صحيفة المثقف

ميكافيللي..الشريّر القابع في زعاماتنا

وأنه أبرع من فهم سيكولوجية السلطة. والمدهش أن ما قاله عن (الأمير: الملك، رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء..) قبل خمسمائة عام ما يزال ينطبق على معظم حكّام العالم، بل أن اغلب من بيده السلطة بالدول النامية يتعاملون مع (الأمير) معاملة هتلر وموسوليني وستالين وفرانكو..أعني أنهم يضعونه في مكاتبهم ويعدّونه مستشارهم في ادارة شؤون الدولة.

والمفارقة، أن ميكيافيللي وصف بالشيطان، ووصفه موسوليني- الذي أعدّ اطروحة دكتوراه عنه- بأنه منافق كبير، وانتقده الحكّام الأحياء منهم والأموات مع أن معظمهم طبّقوا ويطّبقون ما اوصى به في تعاملهم مع الرعية. وان كنت في شك بما اقول، أقرا (الأمير) فستجد أنه يوصي الحاكم أن يكون غدّارا اذا وجد أن محافظته على العهد لا تعود عليه بالفائدة، وأن يكون دعيّا كبيرا ومرائيا عظيما، فالاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها خدمة لمصالح فئة او جماعة سياسية على حساب جموع الناس ورغما عنهم ..يقتضي استعمال ما يلزم من قهر واستبداد لفرض نظام سياسي يروج له على أنه الخير العام. ويضيف (ميكافيللي) أن على الحاكم أن يجمع بين خداع الثعلب ومكر الذئب وضراوة الأسد، وأن لا يخجل في اختيار أي أسلوب مهما تدّنى لتحقيق أهدافه وطموحاته السياسية، وأن لا يتقيد بالمحاذير الأخلاقية التقليدية لتحقيق مبتغاه، فالهدف الرئيس لم يعد وفقا له تحقيق رفاهية شعبه وسعادته بقدر البقاء في الحكم الى ما شاء الله. وأن يتقن الكذب والمراوغة ليحقق مآربه بأية وسيلة  ملتوية، ويعطي شعبه في الوقت نفسه الانطباع بأنه رحيم، نزيه، انساني، مستقيم، ومتدين. وينبّه الحاكم الى أن الناس ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون، شديدو الطمع، وهم الى جانبك طالما أنك تفيدهم ..وسيمجدونك حين تكون مرهوب الجانب شديد العقاب.

ياسلام! كم كان هذا ينطبق علينا، حاكما وناسا، قبل ست سنوات. وكم فيه من عبرة وتحذير: ان الشيطان ميكافيللي ما يزال حيا في زعاماتنا التي أصابها الاحتراب الطائفي بالبارانويا! وايصال زعامات محتقنة بشرور جاءت بها ديمقراطية ناقصة عقل ومسؤولية. ولا سبيل للعراقيين غير أن يعطّلوا عقلهم الانفعالي الذي جاءهم ببرلمانيين خذلوهم وأخجلوهم ،ويحكمّوا عقلهم المنطقي في الانتخابات المقبلة بانتقاء من يمتلك القدرة على انقاذ العراق من محنته ،ويمنعوا مجيء ميكافيللي جديد، والا سينطبق عليهم قول تشرشل :" كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها !" فيبقون ربع قرن آخر مقهورين مشتتين فقراء ..مع أنهم في أغنى بلد بالعالم.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1263 الاثنين 21/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم