صحيفة المثقف

ملامح الرسالية الادبية ..علاء الاديب وكريم عبد الله نموذجا

تمهيد: كان ولا يزال وسيقبى الاديب العراقي بحرا يفيض بالرسالية والمعاني الانسانية، حتى انه يمكننا القول ان تلك الرسالية امر ملازم لشخصية الاديب العراقي، وكأن طينته المعجونة بتلك الرسالية. وهذا طبيعي للعراقي، فالعراق قد اعطى الانسانية الكثير والكثير وخط على لوحة الزمن ابرع الصور واكثرها رقيا ، وله بصماته المؤثرة ليس على الوجود العربي والاسلامي فقط بل على الانسانية واهل الارض جمعاء.

من المحزن ان يتعرض هكذا بلد نبيل ومعطاء الى فصل ظالم ومظلم طويل يمتد قرابة نصف قرن من التدمير المستمر الممنهج والوحشي، وكأن العالم ليس له شعل الا تحطيم هذا الصرح الشامخ . ان العالم المعاصر يتحمل المسؤولية كاملة عما طال ويطال العراق والعراقيين من اذى،و لم يتحمل مسؤوليته الواجبة عليه تجاه العراق .

هذا الالم العميق الذي بلغ المدى في الجرح العراقي لم يترك مساحة للابتسامة على شفاه العراقيين ولم يترك لهم باحة من البهجة، ليس هنا سوى فصل رهيب من الموت والدمار،

العراق اليوم يغرق في الموت والدمار والانسانية لا تجيد الا زيادة المه و اللعب على جراحه لأجل مصالح وقتية .

 

الرسالية الادبية

ما عادت في ظل هذا التغير الكبير الحاصل في وعي الانسانية والاتجاه نحو التشبث بالانتماء والاعتداد بالهوية في قبال رياح العولمة الثقافية، ما عادت فكرة الفن الرومانسي والبوح الذاتي امرا يجلب الحماس، بل ما نراه من اتجاه نحو تمثل الواقع والامة هو الذي يسلب مراكز الاولوية في الثقافة والادب المعاصر . هكذا تغير في فهم الفن والجمال لا يعني انه ينطلق من فهم تعبوي للعمل الابداعي، بل يمثل وعيا عميقا بحقيقة الابداع عموما والكتابة خصوصا، فأخذت الرسالية والقضية والموقف تحتل مكانة متميزة في الكتابات المعاصرة . من هنا امكننا القول وكما اشرنا كثيرا الى دخول التجلي الرسالي في نظام الابداع، و اعتبارها ركنا من اركانه .

الرسالية الابداعية اما ان تكون جمالية تتمثل بالابتكار والتطوير او جماهيرية تتمثل بتمثل الامة والانسانية، ومقدار التمثل والوعي به وتجليه يحقق درجة متقدمة في جانب من جوانب الابداع . تمثل تطلعات الامة والمها هو الرسالية الوطنية .

 

الرسالية الوطنية

رغم ان النقد الثقافي لا يقدم حلا حقيقا لفهم الابداع، الا انه يشير وبصدق الى تأثر الكتابة بالوعي الانتمائي والفكر المجتمعي العام، ولا يعني ذلك جواز فهم النص على انه انعكاس لثقافة المجتمع او موطنا لانساق ثقافية، وانما يعني ان تمثل ما ينتمي اليه الكاتب من ثقافة وامة يضرب عميقا في وعيه وكتابته، وربما يكون احيانا الجوهر المشع الذي تشكل بفعله النص او ادب الكاتب كله . ان الحساسية العالية والرؤية الواضحة والتطلع نحو الافضل المترسخ في نفسية الاديب تدفعه وبقوة الى ان يكون صوتا صادقا في التعبير عن الامة، في ظل الحرية الفكرية طبعا، ويصبح حقيقة لا لبس فيها لأجل تبين ملامح المجتمع الذي يعيش فيه . ان الشعر كان ولا يزال صوت اعتراض وطلب للخلاص، انه تمجيد للحرية السامية والوجود الافضل، ما عاد الفن عموما والادب خصوصا مكان ترفيه وتعبير وجداني بسيط، انما هو في كل جهاته رؤية وموقف ونداء، انه نداء صادق وخالد ، وحينما يمتزج هذا الصوت بحلم الامة ويتمثل تطلعاتها فانه يكون رسالة شفيفة الى العالم والاجيال .

 

الملامح الفنية للرسالية الوطنية في الادب

من المهم التاكيد ان الرسالية تتطلب بوحا، بمعنى اخر تتطلب توصيلا، ولا يعني ذلك ان يكون التعبير بتراكيب لغوية مباشرة بحجة البوح والتوصيل، وانما يمكن ذلك بالتعبير الفني العالي، وهذا سر اللغة القوية التي تبوح بالكثير مع الفنية الادبية العالية، البوح التوصيلي كما يمكن بالتعبيرية العالية ، يمكن ايضا بالرمز والايحاء بل ان من تجليات اللغة البوح الايحائي، كما ان الخيال ميدان خصب للبوح الرسالي .

ان الرسالية الوطنية الادبية يمكن ان تتنوع بتنوع الاجناس الادبية واصناف اللغات الفنية، وبتنوع الموروث الاجتماعي والابعاد الحضارية والثقافية للمجتمع، لذلك يمكننا القول اننا في مجال (الرسالية الوطنية الادبية) لدينا عدد هائل بل غير محدود من الاشكال اللغوية، يمكن تصورها اجمالا بشكل انظمة مركبة تصنف حسب جنس الكتابة من شعر وقصة ونحوهما او حسب صنف اللغة من مباشرة ورمزية وغير ذلك او حسب المكونات الاجتماعية الفكرية والثقافية والمادية .

 

الرسالية الوطنية الادبية باللغة التعبيرية

نجد من بين الدر العراقي المنثور في ذلك الفضاء الفسيح فارسا تعبيريا يسطر ملحمة التغني بصفات هذا البلد الرفيع فيقول صاحب الكلمات العميقة واللغة التعبيرية علاء الاديب (عراقي انا اسمر \ومنذ ولادة التأريخ لم أقهر \ولم أكسر \دمائي بحر اطياب \وانفاسي شذا عنبر \وقلبي فيه متسع \لكلّ الناس بل أكثر)

العراق هو، انه الاسمر، هنا تتوهج التعبيرية في تقديم الانتماء وتاخير المتكلم (عراقي انا) ثم يردفه بصفة متجذرة في هذا الشعب انه اسمر، انه اسمر حد النخاع الذي وجد التاريخ وهو اب التاريخ وامه، ابدا لم ولن يقهر، انه وريث جلجامش وحمورابي، انه الذي لا يكسر، انه مصنوع من الطيب دمه وطينته، انه ابن دجلة الفرات العظيمين ، بل وجوده كله طيب، كجنائن بابل المعلقة ، لن تجد فيه شيئا من الرائحة غير العنبر ، انه مدينة رحبة محبة يسع الجميع، هنا تتجلى صورة الكرم الرفيع والعطف الرفيع والطيبة الرفيعة التي يتصف بها العراقيون ، وفي بيت له ايضا (قف للعراق تحيّة وسلاما ......كاد العراق بأن يكون إماما ) فيبلغ اقصى درجات التغني والتمجيد انه انتماء بلا حدود انه الذوبان الاسر حد التلاشي، انه زهو وفخر له ما يبرره ويدعو له .

 

الرسالية الوطنية الادبية باللغة التجريدية

نجد فارسا وطنيا اخر الا انه بلغة اخرى، انها اللغة التجريدية يبوح بلغته العالية، انه كريم عبد الله، سيد الكتابة التجريدية المعاصرة بلا منازع، يقول (كلّما تعزفُ السماء برذاذِ الخذلان ../ أدخلُ في زجاجةِ الصقيع ../ مقروحٌ يساورني حلماً يتلصصُ .....\الأرضُ العانس تتلمسُ أجساداً تتسلّقُ واجهة الموت ../ عيونٌ زجاجيةٌ مِنْ خلفِ الصقيعِ ترنو ../ وقناصٌ أرعنٌ يتدفأُ بسيلِ رشقاتٍ على وجهِ التاريخ) انه يتمثل العراقي الذي مسه البرد، من نازح ومهجر وفاقد ومحزون ومتألم، انها ملحمة العراق الجريح المبكي، الم طويل، ومن هناك تعزف السماء اغنية هي فرحة راس السنة لغير العراقيين الا انها الم مر وصقيع حارق لهم، انه الصقيع السجن الذي لا فرار منه، اين يذهب العراقي الذي خذله كل شيء حتى البرد، لقد فقد العراقيون كل شيء يتوسدون الارض، فصاروا لوحة عظيمة للموت الكئيب، هنا نحن بعيوننا الجميلة البريئة الطفولية نتطلع للخلاص وهناك في الجانب الاخر لا شيء سوى الذئاب والاعداء والمفترسين، يقتنصون الخبز والخيرات لا شيء هناك في الجانب الاخر سوى المتفرج الوقح انه العالم القبيح .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم