صحيفة المثقف

دور الفراغ في الفنون التشكيلية

khadom shamhodالفراغ في حياتنا البشرية نعمة من نعم السماء ولولاه ما كان احد يمشي الهويدا على الارض وهو عنصر جدلي وله معاني ومصطلحات كثيرة ووظائف و منافع مدروسة ففي اللغة له معنى وفي الدين له معنى وفي الفن والادب له معنى آخر ..

من الناحية الدينية ليس هناك فراغ في الكون ابدا (والسماء ذات الحبك) وفي حياتنا الدنيوية الفراغ يحاسب عليه الانسان كيف ضيعه وفرطه .. (نعمتان مجهولتان، الصحة والفراغ) .. وفي اللغة ان الفراغ يعني الوقت الفائض بعد خصم الوقت المخصص للعمل والنوم والظرورات الاخرى ويعني ايضا الخلاء (واصبح فؤاد ام موسى فارغا) اي خاليا من الصبر ..

642-khadom

وفي الادب قال احد الادباء المعروفين انيس منصور (ان الاجيال الجديدة تستطيع ان تملئ الفراغ في الادب والفن اذا اعطوا الكبار فرصة للظهور ..) وبعض الادباء اعتبر السفسطة نوع من قتل الفراغ حيث جدلا لافائدة فيه .. والفراغ في العمارة و المجسمات عنصرا مهما لابد منه ويشكل جزءا من عناصر العمل المعماري او النحتي .. وقد قامت المدن والحضارات بعد فراغ سابق .. والفراغ عند الفانانين جياكوميتي وهنري مور جزء من المنحوتة وبدونه لا يمكن رؤيت العمل الفني ..

وفي الفن التشكيلي يمثل الفراغ - وهم العمق - فالفراغ الفيزيائي في الرسم ثنائي الابعاد لهذا على الفنان انتاج- وهم العمق - .. بمعنى ان اللوحة لها ابعاد طول وعرض وسطح وان الفنان عليه خلق البعد الثالث وهو الوهم .. ولهذا فان افلاطون حكم على ذلك بالخيال الكاذب .. والفراغ هو ما يحيط العناصر والحجوم في العمل الفني الذي يوحي بالعمق

و في المصطلحات العامة ان الفراغ يعني التحرر من العمل فهو حق وواجب كي يشبع الانسان حاجاته النفسية والاجتماعية (ساعة لعملك وساعة لربك وساعة لنفسك وساعة لاهلك) ..

ولكن لب الموضوع الذي نبغي طرحه هو ظاهرة الاعمال الفنية التي تعرض اليوم في متحف الملكة صوفيا في مدريد 10/1/ 2015 والتي نراها فارغة وخالية من اي عنصر من عناصر التشكيل .. بمعنى انها سطحا ابيضا صامتا لا اقل ولا اكثر .. ولهذا نجد سرا غامضا يبدو عند بعض الفنانين و شاذا وغريبا .. وقد يكون تنوع في الابتكارات غير المألوفة . او فلسفة غير مرئية . وقد يشعر الانسان احيانا في احباط لما يشاهده من هذه المنتجات الفنية التي تعرض كقوالب مستحدثة لم تألفها العين والذوق في مسيرة تاريخ الفن ..

ولو نظرنا الى اعلام الفن الحديث وحتى اكثرهم تطرفا لم نجد في مقدورهم من عرض لوحات فارغة بشكل كامل فلابد من ان نجد هناك عددا من الرموز الظاهرة هنا وهناك على سطح اللوحة امثال خوان ميرو وانتونيو تابيس وغيرهم من اصحاب المذاهب الذهنية والصوفية .. وحتى بول كلي الذي كان اكثر تطرفا في تكويناته وتأملاته لم يعرج الى السطح الصامت المغلق الذي لا يقول شيئا ...

ان الحركات الفنية الحديثة قد استفاد بعضها من البعض الآخر وكان ذلك من شأنه ان يمدها بطاقة ابتكارية جديدة تدفعها قدما الى الامام . غير ان هناك بعض الحركات او الاساليب لم تستمر طويلا وانهارت فجأة رغم ان الاعلام قد طبل لها و زمر ونشرت عنها الكتب ولكنها بقت عائمة على السطح لاروح فيها ولانفع كالزبد .. (فاما الزبد فيذهب جفاء..) ..

و قد نفسر هذه الاعمال الصامتة بان الفنان قد رمى الكرة في معلب المتلقي كيمتحنه في التأؤيل وو يدفعه الى التأمل ولكي يرى ردود افعاله الوجدانية .. وهو ما يأخذنا الى قول ابو حيان التوحيدي الفيلسوف والمتصوف العربي 922 م . من ان الجمال اما ينطلق من العمل الفني المنجز المحسوس او من روح المتلقي المشاهد .. . كما يذكر ان دافنشي 1452 م اشار الى النظر الى الجدران المتآكلة والتأمل فيها حيث توحي بصور واشكال غريبة .. ولهذا نجد انفسنا في حيرة من ادراك وتأمل هذه الاعمال الصامتة .. وقد يكون هناك تعمد من جهات تنتفع من وراء ذلك في خلق الفوضى في الاتجاهات الفنية وتسقيطها من كل القيم الجمالية والفكرية ...

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم