صحيفة المثقف

هل بقيَ ما يُدهش وسط هذا الخراب؟

said alsheikhلعل القصيدة التي قرأتها قبل ايام في احدى اليوميات المهاجرة تظل مؤشرا بارزا على مدى الانحطاط الذي يرافق الخراب البراني الذي ما عاد يحوطنا فقط دون ان يتغلغل فينا عميقا.. وهو الخراب الذي تصفه السياسة الاميركية بـ "الفوضى الخلاقة".

خراب في كل مكان لا يتخلّق منه الا المزيد من الحرائق والعنف يتجسد في كل ما نتعاطاه من حياة في الوطن العربي .. لقد اصبحنا مادة دسمة لمختبرات مهمتها تشويه وتحطيم صورتنا المتمثلة في الثقافة.

 لقد بتنا نشبه محيطنا، نصنع ثقافة نتفق على انها ابنة شرعية لبيئتها، بيئتنا التي تحطمت ونحن نسعى الى الحرية، فاذا بنا نفقد القليل الميسّر من الحرية الذي كان بين ايدينا، نفقد عوالمنا الداخلية المحرّضة لنا للابداع بكل جمالية مدهشة.

صرنا نخرج من طبائعنا الانسانية ونشبه ما نصنعه بأيدينا.. والقصيدة الحديثة ما عادت بأيدينا مدهشة وهي تتخلى عن جماليتها اللغوية المتجددة ومكنونها الداخلي الذي يلامس شغف القلب لكينونة زاهية، ليحل مكان الصورة المدهشة واللغة الخلاّقة السباب والشتائم!

تشتم القصيدة الديكتاتور وزبانيته، تقول انهم "اولاد كلب" هكذا بشكل مباشر، حتى لا نعود نعثر على الشعر. ويقوم السؤال كاندلاع النيران: كيف نصنّف هذه الكتابة بالشعر؟ وهل يجلب الردح بالسباب اي نوع من الحرية والديمقراطية؟

القصائد التي تنشر هذه الايام محشوَّة بالبارود، بالدبابات والصواريخ. وهذه ايام تحسب على "الربيع العربي"، وفي هذه الايام يعدّ المرء نفسه للورود والحدائق ولتنانير النساء القصيرة تماشيا مع فصل الربيع...

ولكن لا شئ من هذا في قصائد  منشورة باحتفاء هنا وهناك في الصفحات الثقافية كمنجز حار لصحف توهم قارئها بأنها تواكب الحدث، لكنها في واقع الحال تتجاوز بشكل مفضوح القيمة الادبية لما تنشره. هذه القيمة من الخطأ الفادح هدرها وسط الضبابية التي تعم الخارطة السياسية العربية.

شتيمة "اولاد الكلب" وما شابهها لا تصنع ادبا محرّضا، ولا تسقط ديكتاتورية، ولا تصيب الدكتاتور بمكروه بقدر ما تصيب القصيدة والشاعر ومعهما الذوق العام بعطب. ولا ينبغي للحساسية الشعرية ان تنحرف بما يلوّث القصيدة بالعصبية والنزق.

 هذه الكتابة التي نطلق عليها جزافا بأنها من الشعر الحر، لا تصنع شعراء احرارا ولا هي من الحداثة التي بدأناها منذ عقود زمنية. هي من الخراب والى الخراب.

في زمن "الربيع العربي" نحتاج الى كتابة تنويرية جادة تحافظ على  شرط جماليتها وتستنبط الدهشة والحكمة بمقدار واحد. كتابة لا تهدم البهاء المنجز لصالح قباحة تعبيرية تخدم ربما السياسة ولكن ابدا لا تخدم الادب.

الكتابة الابداعية يجب ان تتميز ولا تقترن بالكتابة السياسية التي لا عمر لها بعد ان توفي غرضها، فيما الكتابة الابداعية هي الخالدة في ذاكرة الشعوب لارتباطها بالحياة.

 وهنا لا نبحث عن وظيفة للابداع، للقصيدة وسواها. فالوظيفة موجودة منذ البدايات، فقط علينا ان نحافظ عليها ونجددها كما ينبغي ان تكون الحرية وكما يفترض ان يكون التحرر.

 

* كاتب وشاعر فلسطيني مقيم في السويد     

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم