صحيفة المثقف

من أين تحصل داعش على المال؟ وكيف تغري الملتحقين؟

hamoda ismaeliلا يمكن لأي نظام ـ بعيداً عن التأثير الأيديولوجي ـ أن يستمر دون دعم عسكري، وحسب فكرة حنة أرندت Hannah Arendt عن المجتمع، فحيث تكون السلطة ـ لا يكون العنف ـ طالما أن المجتمع يخضع للسلطة : والتي تتمكن هنا من السيطرة على الوضع. لكن ما أن يبدأ المجتمع بالتطاول والتمرد على النظام تختفي "السلطة" ليظهر مكانها العنف، فالسلطة تتلون أو تتغير انطلاقا من نوعية الواقع الاجتماعي، هي ك"سلطة" في ظل الهدوء أو الخضوع، تصبح ال"عنف"، حيث السلطة والعنف لا يجتمعان: إنما يخلي أحدهما المكان للآخر؛ كعملة تدور لتكشف عن الوجه الآخر منها. أي السلطة تحكم بظل الخضوع وتقبّل المجتمع لها كسلطة، أما في حالة العكس فتمارس عنفاً طالما أنها لم تعد سلطة، لتستعيد دور "السلطة" المختفية/المزاحة عبر التمرد.

بالنسبة لداعش، كتنظيم ينحو نحو نظام، أي تنظيم/حزب سياسي يسعى ليكتمل كنظام، فإنه يعتمد في هذه العملية على العنف، حتى تتمكن السلطة من أخذ الدور، بعد أن ينتهي العنف من مهمته، فيخلي المكان للسلطة : كنظام إسلامي يحكم سياسيا منطقة جغرافية محددة، أي الدولة.

لكن العنف يعتمد على مؤسسة عسكرية، مقاتلين، والمقاتلين بدورهم يحتاجون للدعم الاقتصادي، فالانسان حتى بظل عدم ممارسته لأي نشاط يتطلب مجهود، فإنه مطالب بحاجيات بيولوجية واجتماعية، فما بالك بمن يلتزم بدورٍ في حرب. داعش لم تكن لتستمر كتنظيم إرهابي : يعتمد الحرب والصراع كممارسة سياسية، دون ليس فقط دعم عسكري، بل دعم اقتصادي بالأساس، حيث يتم استقطاب المقاتلين عبر توفير احتياجاتهم الخاصة وأكثر، فلو تم الاعتماد على الأيديولوجية فقط، لمات الملتحقون جوعاً !

هنا ينفتح سؤال حول المصدر الاقتصادي الذي يضخ الدم في الجسد الداعشي؟ ومن خلاله (المصدر) توفّر (داعش) متطلبات الملتحقين، للعمل على تحقيق المشروع السياسي.

كجماعة منفصلة عن تنظيم القاعدة بالعراق، تمكنت هذه الجماعة من السيطرة على الرقة بسوريا ـ خلال الأحداث الدموية السورية، منتهزة فترة عدم الاستقرار السياسي ـ بشهر يونيو من سنة 2013؛ بعدها بسنة امتدت سيطرتها من هناك لتصل الموصل بالعراق، لتعلن عن مرحلة تحول الجماعة من تنظيم إلى نظام يأخذ شكل "دولة" إسلامية، تقع على حدود الدولتين العراقية والسورية.

وبعد الموصل بأربعة شهور ـ أي سبتمبر بنفس السنة ـ وصل عدد الملتحقين بالنظام ل30،000 ألف، نصفهم مقاتلين أجانب، يصل المبلغ المدفوع لكل واحد منهم ل400 دولار في الشهر، كما ذكرت المصادر الصحفية.

إن ما يفسر هذا الانفجار العسكري لداعش، عبر الاغراء الاقتصادي للملتحقين (غالبيتهم ليس لديهم أي دور اجتماعي فاعل أو يعانون من الإهانة واللامبالاة الاجتماعية)؛ هو سيطرة التنظيم على حقول النفط بالمنطقة (بين سوريا والعراق)، الأمر الذي مكّنها من فتح سوق سوداء لبيع النفط بثمن بخس، حيث تصل أرباح ذلك لما يقارب 3 ملايين دولار باليوم. إضافة إلى عمليات السرقة والابتزاز والمطالبة بفديات لتسريح الرهائن، الأمر الذي وصلت عائداته لحوالي 20 مليون دولار السنة الماضية.

أمام هذا االنمو الاقتصادي، العسكري ـ في شكله السريع ـ والذي بات يشكل تهديداً على أمن منطقة الشرق الأوسط، وخطراً يستهدف العالم؛ ارتأى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى وقف إمدادات النفط كسبيل للقضاء على التنظيم، وذلك عبر استهداف مصادر النفط والغاز بالقصف الجوي، العمليات التي انطلقت منذ شهر سبتمبر من سنة 2014.

وبين: التنظيم الذي يبدو مكتفيا ماديا ـ وقادرا على تمويل نفسه عسكريا، مستمرا في إغراء أتباعه بالجنس والمال والفردوس الغيبي ـ والتحالف الدولي المُصرّ على اجتثات الإرهاب من المنطقة ـ خوفاً على مصالحه الاقتصادية والسياسية ـ فإن المعركة لا تزال مستمرة..

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم