صحيفة المثقف

الرثاء في الشعر العراقي المعاصر .. قصيدة "شاهدة قبر من رخام الكلمات" ليحيى السماوي أنموذجا (2)

 هذا دعاء أم يحيى الذي أنسنه وشخصنه الشاعر : (دفء أمومتها

 وليس حطب موقدنا الطيني

. أذاب جليد الوحشة

 في شتات عمري

 رائحة يديها

. وليس نوع الحنطة

. جعل خبزها

 ألذّ خبز

. في الدنيا

.

دعاؤها

. وليس الحظ

. أبعد الحبل عن رقبتي – ص 24 و25) . لم تكتفِ هذه الأم العظيمة بأن تلد الشاعر وتمنحه أسباب الحياة مرة مثلما يحصل لأي واحد منّا

 لكنها منحته امتيازا ثانيا مضافا واستثنائيا

 فقد أنقذته من الموت الفعلي

 الموت شنقا

 وبذلك ولدته مرة ثانية

 وهكذا يكون الشاعر من القلائل الذين يولدون مرّتين !! . هو عصفورها الذي منحته عمرين متجددين

 الأمومة ثابتة والأبوة متغيّرة

 مهنة الأمومة الرعاية والعطف سواء أكان ما يقع بين يديها إبنا أو حبة قمح أو سنبلة أو عصفورا

 كلّهم أبنائي شعار الأمومة وليس الأبوة

 وأبناء الأمومة كل مكونات الطبيعة

 خصوصا الصغيرة / العصفورية منها التي بحاجة إلى العون والرعاية : (حين أزور أمّي

. سأنثر على قبرها

. قمحا كثيرا

. أمي تحب العصافير

. كلّ فجر : تستيقظ على سقسقاتها

. ومن ماء وضوئها

 كانت أمي

 تملأ الإناء الفخّار قرب نخلة البيت

 تنثر قمحا وذرة صفراء

. وحين تطبخ رزّا

. فللعصافير حصتها

. من مائدة أمي – ص 19) . وحتى بعد موتها، فإن هذه الام العظيمة تبقى مهمومة بمصير العصافير الهشة المسكينة وهي تواجه شظايا الحروب والإرهاب الباشطة بأجسادها الصغيرة : (الطيّبة أمّي

 ما عادت تخاف الموت

 لكنها

. تخاف على العصافير

. من الشظايا

 

وعلى بخور المحراب

. من دخان الحرائق

. والأمهات اللائي

. أنضب الرعب أثداءهن – ص 18 و19) . وهذه لعمري مداورة نفسية ماكرة من العصفور المستديم الذي أصبح شاعرا وفقد الآن خيمته الحمايوية التي كانت غيمتها تزخ في أعماقه أمطار العافية والأمن رغم بعده عنها . والعناية التي قدمتها الأم الحنون للعصافير في حياتها، ثم انهمامها بها بعد موتها، هو الأنموذج المرغوب اللائب في دواخل الإبن وقد أصبح أبا . ففي رثائه لها يسلك مسارات " مصلحية " نفسية تحت أستار الالتحام بفجيعتها

 

 التحام مابعدي

 فهو إذ يعرف سحريا أو شعريا – لا فرق – مدى انشغال الأم وهي في قبرها بحال العصافير المسكينة وهي تواجه الشظايا التي لا ترحم، فإنه يمرّر مماهاته نفسه بها

 بهذه الكائنات العزلاء

 مثلما يتشكل هدف ندائه الباطن

 نداء زاجر ونافد الصبر يحرص على مصلحة الأم بعد موتها :

(وأنتم أيها الهمجيون

. من متحزّمين بالديناميت

. وسائقي سيّارات مفخّخة

 وحملة سواطير وخناجر

. كفى دويّ انفجارات وصخبا

. الطيّبة أمّي لا تطيق الضجيج

. فدعوها تنام رجاء – ص 18) . ولو لاحظنا مفارقة الطلب الملتمس الختامي من مجرمين قتلة بعد بداية صارمة شديدة الحزم

 فسوف نتأكد من انكشاف النكوص العصفوري إذا جاز الوصف الذي ظهر حييا ومغيّبا تحت أردية الشعر الخلّابة الكفيلة بتغييب انتباهتنا النقدية، ويساعد على ذلك تماهينا مع الشاعر المثكول، فلا موضوع مثل خسارة الأم يمكن أن يثير تعاطفنا ويستفز قلق الخسران الكامن بما يرتبط به من مشاعر أمان

 والأهم ذكريات طفلية تبقى هي الصورة المثلى لحياة اعتمادية رخيّة تمثل الأنموذج المكافئ الأمثل للحياة الرحمية الفردوسية

 حياة اجترها الشاعر من مخزون أحشاء ذاكرته

 اجترها لأن لاشعوره يرفض هضمها والخلاص منها نهائيا فهي من مقومات وجوده الظلامي الباذخ

 هذه الحياة عبّر عنها الشاعر ببلاغة تفصيلية تهيج جراحات تثبيتنا التي ندّعي الإبلال منها تنفجا : (في صغري

تأخذني معها إلى السوق

. وبيوت جيراننا

. حتى وأنا في مقتبل الحزن

. لا تسافر أمّي إلى كربلاء

. إلا وتأخذني معها

. أنا عكازها

. وفانوسها

. وحامل صرّتها المليئة

. بخبز العباس

. والبيض المسلوق

. وإبريق شاي الزهرة

. فكيف سافرت وحدها للقاء الله ؟؟

. ربّما

. تستحي من ذنوبي !

. آه

 من أين لي بأم مثلها

. تغسلني من وحل ذنوبي

. بكوثر دعائها

. حين تفترش سجّادة الصلاة ؟؟ - ص 20 و21) . وهو في مرحلته الراشدة الآن، وضمن سياق حداد ذاكرته الإستعادي يسترجع بعقلية تفسيرية " بعدية " حتى اللمحات الطفلية الغائرة في عمر الزمن، ليمنحها بعدا إدراكيا مكفّرا يتكفل الشعر بإخراجه، وتشكل هذه الاستعادة جزء من عملية تفريج غمة الإحساس بالإثم : (يوم صفعتني

 بكيت كثيرا

 ليس لأن الدم

 أفزع الطفل النائم في قلبي

 ولكن : خشية أن يكون وجهي الفتي

. آلم كف أمّي – ص 25) . وهذه الإستعادات الذاكراتية الآسية تمرّر تحت غطاء الحداد، الإحتفاء الحسّي بجسد الأم، كطبيعة مصغّرة الآن، لكنها طبيعة ذات طبع خارق، تجتذب النحل بالإيهام وتتسامح مع لسعاته . هي حقل متنقل

 بستان البيت الذي يغوي الفراشات بالإقامة الدائمة، لذلك نصف الأنوثة دائما بأنها " الإنسان ضمن الطبيعة – humanbeing among nature "، في حين نصف الذكورة بأنها " الإنسان ضد الطبيعة – humanbeing against nature " : (مرّة

 لسعت نحلة جيد أمّي

. ربما

 ظنت نقوش جيدها ورودا زرقاء

 لتصنع من رحيقها عسلا

 خضرة عينيها

. أغوت الفراشات للإقامة

 في بيتنا الطيني – ص 26) . التساؤل السابق عن أن الأم المختطفة من قبل أخّاذ الأرواح / ملك الموت قد سافرت وحدها للقاء الله لأنها تستحي من ذنوب الإبن، هو جزء من تخريجات تحاول يائسة التخفّف من الشعور بالهجران والإنخذال، فلابد من أن " يعقلن " الإبن عملية الإنثكال بأعز ما لديه والتي جرّده فيها المثكل من أية علامة اقتدار على الفعل الإنقاذي المتخيّل

 وبالمناسبة فإن " مقلوب " هذا النزوع اللائب في اللاشعور، هو الذي دفع مؤرخي الأساطير إلى اعتبار دموزي / الإله الإبن منقذا، وهو الذي جعل أكثر الشعوب تحتفي بالإله الإبن المنقذ، في حين أن الإنصاف التحليلي العلمي يفرض، وبلا لبس، الإحتفاء بالإلهة عشتار كمنقذ

 المخلّص بالنسبة للإبن ليس المسيح أو المنتظر، بل الأم

 ويتساوى بالنسبة للشاعر دورها الإنقاذي قبل وبعد الموت، فـ : (قبل فراقها : كنت حيّا

. محكوما بالموت

 بعد فراقها : صرت ميتا

. محكوما بالحياة – ص 8) . إنها القادر الذي يستطيع قلب معادلات حياة الابن حتى لو كان ميتا . وذلك لأن النزعة الخلودية تتأسس على قوى اللاشعور الذي لا يقر بالفناء أبدا، والذي يتجاوز في فعله أطر الزمان وتحديدات المكان، ولا محل للغرابة من التناقضات التي تسود بين مكوناته، بل إن التضاد من سماته، وفي عوالمه تطفو منعمة صورة الأم المنقذة العصية عن الفناء، ومنها تشتق كل النزعات الباحثة عن الخلود في نفس الإبن كجهد مواز للديمومة الأبدية التي يترعرع في أحضانها موضوع الحب . ولذا وحتى بعد موت هذا الموضوع فإنه يفنى في الخارج في حين يمضي مفعما بالحياة في الداخل، يرعى الإبن المثكول ويحرص عليه عبر هذا الرباط السري الذي لا يعرفه سوى لاشعور الإبن : (مذ ماتت الطيبة أمي

. لم أعد أخاف عليها

. من الموت

. لكنها بالتأكيد

. تخاف الآن عليّ

 من الحياة – ص 22) . والشاعر يعبّر عن هذه المعادلة المربكة بصورة مقتدرة والتفافية أعدها من نفائس التعبيرات الأدبية التوروية عن قواعد عمل اللاشعور، الذي يحوّل موضوع الحب الأثير الحاكم في حالة فنائه من الوجود الخارجي العابر، إلى المستقر الخلودي في الوجود اللاواعي الداخلي، ألم يقل معلم فيينا أن الشعراء أساتذتي ؟؟ وبهذا وحده نفسّر سبب عدم خوف الشاعر على أمّه من الموت بعد موتها، فإذا قررنا أن ذلك ينبع من ثقته أنها رحلت مرة واحدة وإلى الأبد نكون كمن يفسّر الماء بالماء ويقدم فهما بالغ السذاجة لا يكافئ الناحية النفسية الإقتصادية من جهد الشاعر : (اليوم

 سقطت حفنة أوراق

 من شجرة مخاوفي : أمي لن تمرض بعد الآن

 لن تشقيها غربتي

. لن ترعبها أسئلة الشرطة عني

. وأنا

. منذ اليوم : لن أخاف عليها من الموت

. أبدا – ص 27) . وهذا تقرير حال مدمّر قد يجعل القاريء المأخوذ بالفجيعة المشتركة يعتقد أن هذا الوضع الشائك الملتبس قد خلقه حال يحيى المنفي المعذّب وهو يرى من أقاصي الدنيا ضياع منقذه من دون أن يقوى على أي درجة من الفعل الإنقاذي الذي ألصق به عبر التاريخ

 أين دموزي وحركاته الإنقاذية الخارقة ؟؟

 لقد سحبته خنازير العالم الأسفل بلا رحمة وكان يبكي ويتوسل بأخته / بديل أمه أن تنقذه وتخلّصه من شياطين (إريشكيجالا) التي قطعته إربا ودقّت المسامير في أطرافه (تتكرر حكاية المسامير مع المسيح !!) . لكن السماوي لا يتردّد في وضع النقاط على حروفها النفسية ويعلن بلا تردّد عن أنه كسير محطم بحاجة للإنقاذ من أعظم قوة إنقاذ في الوجود

 هكذا رسم صورتها اللاشعور حتى لو كان لاشعور شاعر مهم وأب لأربعة أبناء : (لماذا رحلت ؟

. قبل أن تلديني يا أمي

. أدريك تحبين الله

. ولكن : أما من سلالم غير الموت

. للصعود إلى الملكوت ؟ - ص 9) . وتحت أردية الخطاب المعاتب للأم في رحيلها " الغادر " الغير مبرّر بالنسبة للإبن حتى لو كان من أجل ملاقاة الله

 تُمرّر الحفزات التحرّشية التي تحفظ للشعر بهاءه الأقصى

. ويبدأ التحرّش دائما بالتساؤلات التضحيوية المفروغ منها

 وهي أشد أشكاله لؤما

 فالإعتراض الذي يأخذ شكل تساؤل " بريء " عن سرّ الحكمة التي تقف وراء خطف الفقيد تشبه، حين تلبس لبوس الشعر الاستعاري على يدي يحيى، صرخة الام المعاتبة الجارحة التي فقدت ولدها : " ليش أخذته ؟؟ " . لكن التعبير الشعري كفيل بتمرير هذه الحفزة الإتهامية التي تلامس سويداء المعصية المختلجة في نفوسنا حين نتخيل فقدان أمهاتنا بلا سبب مبرّر، فقدان يشكل الحركة التمهيدية في لعبة شطرنج الحياة والموت التي تهيؤنا لتوضيب حاجيات الرحيل : (سبحانك يا رب !!

. أحقا أن عذاب جهنم

. أشدّ قسوة من عذابي

. حين تعذّر علي

. توديع أمّي ؟؟

. آه

 لو أن ساعي بريد الآخرة

. وضع الرسالة في صندوق عمري

. لا على وسادة أمّي – ص 14) .

ثم تتحول الحفزة التحرّشية المتسائلة في المظهر، والناقمة في الجوهر، إلى نقمة معلنة لكن محبّبة تحت أستار الأسى السوداء، يحاسب الإبن الشاعر الأم الفقيدة عن سبب خذلانها إياه، وباحتجاج طفلي هادر لا يرى الإبن المنهجر مبررا لوضعه المظلم هذا، حتى لو كان السبب بلوغ الأم الراحلة الفردوس بحاله . إن الإنهجار الذي يصحي القلق المكبوت القديم

 قلق الإنفصال علميا

 أو قلق الإنهجار فنّيا

 لا

 بل يفجّره كما هو الأمر مع يحيى

 تفجيرا يخلق غلالة غضب تحجب حتى أبسط الحقائق اللاهوتية عن عيني بصيرة الوعي، ولكن بصيرة اللاشعور اللعوب التي تعرف كيف ومن أين تأكل كتف اللذة حتى لو كانت في جحيم الثكلان تستعين بمآثر الفقيدة : (لم تكن أمي أنانية يوما

. فلماذا ذهبت إلى الجنة وحدها ؟

. وتركتني في جحيم الحياة ؟؟ - ص 22) . إن هذه التساؤلات شبه الإنكارية تحيلنا إلى أمر مهم يتعلق بما قلناه عن إنكار اللاشعور لفنائه الشخصي واعترافه بفناء الآخرين، والذي عبر عنه معلم فيينا بدقة قائلا : (إن الإنسان منذ القدم اتخذ موقفا متميزا للغاية إزاء الموت . فهو من ناحية كان يأخذ الموت مأخذ الجد ويدركه باعتباره ختاما للحياة وكان يستخدمه لهذه الغاية، ومن ناحية أخرى فإنه كان ينكر الموت ويرده إلى عدم . وقد نشأ هذا التناقض عن الظرف الذي جعله يتخذ موقفا تجاه موت إنسان آخر، أي موت إنسان غريب، يختلف اختلافا جذريا عن موقفه إزاء موته هو نفسه . لم يكن لديه اعتراض على موت الإنسان الآخر : فقد كان يعني فناء مخلوق مكروه، ولم يكن لديه أي تردد في إحداث هذا الموت . فقد كان – في الحقيقة – كائنا بالغ العنف، أشد قسوة وأكثر إيذاء من الحيوانات الأخرى . كان يجب أن يقتل، وقد كان يقتل بطبيعة الحال، ولا حاجة بنا لأن ننسب إليه تلك الغريزة التي يُقال أنها تكبح جماح الحيوانات الأخرى عن قتل وافتراس الحيوانات من نوعها (.)

 لقد كان موت الإنسان القديم بالنسبة إليه هو نفسه أمرا لا يمكن تخيّله وغير حقيقي تماما، كما هو بالنسبة لأي منا اليوم . ولكن كانت هناك بالنسبة إليه حالة يتصارع فيها الموقفان المتعارضان تجاه الموت، وكانت هذه الحالة بالغة الخطورة وتسفر عن نتائج بعيدة الأثر، وكانت تحدث حينما يرى الإنسان البدائي شخصا يمت إليه بصلة – زوجته، ابنه، صديقه، وهم الذين كان يحبهم بالتأكيد كما نحب نحن ذوينا . ذلك لأن الحب لا يمكن أن يكون أصغر كثيرا من الشهوة إلى القتل . عندئذ فإنه – في لحظات ألمه – كان عليه أن يتعلم أن المرء نفسه يمكن أن يموت، وهو اعتراف كان كيانه كله يتمرد عليه، ذلك أن كل واحد من أولئك الأحباء إليه كان – بكل صدق – جزءا من (أناه) المحبوب . ولكن – حتى رغم هذا – فإن حوادث الموت هذه – من ناحية أخرى – كانت لها مصداقية بالنسبة إليه، حيث أن شيئا ما من الغريب المعادي كان يقيم داخل كل من هؤلاء الأشخاص الأحباء) ** . وهذا الإقتباس الطويل نسبيا في غاية الخطورة، لأنه يكشف الأسباب الخفية التي تجعلنا لا نفكر بموتنا الشخصي رغم أننا نشاهد الآلاف من البشر يموتون يوميا . هذا كان حال جلجامش الذي كان يقتل الكثيرين كل يوم حتى اشتكى منه العباد إلى الآلهة، ولم يكن يفكر بالمثكل لحظة واحدة . حالة استثنائية يصحو فيها اللاشعور من غيبوبة سكرة الخلود ليصدم بيقظة فكرة الفناء هي عندما يموت عزيز استدخله في لاشعوره، فعند موت هذا العزيز ينخلع جزء من اللاشعور الشخصي، هذا ما حصل لجلجامش بعد موت أنكيدو، وهي الهزة الوجودية المرعبة نفسها التي أصابت كيان يحيى السماوي برحيل أمه، مع فارق أن حال السماوي أشد مرارة وخيبة، فالأول مات خله وصاحبه بين يديه، والثاني ماتت أمه وهو في المنافي، وبعد فراق عقدين . هذا الانخلاع القسري الذي سببه موت محبوب، لا يمكن أن يسلم به اللاشعور فورا وبلا مقاومة، لأن هذا التسليم يعني الإقرار الفوري بهشاشته الوجودية وبقابليته على الإنجراح . ولذلك لابد من أن يتم هذا التسليم – كآلية نفسية دفاعية defence mechanism - على مراحل تبدأ أولا بالإنكار – denial القاطع : مستحيل لا يمكن أن تموت أمّي : (الطيبة أمّي لم تمت

لازالت

. على قيد دموعي – ص 24) . ثم – وحين يدرك الشاعر أنه أينما يولّي وجهه فثمة وجه الموت : الحي الذي لا يموت – يأتي الإقرار المُذعن الذي لا تنفع معه التزويقات التخديرية الشعرية السحرية . في البداية يبقى رجاء مختلج حيث يخاطب الإبن أمه على " أمل " بصحوة مستحيلة : (أرجوك استيقظي لحظة يا أمي

 لأقول لك

. تُصبحين على جنّة – ص 33). وصيغة المخاطب – الضمير الثاني – تنطوي في مضامينها النفسية المخاتلة على معاني الديمومة والإنتصار على الموت، لأن اللغة بأكملها هي أعظم الأدوات التي اخترعها الإنسان في مقاومته المستميتة لقدر الفناء ومناجله الباشطة . هذا ما لم ينتبه إليه أحد سابقا . ولتوسيعه أقول إن كل ما أنجزه الإنسان ينبع أصلا من مخاوفنا الطفلية تجاه محنة "التلاشي"

تابع القسم الثالث من الدراسة

...........................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف تكريم الشاعر يحيى السماوي، الخميس 1/1/1431هـ - 17/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم