صحيفة المثقف

وليم شكسبير الفلاح السياسي

ikhbal almominمن منا في حياته لم يكن قد قرأ او شاهد او سمع بأعمال الفلاح الانكليزي وليم شكسبير والذي اعد من اعظم ادباء عصره. الفلاح الفقير الذي نزح مع ابوه الى بلدة ستراتفورد آبون آفون وتم تعميده فى 26 ابريل 1564 ومات بنفس البلدة التى عمد فيها سنة 1616

لكن الفلاح الانكليزي هذا لم يكن فقره في البداية عائقا له في دراسة مبادىء اللغات اللاتينية واليونانية والفرنسية الامر الذي اجادها كتابة ونطقا وهى التى مكنته فيما بعد من التعمق فى قراءة كتب التاريخ والادب الكلاسيكى الا ان هذا الفقر كان حائلا له دون اكمال دراسته للاخر فتركها ودخل سوق العمل فعمل وتزوج بفتاه من نفس قريته هى (ان هاثاواى) وانجبت له طفلتين هما هامنت وجوديث. وبما ان اديبنا كان متفائلا كما هي طبيعة الفلاحيين في الحرث والزرع والترقب والمتابعة

نشر اول اعماله الشعرية عام 1593 وحقق نجاحا كبيرا واستطاع ان يسدد جميع ديونه وان يتمتع بمستوى معيشى مقبول

واستمر بالحرث والزرع الادبي واصبح الشاعر القومي لبلاده ولقب بــشاعر الوطنية وشاعر افون الملحمي

و تنوعت كتاباته فيما بعد ما بين الكوميدية والتاريخية والتراجيدية التى أظهرت عبقريته وقدرته الادبية الفائقة على تحليل النفس البشرية

ولازالت اعماله تترجم حتى يومنا هذا الى جميع لغات العالم ومازالت تلقى نفس القبول والنجاح سواء كأعمال مقرؤة او ممسرحة او معروضة على الشاشتين الكبيرة والصغيرة او من خلال اليتوب الساحر .

ما يهمنا الان معرفة السياسي شكسبير والوقوف على افكارة وطروحاته السياسية ومن خلال اعماله حصرا لنرى كيف كان شكسبير سياسيا ؟ او كيف نظر الى السياسي والساسة والحكام والقادة انذاك ؟ متناولين طروحاته المسرحية تحليلا وشرحا وكيف فضح

السياسية فكرا وعملا كونها اقدم مهنة في التاريخ من حيث الفساد والعهر والاستخفاف بمصائر الفقراء .

لم يكن اي منتج فكري لشكسبير خالي من الوصف والاتهام والادانة لصفاقة وسفاهة وسطحية هؤلاء الساسه الذين جروا الويلات على شعوبهم بتصرفاتهم الفردية والساذجة حد اللعنة وهذا ما نلمسة اليوم في اغلب ساسة وحكام المعمورة فأغلب فقر الشعوب

ودمار الامم وتلوث النفوس والبيئة معا هي من نتاج سياسات خاطئة لهؤلاء الصفوة او القدوة المزيفة والمثل السئ ان صح التعبير فدعونا نرى ماذا انتجت عبقرية شكسبير في هذا المجال من خلال الوقوف على اعماله التي لاتزال حية ناطقة لكل من يبحث

عن حقيقة فسادهم وعدم مسؤوليتهم تجاه شعوبهم ولنبدا بملكهم ليير الشكسبيري .

الملك ليير الذي بدأ فعله بالامنطق لمجريات الامور السياسية وادارة الاحداث والبلاد وبما ان لكل فعل رد فعل مساوي له بالمقدار ومعاكس له بالاتجاه جاء فعله الخاطئ والامنطقي بنفس ردود الافعال الخاطئة والا معقولة ولا ندري هل هذا جاء عن طريق الصدفة

او مخطط له من قبل شكسبير ..فالمسرحية ببساطة تتحدث عن ملك يجمع بناته الثلاث غونريل وريغن وكورديليا مع أزواجهن دوق البني ودوق كورنوول ليعلن لهم انه قرر تقسيم مملكته عليهم والتنازل عن الحكم، ومن هنا تبدأ الأحداث تتوالى بأفعال وردود

أفعال غير منطقية ولا معقولة من شخوصها، وبالأخص من تصرفات الملك ليير نفسه السياسي المخضرم، الذي يفترض انه يمتلك من الخبرة والدراية ما يجعله يميّز بين الغث والسمين وان لا يعتمد على محض كلمات ممسرحة تنطقها السن لا تعي

ما تقول في مواقف تتطلب ذلك . اشخاص هو من المفترض ان يعرفهم حق معرفة لانه من اشرف على تربيتهم ونشأتهم وتقويمهم لكن للاسف يقع ضحية نفاق وتزلف وكلام معسول بعيد كل البعد عن الحقيقة،و الطامة الكبرى ان هذا النفاق الذي حواليه ومن اقرب

الناس له ينسيه الواقع الجلي لكل ناظر فمنذ البداية نعرف انه يجل ابنته الصغرى كورديليا اكثر من أختيها ولكن نجد انه ينسى أو يتناسى عن كل ذلك كما يحدث لاغلب الحكام والساسة عندما يضعون على المحك ..

النفاق والكلام الممسرح هو الفيصل للملك ليير ومقياس الوفاء عنده في ان يرهن البلاد بيد المنافقين والخونة عندما يطلب من بناته قبل تقسيم المملكة بينهن ان يصدقنه القول بالتعبيرعن حبهن له ومن المؤكد في هذه الحالة يلعب الرياء لعبته ما دام انه سيكون الوسيلة الوحيدة لتحقيق

طموحهن أما من كان ديدنه الصدق فلن يحصد من الملك إلا السخط والطرد وخلو الوفّاض وكذلك حال كل من لا يناصره . بهذا التصّرف غير المنطقي والأخرق والانفعالي للملك ليير الذي لا يستند على اي مقياس ثابت لقياس الامور ووزنها بميزان الحق والمنطق وانما ميزانه الشخصي الخاضع للمد والجز بشاطئ عاطفته مستندا على مقياس متغير خالي من الادلة والاثباتات التي تدعم الحدث يتسرع الملك بوضع مقياسه الهزيل هذا في التقييم وهو مقياس المشاعر التي يلتف حولها من كل الاتجهات حب السلطة والمال والتحكم بمصائر الاخرين والشهوة والشهرة وتحقيق الذات على حساب الاخرين يضع مصيره ومصير بلاده بيد أولئك المنافقين بعد أن يسخط على ابنته كورديليا التى اعتبرتها ضمنا هي الشعب الصادق .

فيا لها من قسمة ضيزي للملك ليير لانه يبيع ويشتري ويتبرع ويتنازل ويتحكم بأموال الشعب ومن المفترض ان يكون الحارس الامين عليها وعلى شعبه من كل دخيل وجائر ومنافق بصفته حاكم البلاد المطلق الا انه يهب كل شئ بما فيهم مصيره ومصيرالشعب المسكين فيقول لهم اي للورثه من المنافقين وهم كل من البنت الكبرى والوسطى وزوجيهما :

إني لأهبكما معا سلطتي وسؤددي، وكل ما يصحب الجلال من توابع الأبهة، أما نحن، فأننا إذ نحتفظ بمائة فارس، تكون عليكما العناية بهم، سنجعل سكنانا عند واحد منكما دوريا كل شهر، لسوف نتمسّك بلقب الملك ومراسيمه كلها، غير أن الحكم والدخل وتصريف الأمور ستكون، يا ولدي الحبيبين، في ايديكما . ومصداقا لذلك، تقاسما هذا التاج بينكما . يقصد بولده دوق البني ودوق كورنوول .

وهنا نؤكد ان من اكثر الامور مهزلة كون الملك لا يملك دارا ولا سكنا له الا انه يهب املاك الشعب وثروته لمن غير اهلا لها .

فبهذا التصرف الركيك والسخف الملوكي يقع الشعب رهينة بيد المنافقين والمتقلبة قلبهم وتوجهاتهم وجريهم وراء المال والجاه والذي على حس هذه الطبول تخف ارجلهم طمعا واهوائا .

و هذا ما عشناه ونعيشه في ضل السخف واللامسؤولية من قبل البرلمانات المتتالية وحكوماتها في بلدان تأن شعوبها من الظلم والجور والتهميش على مدى عقود ونحن على يقين ستكون النهايات مأساويه ويمكن اكثر ماساوية من النهايات الشكسبيرية .

و الغريب في منطق حكامنا انهم لا يتصرفون بعقلانية وحكمة الا وهم في اوج جنونهم كما هو الملك ليير.

شكسبير السياسي اظهر الملك لييرعلى انه انسان لديه الشهوة لكي يكون محط اعجاب الآخرين ورافض للحقيقة لانها لا تتناسب واهوائه لذلك حرم ابنته الصغرى من ميراثها عندما اخبرته بأنها ستحبه وتحب زوجها بنفس المقدار بينما كافئ ابنتيه اللتين خدعتاه بالكلمات المعسولة لذلك وقع هو وشعبه ضحية الطمع الذي كان يعشش في صدر كل من يحلم بالسلطة دون وجة حق .

ولم يكتفِ شكسبير برسم هذه الصورة البشعة الجشعة لحكام المستقبل بل جعل منهم خونة وعبيد لشهواتهم فكل واحدة من بنات الملك كانت تخون زوجها مع قائد الجيش ادموند وربما كان هذا تلميحاً من شكسبير على ان الخونة لا حدود لخيانتهم ولا استثناءات لها . الا انه اظهر الجانب الانساني في الفتاة الصغيرة المتمثلة بالشعب والتي اثبتت انها مخلصة في حبها لابيها وزوجها معاً والدليل على ذلك موتها في سبيل حرية ابيها .

و لننتقل لنموج اخر وشخصية اخرى للسياسي شكسبير في مسرحية مكبث

اهلا بالملك القادم ماكبث ! يا لهذه العبارة من سحر يكاد بها ان تنقلب كل الموازين وتنفتح كل ابواب الجحيم على مكبث ... وكانت بالفعل نبوءة مدهشة بالنسبة له لأنه كان على يقين ومن المحال ان يكون ملكا طالما أن أبناء الملك أحياء، فلا أمل للوصول الى العرش، الا ان مفعول السحر والساحر ماضي كمضي السيوف وله وسوسة شيطانية ذهبية ناعمة.تقلب كل الحقائق وتزين كل الموبقات .

وكان لهذه التحية المفاجئة والحدث الغريب والنبوة الساحرة بأنه ملك البلاد المرتقب أثره على نفس ماكبث فأصبح حالما هائما سابحا بأحلامه وتخيلاته الوهمية دون وجهة حق

و خاصة عندما خلع الملك على ماكبث لقب واسم دوقية كاودور وهذا ما تطابق مع ما قالته الساحرات، الأمر الذى بات مندهشا حائرا مذهولا لا يقاوم سحر النصر واحلام العرش الملوكي ..

ومنذ تلك اللحظة، بدأت الآمال الضخمة تداعب مخيلته وامكانية تحقيقها ليصبح ذات يوم ملكا لاسكتلندا . متجاهلا تحذيرات بانكو الطيب . الامر الذي وجه كل تفكيره فى كيفية الفوز بعرش اسكتلندا ..

اما الليدى ماكبث حالها حال اي سيدة اولى في المجتمع دون استثناء سيدة شريرة تطمح فى مكانة عالية لنفسها ولزوجها، وتتمنى لو انهما يصلان الى هذه المرتبة العظيمة بالسرعة الممكنة وبأية وسيلة كانت ولم تتورع فى أن تقول له ان قتل الملك

أمر ضرورى جدا لتحقيق النبوءة ويا لها من نبوءة تسحق كل من يقع امامها وبدون قيد او شرط نبوءة مدمرة كنبوءة ساستنا الان يحللون ما يروق لهم ويحرمون كل ما لا يروق لهم .و تلعب الصدف متعاونة مع الباطل لتمهد لهم الطرق كما مهدت ا

لانتخابات بتهيئة الكراسي للبرلمانيين

و ذلك بقيام الملك بزيارته الذهبية لماكبث فى قلعته وبصحبة ولديه مالكولم ودونالبين، ومجموعة من اللوردات والمستشارين لتهنئة ماكبث بانتصاره فى الحرب .

كانت قلعة ماكبث مبنية فى مكان لطيف كما هو لطف المنطقة الخضراء على ساكنيها والهواء هناك منعش وصحى حيث أقامت طيور السنونو أعشاشها على الجدران والمعروف عن هذه الطيور أنها لا تقيم أعشاشها الا فى الأماكن المعروفة بجوها الطيب

و الهادئ كما هو امن المنطقة الخضراء لكن سكانها ينقصهم الامان فيما بعضهم البعض كما هي قلعة ماكبث وعندما دخل الملك سعد جدا بالمكان وسعد اكثر بالاهتمام والاحترام والتبجيل الذى لاقته به السيدة المضيفة ليدى ماكبث التى كانت تجيد فن تغطية أهدافها الشريرة وراء ابتسامتها التي تبدو كالزهرة البرية التى تخفى تحت اوراقها حية رقطاء !وهي نفس الابتسامة ونفس الترحيب الذي نشاهده ونسمعه من ساستنها سكنة المنطقة الخضراء فالامر سيان زيف وانعدام الامان اي ان المنطقة مؤمنة وليست امنه لا لسكانها ولا لمن يزورها .

و يخلد الملك ليير للنوم وبصحبته اثنان من خدمه وكما جرت العادة عند الملوك بعد ان اسعده الاستقبال الغير عادي من ماكبث والليدي ماكبث، حتى أنه قام بتوزيع بعض المنح والهدايا على الضباط الكبار قبل أن يخلد للنوم ومن ضمن هذه الهدايا أرسل ماسة غالية الى الليدى ماكبث تحية لها لما أبدته من كرم الضيافة والترحيب . علما ان هذا الديدن لا يزال معمول به عند كل الملوك والرؤساء الى يومنا هذا لكي يشتروا المقربين منهم بالسلطة والحشاشية التي حواليهم فلذا يصبغون عليهم بالهديا وعلى مبدأ اطعم الفم تستحي العين.

و كما هو معروف عن الساسة وما يخططون له في حياتهم السياسية نرى خططهم تجري في الليل كي تحاك جرائمهم وتحبك خططهم الجهنمية للانقلابات والاغتيالات ليلا وتحت ستار الظلام وهذا ما فعله ماكبث والليدي ماكبث من تخطيط لقتل الملك كما هو التخطيط الذي لا زال جاري لاغتيال وحدة العراق رغم كل الاعتبارات .

نعم الاعتبارات التي تقف ضد جريمة اغتيال الملك ليير ففى المقام الأول هو ليس شخصا عاديا بل هو من المقربين لماكبث كما أن الملك يحل فى ضيافته ومن واجب المضيف أن يمنع أية محاولة لقتل ضيفه لا أن يحمل هو سكين الجريمة بل ونرى أن الملك دنكان ملك رحيم واضح فى خصومته مع أعدائه ومحب لأعوانه من النبلاء وكريما ودمث الخلق وبالنسبة لمكبث بصفة خاصة هذا بالاضافة الى أن الملك كان يخصه دون الرجال جميعا لرجاحة فكره الا انه لوث كل هذا التكريم، بدماء جريمة بشعة جريمة اغتيال الملك التى افقدت هاملت وزوجته النوم والامان وبعدها لن يذق لا ماكبث ولا زوجته طعم النوم ! ..

و لايجاد مجرم للجريمة وكما هو معروف عن كواليس الساسة كانت الأدلة قد سجلت ضد الخدم من القوة والحبكة بما فيه الكفاية لادانتهما . رغم أن كل الاتهامات الخفية كانت تشير الى أن ماكبث هو الذى فعلها لأن لديه من الدوافع القوية أكثر مما لدى الخدم المساكين للقيام بذلك وخاصة بعد ان هرب ابنا دنكان مالكولم الأكبر الى انجلترا ودونالبين الأصغر الى ايرلندا ..

وبهروب ابنى الملك، اللذين كانا من المفروض أن يخلفاه فى الملك أصبح العرش خاليا وتوج ماكبث ملكا وهكذا تحققت نبوءة الساحرات تماما .

وهكذا يتسلط المجرم ماكبث على رقاب الشعب كما يتسلط اليوم اغلب الساسة المجرمين على رقاب شعوبهم ويكافئ المجرمون من الساسة على جرائمهم في وقت اختلت به كل المقاييس وضربت كل الاعتبارات ... ولنرى الان ما فعله هاملت سياسيا .

السياسي هاملت رفع شعار اكون او لا اكون فهو الملك وابن الملك اي انه سياسي ابا عن جد

و كما هي سلوة الملوك بالقتل والتوريث يقتل كلوديوس اخاه وبدم بارد ويتزوج من زوجته والدة هاملت بوقت قياسي بعد الحادث بالرغم من ان الدنمارك كانت حينها في حالة عداوة مع النرويج ويُحتمل حدوث غزو من قِبل "فورتِنبراس" أمير النرويج.

و تبدأ الأحداث بظهور شبح ملك الدنمارك المقتول والد هاملت الذي يطالب ابنه بالإنتقام له ويقتص من قاتله فيوافق هاملت ويخطط لذلك بأن يدّعي الجنون حتى يُبعد الشكوك من حوله بالرغم من شكه بمصداقية الشبح وتتسارع الاحداث وتتشابك حوله الاحداث و

تتعقد تصرفات هاملت السياسي الباحث عن الحقيقة ليكتشف من خلالها زيف الاصدقاء ويتهم اقرب الناس له بالخيانة وتزداد شكوكه وتتضخم ضنونه وينشد الحل الامثل والوحيد في الفن .

و ذلك من خلال فرقة مسرحية تصل القصر ويعهد هاملت الى الممثلين بأن يمثلون مسرحية بها مشهد مُطابق لحادثة مقتل والده بالسم ومن خلال المشهد يدرس ملامح عمه الملك كلوديوس وردة فعله.

و عندما يجتمع سكان القصر لمشاهدة المسرحية ويأتي المشهد الذي يُقتل فيه الملك بالسم بنفس الطريقة التي ذكرها شبح الملك لهاملت يفزع الملك كلوديوس ويخرج بسرعة من صالة العرض وعندها يتأكد هاملت من أن عمه مُذنب في مقتل والده الملك.

السياسي هاملت هنا نراه سياسي يدرك معنى الفن ويفهم في الاخراح المسرحي ويدرك ان للفن رسائله السامية ولها دور مؤثر على المتلقي ناهيك عن معرفته بدراسة سلوكيات المجرمين وكأنه متفقه بعلم نفس الجريمة وهذه خطوة رائدة للعبقري

وليم شكسبير في فهم علم نفس الشخصية

و يتورط هاملت بقتل بولونيوس ويُخفي جثة أمام الملك كلوديوس فيخشى الملك على حياته فيرسل هاملت لإنجلترا مع أمر بقتله.

و هنا ندرك ان السياسي هاملت ممثل بارع ومفكر من طراز خاص يخطط وينفذ اما عمه فهو مجرم ومستمر في اجرامه لكي يبقى محافظا على كرسي الحكم رغم كل الاعتبارات التى لا يحسب لها حساب سوى مصلحته الشخصية لذا يزج هاملت

في مبارزة مميته مع صديقه لكي يتخلص منه بعد فشله في التخلص منه بالسفر والابعاد والقتل بعد ان تخلص هاملت من الجاسوسين المأموران بقتله .

يُخطط الملك كلوديوس بأن يجعل هاملت يُبارز لايرتس في منافسة ودية ليضع السم في سيف لايرتس ليقتل هاملت وفي حال فشل في خدش هاملت سيعرض عليه شراباً قد دسَّ فيه السم.

ولا غرابة ولا استغراب في مخططات الساسه التي لا تحسب اي حسابات للاخرين عندما ينون التخلص من مناوئيهم وتشويه كل الحقائق وتدون التاريخ حسب اهوائهم وميولهم بشراء الذمم دون قيد او مراعات لاي من يكون لذا في مسرحية هاملت اصر شكسبير أن يكون هوراشيو هو راوي القصة لانه صديق هاملت الذي يعرفه حق المعرفة والشاهد والمراقب لكل الملابسات والمآزق المعقدة التي مر بها هاملت في مواجهة عمه الفاسد كلوديوس، لكي يكون الشاهد الأمين والصوت الاعلامي المسؤول كي لا تتشوه صورة النبل والعدل التي تميز بها هاملت السياسي النظيف في خوض معركته التي تتلخص بالقضاء على هاملت معنويا وماديا بشتى الطرق ولو باختراق الصداقة والحب والأمومة!

فهوراشيو هو المثقف الواعي الذي يقف مع الشعب وهو من عانى من كل شيء فأصبح بذلك لا يعاني شيئا يتلقى من الأقدار الخير والشر بامتنان واحد وطوبى لهؤلاء الذين يتوازن عندهم العقل والعاطفة فلا يصبحون مزمارا في يد الحظ يعزف عليه ما يشاء اعطني هذا الرجل الذي يرفض أن يكون عبدا لأهوائه وسوف أضعه في قلب قلبي هكذا وصفه هاملت وهكذا اراده ان يكون شكسبير بمثابة السياسي والاعلامي الواعي لامور شعبه ومصلحة بلده

من خلال هوراشيو اراد شكسبير ان يكون للسياسي دور مميز ثقافي توعوي ويقع على عاتق الاعلام المسؤول والموضوعي تجسيده وربطه بهاملت السياسي النظيف

لذا نراه بين الحراس يحلل لهم دواعي الحراسة ويستمر هوراشيو طوال المسرحية مراقبا ومحللا وسندا ناصحا لهاملت فهو المستودع الأمين لأسراره الفاهم لأدق مشاعره وآلامه وهذا مالا نراه اليوم في وظيفة الاعلام لاننا وسط تهريج لا نعرف له ساس ولا راس، وحين يتخلى برهة وبالذات في المشهد الأخيرعن عقلانيته ويحاول أن يقتل نفسه لأنه لن يتحمل الحياة بعد رحيل صديقه يمنعه هاملت وهو يؤكد عليه ان يبقى على قيد الحياة لان بقاءه هو التضحية الحقيقية التي يقدمها لصديقه اي ان الاعلام لابد ان يبقى بهذه الصحوة والا كل شئ سينهار .

هاملت: أه يا إلهي، هوراشيو، تعلم كم سيجرح اسمي من بعدي، لو ظلت الأشياء هكذا غير معروفة .. تحمل التنفس بصعوبة، في هذا العالم القاسي، لتحكي قصتي.

وينصاع هوراشيو لهاملت ويتحمل مسؤولية رواية قصته بدوافعها الحقيقية وبمنظور شكسبير السياسي، الذي أراد في بناء شخصية هاملت أن يطرحه ممثلا للحق ضد الباطل الذي تشخصن في الملك الفاسد القاتل كلوديوس ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن تتشوه الأحداث لو أنها سردت من خلال كلوديوس وحاشيته.

و بهذا نكون قد تعرفنا على ان شكسبير كان رجل سياسة وصانع السياسين وناقد لهم ولافعالهم وهو الفنان والاعلامي المسؤول وصاحب الرسائل المسؤولة تجاه المجتمع فالاعلام والفن المسؤول هو من يبين ظلمهم وغدرهم وركاكة تفكيرهم لذا لابد ان يبقى الاعلام الصادق المسؤول دائما مرافقا ومراقبا لهم والشاهد الحي على اعمالهم والناصح الامين للمخلصين منهم .

 

د أقبال المؤمن

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم