صحيفة المثقف

رأي في ندوة: الرحلة العربية في ألف عام

اكتشاف الذات والآخر، الرحلة العربية في ألف عام)، وذلك بتعاون بين وزارة الثقافة للمملكة المغربية والمركز العربي للأدب الجغرافي ارتياد الآفاق أبو ظبي/ لندن، ومجلس الجالية المغربية بالخارج. وقد أسفرت المناقشات الجادة التي جمعت لفيفا من الباحثين من مختلف الأقطار العربية وغير العربية عن نتائج هامة، أهمها تكريس روح الاعتراف والتقدير للمشتغلين بالأدب الجغرافي. وفي هذا السياق نثمن عاليا تكريم عَلَمين من أعلام هذا المجال وهما المغربي د. عبد الهادي التازي، والسوري علي كنعان، علاوة على إهداء أعمال الندوة إلى روح الفقيد د. سعيد الفاضلي، الذي كان صلة وصل بين القيِّمين على مشروع ارتياد الآفاق والعديد من الباحثين المغاربة، كما كان له دور كبير في تحقيق بعض أمهات المصادر الرحلية المغربية، وعلى الأخص رحلة "ماء الموائد" لأبي سالم العياشي. ونتمنى استمرار هذه السُّنة الحميدة في التكريم وتكريس ثقافة الاعتراف.

ومن حسنات هذا اللقاء العلمي، الذي سبقته محطة أخرى كانت الأولى من نوعها في المغرب سنة 2003، إسهام المركز العربي للأدب الجغرافي في دعم وتأسيس متحف ومرصد ابن بطوطة بالمغرب. وكذا إحداث (جائزة ابن بطوطة الصغير) لأدب الرحلة الموجّه لليافعين. وفي السياق نفسه أسفر اجتماع بين نوري الجراح وعبد النبي ذاكر وأحمد الكَويطع الكاتب العام لوزارة الثقافة المغربية عن أهمية دعم مشروع تحويل نصوص الرحلة إلى جمهور أوسع من خلال المختصرات والمقتطفات والمختارات للأطفال واليافعين، مع مراعاة إدراج الرحلة في الكتب المدرسية والجامعية. بالإضافة إلى التنبيه على أهمية دعم البحث في نصوص أخرى مضمنة داخل مصادر ومظان مختلفة من أجل ترميم النصوص الرحلية بناء على تكليفات.

ولئن كانت تلكم أهم الآفاق التي رسمت معالم خطط المستقبل، فإن واقع البحوث المقدمة في الندوة المذكورة أبانت عن جودة وجِدّة معظم المداخلات ذات المستوى العلمي الرفيع توثيقا ونهجا، مثلما أبانت عن تنوع في المقاربات، وخصوبة في المناولة، وفتح توجهات غير مطروقة في البحث والتحقيق. وهنا ننوه بأهمية اجتراح انتباهات جديدة على مستوى الموضوعات والمناهج والكشوف المبتكرة. ولعل أهم أخاديد هذا المجرى الجديد ـ في تقديرنا ـ تكمن في:

- الالتفات إلى الإيقونات ودورها في إنتاج الدلالة داخل النصوص الرحلية.

- الانتباه إلى دور علم الخرائط في تطوير الفكر الجغرافي عند العرب.

- تنويع المقاربات من نفسية إلى حِجاجية إلى شعرية إلى سيميولوجية إلى تاريخية إلى أنثروبّولوجية إلى إثنوغرافية، إلخ.

- تناول أنماط جديدة من الرحلات: كأدب الهجرة السرية واليوميات والرحلات القسرية وأدب المكان، إلخ.

- الانفتاح على جغرافيات أخرى كالصين واليابان والهند وأمريكا الشمالية...

- تقديم قراءات جديدة لرحلات قديمة كرحلة ابن فضلان وأسامة بن منقذ وابن بطوطة، وإلقاء الضوء على زوايا خبيئة فيها.

- أهمية الشهادات ودورها في إنارة أعمال الرحالين المعاصرين. وهي شهادات ومقدمات نرى أنها ضرورية في استكشاف تجربة السفر(باعتبارها تجربة أونطولوجية متفردة) وكتابة الأسفار (باعتبارها نصوصا لها ميسمها الخاص في سجِلِّ الإبداع الإنساني).

وأملنا أن يتم دعم هذا التوجه الجديد، وذلك بالتنسيق مع الجامعات والهيئات الثقافية العربية والأجنبية. وأن تدعو الجامعات العربية إلى تشجيع البحث في هذا المجال، وخلق تخصصات لها صلة بالموضوع، شأن المركز المغربي للتوثيق والبحث في أدب الرحلة، والجمعية المغربية للبحث في الرحلة. دون أن ننسى ضرورة الانفتاح على باحثين عرب وأجانب في الثقافات واللغات والحقول المعرفية الأخرى المتصلة بالرحلة وموضوعاتها، من أجل تقوية البحث والاطلاع على نصوص في ثقافات أخرى، مع الاهتمام بالترجمة البينية، والانفتاح على جغرافيات أخرى جديدة، وأَضرُب أخرى من الرحلات كرحلات الأنتِرنيت والرحلات المتخيلة ورحلات الخيال العلمي والرحلة في التراث الشعبي وعلاقة الرحلة بأشكال تعبيرية أخرى: رواية، سينما، مسرح، أفلام وثائقية، شعر، يوميات، استطلاعات...

ونأمل أيضا أن ينكب الباحثون، بالجدية اللازمة، على منشورات المركز الصادرة ضمن جائزة ابن بطوطة للإبداع الرحلي؛ وذلك لتقويم التجارب الجديدة، وفتح نوافذ أمام التجارب المختلفة، تشجِّع ابتكار أساليب غير مسبوقة في الكتابة عموما، والكتابة الرحلية على وجه الخصوص.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1068  الخميس 04/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم