمى بـ(الأكاديمية الدولية للوحدة الروحية) أعلنت ترشيحها للرئيس الروسي لنيل جائزة نوبل للسلام .

ولكن هل المبادرة السلمية (الروسية) هي روسية حقاً ؟

قبل حوالي شهر واحد جرى عقد (كونفرانس فيديوي) أشترك فيه وزراء خارجية الدول الأسكندنافية ودول بحر البلطيق . وقد تمخض الـ(الكونفرانس) عن الأتفاق على تقديم فكرة مشروع قرار أممي الي كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لوضع ترسانة الأسلحة الكيمياوية السورية تحت أشراف دولي، واتلافها أو نقلها الى بلد آخر بحلول منتصف عام 2014.

وقد أدلى وزير الخارجية الفنلندي (اركي تيميوجا - Erkki Tuomioja) بتصريحات صحفية نشرتها الصحف ووكالات الأنباء الفنلندية الرئيسية وبضمنها (, Turun YLE, ,Iltalehti) في الثاني عشر من سبتمبر/ ايلول الماضي أكد فيها صحة ما نشرته الصحف النرويجية ومنها صحيفة (Verdens) ان المبادرة السلمية حول سوريا ومن ثم فكرة مشروع القرار الأممي تعودان الى وزير الخارجية النرويجي (اسبن بات ايده) ونظيره السويدي (كارل بيلدت) اللذان طرحا هذا الموضوع للنقاش خلال الكونفرنس الفيديوي الذي اشرنا اليه فيما تقدم ، وقد اتفق الجميع على تقديم فكرة المبادرة السلمية ومشروع القرار الأممي الى الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته المتوقعة الى السويد بعد بضعة ايام من عقد الكونفرنس والى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف .

 وتقول صحيفة (Verdens) النرويجية ان الوزيرين النرويجي والسويدي لم يتمكنا من الأتصال بلافروف، ولكن زميلهما الفنلندي (اركي تيميوجا) نجح في الأتصال بالوزير الروسي وطرح عليه فكرة مشروع القرار الأممي بأسم وزراء خارجية الدول الأسكندنافية ودول بحر البلطيق , ولكن لافروف أعلن عن هذه المبادرة ونسبها الى نفسه ولم يشر لامن قريب ولا من بعيد الى الدول الأسكندنافية صاحبة المبادرة السلمية وفكرة مشروع القرار الأممي .

وكان من السهل على لافروف أقناع نظيره الأميركي جون كيري بالمبادرة بعد موافقة أوباما الضمنية المسبقة .

ان نجاح مباحثات جنيف بين الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف يعود الى تردد الرئيس اوباما في خوض حرب ترفضها غالبية الشعب الأميركي بعد تجربة العراق المريرة.

ويمكن القول ان المبادرة كانت في المقام الأول طوق النجاة للرئيس الأميركي، الذي تنفس الصعداء، لأنه لم يكن راغبا أصلا في مهاجمة سوريا، بعد ان فشل في الحصول على موافقة بريطانيا وفرنسا في شن ضربات جوية ضد مواقع سورية محددة، كما أظهرتنتائج الأستطلاعات ان حوالي 91 يالمائة من الأميركيين كانوا ضد التورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط .

لقد عززت هذه المبادرة مكانة روسيا في منطقة الشرق الأوسط وفي العلاقات الدولية عموما وفي الوقت نفسه تعد ذروة النجاح المهني للافروف وأبرز انجاز له منذ توليه منصبه الوزاري .

وكما قيل فأن الحيتان الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة .

المبادرة السلمية حول سوريا، اسكندنافية والموافقة غربية، فمن الذي يستحق جائزة نوبل للسلام، وزير الخارجية النرويجي (اسبن بات ايده) ونظيره السويدي (كارل بيلدت) أم الرئيس فلاديمير بوتين؟

 

جــودت هوشــيار

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم