صحيفة المثقف

ديمقراطية التحالفات المتغيرة

الدنيا للمراتب العليا طبقا لشعار "نفذ ثم ناقش"، ويطلق على هذا النوع من الاحزاب "التنظيم الحديدي" حيث لا مجال فيه لتعدد الآراء وتنوع المواقف، كما ان شروط العضوية فيه صارمة .

حينما تنتقل تلك الاحزاب الى العمل العلني وتكون جزءا من بناء الدولة  في عملية ديمقراطية، فأنها غالبا ما تغير سلوكياتها وانظمتها الداخلية لتصبح الديمقراطية الداخلية هي الناظم لحركتها الخارجية، اذ ليس معقولا ان تسعى لتطبيق الديمقراطية في بلدانها، في وقت تمارس الدكتاتورية على اعضائها .

التغيرات في بنية هذه الاحزاب، تتمظهر في شروط العضوية التي تصبح اختيارا حرا لا يلزم العضو سوى الالتزام بالخط السياسي العام للحزب دون التطبيق الحرفي، اذ يصبح تعدد الاراء داخل الحزب الواحد حالة صحية لا انشقاقية .

نسوق هذه المقدمة للدخول في المشهد السياسي العراقي الراهن، فالاحزاب التي دخلت البرلمان، تقيدت في البداية بمبدأ التتفيذ الملزم للتعليمات الحزبية او قرارات الكتلة  التي ينتمي اليها النائب،  لكن ولما كان لابد للعملية الديمقراطية ان تفرض سلوكياتها، لذا كان متوقعا ان يتمخض الحراك السياسي في العمل البرلماني عن اتجاهات وآراء متعددة داخل الكتلة الواحدة، وان يصبح النائب اكثر حرية في تجسيد قناعاته الخاصة في التصويت لهذا التشريع او ذاك .

المراقب لارهاصات العمل البرلماني العراقي وعلى رغم مثالبه واخفاقاته الكثيرة، سيلاحظ انه اتجه في السنتين الاخيرتين من ولايته،  نحو ترسيخ قواعد للديمقراطية تنهج نهجاً آخر مختلف، وقد تجلى ذلك إبّان  عملية التصويت على قانون انتخاب مجالس المحافظات بداية عام 2009، اذ اظهرت العملية حينها، ان هناك تحالفات تتفكك واخرى تبنى على اسس جديدة، ما اشار الى تبدل صحي في المناخ السياسي، سيفرز بدوره معادلة تبتعد عن التحاصص الطائفي، لتقدم مبدأ الاكثرية والاقلية وفق حسابات سياسية انتخابية متبدلة  عموماً، وهو ما يعني حيوية في العمل ووحدة في المجتمع، اذ لا يعود للتخندق الطائفي ان يعرقل العمل السياسي بجموده واشكالاته غير المنتهية بحدود وضوابط، عندها يمكن القول اننا وضعنا اقدامنا على اسس القواعد والتطبيقات الحضارية للديمقراطية.

لكن هذه الصورة تظهر في  بعض جانب  من المشهد العام وان كانت تسجل ظهورها بالاحرف الاولى، اما الجانب الاخر، فيظهر ان  القوى الكردية قد استثنت نفسها من هذه التبدلات، على قاعدة انها مازالت تعيش مرحلة " التحرر الوطني " وبالتالي فعليها الاحتفاظ بأحزابها وفق القاعدة القديمة " المركزية الديمقراطية "، وهو ما يمثل مفارقة يمكن تبيانها بقليل من الجهد، ففي وقت تبادلت التكتلات النيابية الاخرى المواقف، وتنوعت الاراء داخل الكتلة الواحدة، تمترس النواب الكرد في  كتلة متراصة ابتعدت  حتى عن لعبة "الصقور والحمائم" المعهودة في الاحزاب الديقراطية العريقة، لذا غاب اي صوت كردي يمثل رأيا آخر خاصة في الحزبين الرئيسيين – الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني – ولولا ظهور قائمة التغييروالاصلاح  بقيادة  شيروان مصطفي وبعض القوائم الصغيرة الاخرى، لانغلق الموقف الكردي على مشهد لم يُعرف حتى في الساحة الفلسطينية رغم تعقيداتها ومآسيها، اذ بقي للتنوع السياسي حضور في الصلح او عدم الصلح مع اسرائيل .

الخلاصة، ان الساحة السياسية تشهد تبدلات تؤشرعلى تغير ملموس في السلوكيات الفردية و العامة نحو ترسيخ الحياة الديمقراطية، ما يعني ان الانتخابات القادمة ستشهد حيوية فاعلة اكثر مما مضى وهو مابدأت بوادره رغم كل ما ينتابها من ضجيج  واختلاف مازال يتلفح بأغطية قديمة .   

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1244 الاربعاء 02/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم