صحيفة المثقف

جمال مصطفى يسعى الى نقاء الجملة الشعرية بعيدا عن التقليد والمحاكاة

احيانا تختصر الجملة الشعرية بمفردة او كلمة تستمد حضورها وتأثيرها في القصيدة من الكلمات والجمل التي تعقبها لتشكل بمجموعها جوا شعريا بعيدا عن المألوف والمكرر والشائع والشاعر الرائع جمال مصطفى من الشعراء العراقيين القلائل الذين يتقنون تلك اللحظات التي تحفز على قراءة القصيدة واعادة القراءة لمرات ومرات لتنفتح له مغليق تلك الجمل الشعرية القصيرة ذات الايحاءات المتشعبة بدون ملل .

صورة تذكارية (مع مالك):

حزينا ً في الضحضاح ِ بلندن َ

وعلى ساق ٍ واحدةٍ

يعـبرُ النهرَ

البطُ المتأخرُ عن سربه ِ

راكضا

في الشِقّ الورديّ

يغيب ُ ويظهرُ ـــ سبع َ دقائقَ

في الجَنّة

هذه النص ربما يختصر الكثير من الكلام عن سعي الشاعر للعب بالكلمات والاختصار الذي يصل حد الغموض في الكلمات والجمل بطريقة تجعل منه شعرا مميزا بعيدا عن التقليد او محاكاة الاخر من ناحية الاسلوب او البناء الشعري في القصيدة .

او

فواحة

هذه الوردة الأصطـناعية

وضد الذبول

بين الزبائن

من قصيدة الهايكو

والوردة الاصطناعية بطبيعة الحال ليس فيها عطرا من اي نوع يشبه عطر الورود ولكنها فواحة بشعر جمال مصطفى وضد الذبول .اذن هي وردة حقيقية ولكن ينقصها العطر لتكون وردة خالدة .

او"

أنثى في الرخام

ها هي بَعْـدَ لأي ٍ تتعـرى

وها هو يُـقبـّلها

يعود كما جاء -

جزيرة حصاها لؤلؤ

لا يـراه إلا السابحُ إليها

منتصف الليل

غيمة تقضم البدر هلالا ً

بعد هلال

مستلقيا ً

يحلم بالقمة

على السفح

وبقليل من التركيز نلاحظ تقابل تلك المفرادت في مقطوعة صعيرة تقول اشياء لا حصر لها تحفز على القراءة واعادة القراءة لتمتلك عالم القصيدة او عوالمها التي تبدو غامضة رغم وضوحها .الحصى واللؤلؤ البدر والهلال والقمة السفح وهي كلمات مفهومة وواضحة ولكنها في شعر جمال مصطفى لها دلالات متشعبة وعوالم مغلقة ومنفتحة تشكل بمجموعها عالم القصيدة السحري بايحاءاته غير المحدودة والتي تتجاوز احيانا محاولات ضبطها داخل القصيدة او اثناء القراءة مما يدفع القاريء الى اعادة قراءتها او تكرار قراءتها للوصول الى تلك العوالم الشعرية التي تنطوي على الغموض والسحر .

قبل ما يزيد عن عشرة سنوات صدر للشاعر جمال مصطفى ديوان شعري بعنوان :"امطار بلا سبب" كتبت عنه مقالا مطولا في جريدة القدس العربي الصادرة بلندن . والاحظ الان الفرق بين قصائد الديوان والجمل الشعرية لقصائده التي امتازت بطول جمله الشعرية لحد عدم امكانية ضبطها وملاحقتها اضافة الى ان بعضها غير متسمة بالنضج واعتباطية وليس لها دور واضح في القصيدة وبين قصائدة الجديدة المتسمة بالانفتاح ومغادرة الجمل الشعرية الطويلة والملتبسة التي تبدو احيانا بدون معنى .

ويمكن في كل الاحوال اعتبار قصائد الشاعر تجريبية في عمومها وخصوصيتها سواء في ديوانه "امطار بلا سبب" او في قصائدة الاخيرة التي تؤشر لشاعر له مكانته بين شعراء جيله الثمانيني الذين يمكن ان يقال بحقهم بانهم اخر الشعراء العراقيين الذين يعتد بهم بعد ان انحدار الشعر بشكل عام الى مستويات بائسة .

 

قيس العذاري

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم