صحيفة المثقف

مبادئ الاستجابة الجمالية

كلما اتجه النظر نحو فكرة اعمق واشمل تخص الفنون كلما استشعر القصور واللاموضوعية في الاقتصار على مادة فنية واحدة . وفي ضوء السعي نحو فكرة جمالية عامة فانه يكون باديا قصور الاقتصار على احدا لفنون، كاللغوية مثلا . وربما يكون من الجائز التساؤل عن انظمة جمالية موحدة للفنون اذا ما كانت الاجابة إيجابية فيما يخص سؤالا يمهد الارضية نحو هكذا فكرة . السؤال هو فرع فكرة ان العامل المشترك بين الفنون هو الاثارة ، اذ يمكن بحث باقي العناصر على انها عناصر اختلاف الا الاثارة فانه لا يمكن الاختلاف في انها عامل مشترك في الفنون باعتبارها اعمال ابداعية . في ضوء ذلك يكون السؤال (هل ان الاثارة التي تحصل لنا ازاء الاعمال الفنية ترجع الى نقاط موحدة في المجال الشعوري والفكري للإنسان ام انها مختلفة ؟) طبعا الوجدان والعلم بل والممارسة الخبروية تؤكد محدودية نقاط الشعور والاثارة فينا، اذن يصح افتراض رد الاختلاف الخارجي الى مشترك داخلي، وبذلك يكون لدينا واسط حقيقي يكون كاشفا عن عناصر الجمال الخارجية ونقاط الاستجابة الداخلية، اذن يصح افتراض وجود ثلاث مجموعات من العناصر المكونة لعملية التذوق الجمالي عناصر العمل الفني ، عناصر الاستجابة الجمالية وعناصر الوسط الجمالي، ويمكن فهم العملية على ان المجموعة الاولى من المركبات الجميلة وان الثانية هي مركبات الاستجابة والثالثة اي عناصر الوسط محفزات من جهة الطرف الخارجي ومستقبلات من جهة الطرف الداخلي . التباين الكبير في المركبات الجميلة ينتهي الى عدد محود ومشترك من المحفزات والتي لها مستقبلات محدودة وعنها مركبات استجابة محدودة ايضا .

من الواضح ان هذا الفهم يشتمل على واقعية ظاهرة مصدقة بالوجدان والعلم، ويكون البحث في كل من المجالات الثلاث مثمرا دوما واختصاصي ايضا، والبحث والاكتشاف في كل من تلك الجوانب يؤدي الى ثمرة مختلفة . فتطوير المعرفة بالعناصر الجميلة يمكن من قدرة اكبر على اعادة انتاج الجميل ، والتطوير في مجال الاستجابة يمكن من قدرة اكبر على التدخل في تطوير الاستجابة وتشخيص ما هو غير طبيعي ، والتطوير في مجال عناصر الوسط يمكن من انتاج محفزات ومستقبلات اكبر.

بعد وضوح امكانية فكرة المشترك الجمالي، ورجوع التنوع الظاهري للأشياء الجميلة الى مشتركات في مجال استجابتنا لها والعناصر الوسطية بين كل ذلك . ان اهم واوضح ظاهرة تشخص القصور في استفادة احكام عامة من البحث المقتصر على مادة فنية واحدة كاللغة او الرسم مثلا، ان ما يبدو للعيان ان هناك نوع من العمل الفني احادي البعد، ساكن في البعد الاخر كاللغة الزمانية اللامكانية، والرسم المكاني اللازماني، طبعا الكلام هنا من حيث المادة بذاتها، لكن لدينا فنون زمكانية كالتمثيل، فلا ريب جمعها للزماني والمكاني، ويكون غير محكوم بما يمكن ان يستخلص من الزماني او المكاني المنفرد . السؤال الاهم هنا (هل عملية الاستجابة الجمالية عملية زمانية ام زمكانية؟ )، طبعا من الظاهر انها زمكانية، سواء من حيث التحليل للظاهري او من حيث استراجاع المدرك وتخيله، اذن فمقولة ان اللغة تعكس نظام التفكير تكون في المحك وتعاني حرجا في الاثبات، ويكون الاصح ان الفنون الزمكانية أي المكاني المتطور في الزمن، كالتمثيل، هو الصورة الخارجة الاصدق المقاربة لعملية التفكير والاستجابة الجمالية ، بحيث يمكن تمثيل عملية الادراك بانها صورة متتالية كالشريط السينمائي .

هذا الفهم يمكن ان يكون مدخلا نحو فكرة جمال عرفية وجدانية، مدعومة بمظاهر فسلجية علمية، تكون اقرب للواقع واصدق في تمثيل الاستجابة الجمالية .و لا يبقى العنصر الجمالي متذبذبا بين الشكلي او المعنوي او ما هو داخل العمل الفني او ما خارجه، وانما تكون لدينا جهات بحث وميادين تصدق كل فكرة واقعية في مجالها وان كانت تخالف غيرها، فيرتفع التناقض فيما كان يعتقد انه متناقض، لتعدد ابعاد التجربة الجمالية وتجلي ميكانزما للاستجابة الجمالية . هذا المنهج العرفي الجمالي يبين انه لا تناقض بين القول بالجمالية الداخلية وبين القول بالجمالية الخارجية، بل يؤكد ان تلك النظريات تشامل على مواطن للصحة ويمهد نحو نظام علمي عام وشامل موحد لفكرة الجميل والجمال .

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم