صحيفة المثقف

هكذا تكلَّم أوباما!

jawad albashiهذه المرَّة، أراد الرئيس أوباما أنْ ينأى بلسانه عن لغة الدبلوماسية، وأنْ يتكلَّم صراحةً ومباشَرَةً وفي وضوح عن الأبعاد الحقيقية لِمَا تشهده السوق النفطية العالمية الآن من انهيار كبير، سريع، ومتسارِع، في اسعار النفط، فقال، في مقابلة إذاعية، إنَّ هذا الانهيار كان "قراراً سياسياً"، يستهدف إضعاف الاقتصاد الروسي الذي يعتمد بنسبة 50 في المئة على عائدات النفط، ولا يمتُّ بصلةٍ إلى ما يُزْعَم عن رغبة لدى دول من "أوبك (يقصد السعودية)" في مواجهة خطر تنامي إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة؛ وكان وزير النفط السعودي قد أكَّد، غير مرَّة، أنَّ هذه "المواجهة" هي السبب الكامن في قرار السعودية (غير المُعْلَن) تَرْك سعر برميل النفط يتهاوى.

كان "قراراً سياسياً"، على ما اعترف الرئيس أوباما، ولم يكن شأناً اقتصادياً صرفاً، أو نتيجة موضوعية مترتبة حتماً على فِعْل قانون "العرض والطلب"؛ وقد قَوَّم الرئيس أوباما عواقبه قائلاً: "كانت له (للقرار) مساهمة كبرى في التَّصدي لعدوان الرئيس الروسي بوتين على أوكرانيا (ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، و"غزو" روسيا شرق أوكرانيا).. ويُفْتَرَض الآن أنْ يتأكَّد أنَّ ما فعله بوتين كان خطأ استراتيجياً".

المرشَّح الرئاسي الجمهوري السابق جون ماكين لم يُرِدْ لهذا "الإنجاز" أنْ يُسجَّل باسم الرئيس الديمقراطي أوباما، وأنْ تبدو المعاناة الاقتصادية لروسيا (وإيران) على أنَّها ثمرة جهد إدارته الديمقراطية، فقال: "إنَّ على الولايات المتحدة أنْ تشكر السعودية وإيران على ما بذلته من جهد لخفض اسعار النفط، وللتسبُّب، من ثمَّ، بهذا الضرر الذي لحق بالاقتصادين الروسي والإيراني"؛ ومن قبل، كان الرئيس الروسي نفسه قد تحدَّث عن "مؤامرة" مشترَكَة للسعودية والولايات المتحدة، تستهدف "إخضاع روسيا وإيران (من طريق تَرْك سعر النفط ينهار) واعِداً بالتَّصدي لهذه "المؤامرة"، التي، رسمياً وعلنياً، تُنْكِر الرياض وجودها، محمِّلةً دولاً منتِجَة للنفط في خارج "أوبك" مسؤولية الفائض النفطي في الأسواق، وانهيار أسعار النفط مِنْ ثمَّ.

كان بوتين، في استراتيجيته الأوكرانية ـ الأوروبية، يتوقَّع أنْ تتمكَّن روسيا من مقاومة الضغوط الغربية المتوقَّعة، من طريق "النفط الروسي الرخيص"، أيْ من طريق بيع النفط الروسي بسعرٍ يقلُّ عن سعره العالمي المرتفع ("المرتفع" بحسب توقُّع روسي قديم). لقد دُمِّر الآن سعر النفط عالمياً، فاحترقت "ورقة بوتين"، ورقة "بيع النفط الروسي بسعر يقل عن سعره العالمي المرتفع ("المرتفع" توقُّعاً؛ وقد خاب هذا التَّوقُّع الآن).

وما يزيد الطين (الروسي) بلةً أنَّ روسيا تَجِد صعوبة كبيرة في تنسيق "حملتها المضادة (الافتراضية حتى الآن)" مع الصين؛ لأنَّ لهذا الجار الاستراتيجي لروسيا، والذي هو أكبر مستهلِك للنفط في العالم، مصلحة واضحة جلية في هذا الانهيار لسعر النفط العالمي؛ كما أنَّ روسيا لا تستطيع إغراءه بإحلال سلعه محل السلع الأوروبية في أسواقها الاستهلاكية؛ لأنَّ احتياطاتها من النقد الأجنبي (ومن الدولار على وجه الخصوص) تنفد بسبب العقوبات الغربية وانهيار أسعار النفط. يُضاف إلى ذلك أنَّ الاقتصاد الصناعي الصيني يَجِد صعوبة في النمو؛ وإنَّ من شأن رخص أسعار النفط أنْ يساعد الصادرات الصينية من السلع الصناعية الاستهلاكية إلى الأسواق العالمية والغربية في النمو.

الولايات المتحدة تتوقَّع أنْ تتصرَّف "روسيا بوتين"، أوكرانياً وأوروبياً وفي الشرق الأوسط، بما يؤكِّد جنوحها لـ "الاعتدال"، الذي يشبه أنْ ترفع موسكو "الراية البيضاء"، أو بما يَحْملها على إبداء "مزيدٍ من التَّشدُّد"، الذي يشبه "المغامرة غير محسوبة العواقب"؛ أمَّا السعودية القلقة من كلام الرئيس أوباما عن "الدور الإقليمي المهم لإيران"، ومما تبديه واشنطن من إصرار على التَّوصُّل إلى "الاتفاقية النووية طويلة الأجل" مع طهران، فتتوقَّع أنْ يُتَرْجَم إضعاف الاقتصاد الإيراني بإضعاف إيران تفاوضياً (في المفاوضات النووية) وسياسياً، فلا تحصل إيران على جُلِّ ما تريد الحصول عليه من طريق تلك "الاتفاقية"، ويتراجع وينكمش نفوذها في سورية والعراق ولبنان واليمن.. وفي بعض دول مجلس التعاون الخليجي؛ ولكن، ألا يمكن أنْ تتحالف موسكو وطهران، وأنْ يَظْهَر "داعش (روسي ـ إيراني)" في مياه مضيقيِّ هرمز وباب المندب، وأنْ تَخْرُج إلى الوجود "أوبك" جديدة، لا مكان فيها للسعودية، وأنْ تُغْرى الصين بالانضمام إلى هذا التحالف من طريق تسعير النفط الروسي والإيراني والفنزولي.. بعملتها (اليوان)؟!

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم