صحيفة المثقف

الحالة على القماشة .. حيث اللوحة معلقة على الجدار

651-aliقبل أيام قليلة وبفضاء ثقافي بتونس العاصمة التقيت عددا من المثقفين والمبدعين حيث كان الحديث عن تقلص الفضاءات المنتجة للفن والعروض الثقافية والفنية بالعاصمة مقارنة بفترات الستينات والسبعينات والثمانينات .. ولمست في ما دار من حيث بين الحاضرين من شجن وحسرة رأيت شخصيا أنها ملفتة للبحث والسؤال والدراسة السوسيوثقافية ..

المهم انتهى اللقاء الخاطف ولكنه ترك لدي شيءا من اللوعة التي سريعا ما تغمدتها بمنسوب التفاؤل الكامن في والذي يعرفني به الأصدقاء ونشطاء الحقل الثقافي والاعلامي .. " من زمان " كما يقول الصديق الروائي حسونة المصباحي وأيضا الشاعر الجنوبي والصحفي نور الدين بالطيب ..

هممت بالمغادرة صحبة الفنان علي الزنايدي وقبل أن نفترق كل الى طريقه للبيت قال لي سيد علي" .. يا شمس أنا الآن بلغت في علاقتي المحترفة بالرسم أربعين سنة .. هيه نعم .. انها السنوات تقفز كالأيائل .. المهم بالمناسبة سيكون لي معرض أعد له من الآن

نعم .. أنا أرسم منذ الطفولة ولكن للتجربة والوعي بها سن أخرى حقيقية .. " .. و مضى الزنايدي في سرد حديث الذكريات والذكرى وشيئا من تفاصيل الرحلة والمسيرة .. العائلة .. الساحة الفنية .. الدراسة . الفن والمعارض ونوادر وطرائف حافة بكل ذلك .. لقد كان طفلا كبيرا .. في النظر والنظرة وايقاع الكلام ..

ما أعرفه أكثر عن علي هو حبه العميق للرسم ولوالدته التي يرعاها كما يرعى طفلا صغيرا .. و الألوان .. و المدينة العربي

و هكذا ..

نعم ان الألوان تتكلم لتقول .. بل تصرخ نشدانا للعين لترى ما به يصير المشهد عنوانا باذخا من عناوين الابداع والامتاع في تجليات شتى يلونها السحر والشجن المبثوث بين التفاصيل والأجزاء ..

ان الفنان يظل يسابق الرياح للقبض على المعاني وكنهها الانساني والوجداني وألوانها الملائمة في حيز انساني يتسم بالتعميم والتعويم ونثر الضباب لتقليص البون بين الحالة والآلة .. نعم الفنان يمضي ديدنه الكشف ومساءلة العناصر والموجودات نحتا للقيمة وتثبيتا لما نسميه السمو .. انه السمو بما هو ساحر وجميل وفاتن وهام في حياتنا التي يقف على أرضها المبدعون .. الفنانون الذين لا يقنعون بغير النظر تجاه الشمس نشدانا للعلو وللقيمة .. أليست الشمس مهد الكلمات .. و الكلمات لباسها الألوان والأصوات والحلم ..

من هذا الباب الذي سميناه الحلم .. ألج عوالم أحد هؤلاء الفتية المأخوذين بالفن بما هو الحلم الذي تتعدد تيماته .. حيث البساطة التي تصول وتجول في الدروب .. الشوارع والأحياء والمدن .. و البساطة هي أصعب أعمال الفنان ..

الفتى هو الفنان الكبير علي الزنايدي الذي اتخذ لفنه نهجا مخصوصا ضمن تجربة امتدت لأكثر من أربعة عقود تميزت بدأبها الجمالي وجديتها من حيث العمل على رصد الجميل في الحياة التونسية .. المدينة وعناصر حيويتها وحركتها المفتوحة على شتى العناوين والألوان ..

هناك حميمية فارقة تطبع أعمال الزنايدي منها الحكاية المبثوثة في العمل التشكيلي بما بجعله يتجاوز القماشة الى فضاءات أخرى منها منها الذات المتقبلة وما تزخر به من كيانات وأحاسيس الأمر الذي يحدث ذلك التفاعل الوجداني والجمالي ليصير ضربا من الثقافة البصرية المتشبثة بالأصيل والحديث لتجعل منهما جناحين للشخصية التونسية الآن وهنا ..

هذا الأمر يرافق أعمال الفنان التشكيلي علي الزنايدي في مختلف معارضه السابقة والحديثة سواء في تونس أو خارجها ..

و هذا ما نلمسه في فنه .. مسحة من التجديد وعناوين شتى وتقنيات مختلفة كانت في اللوحات لتعبر عن هذا النسق الجمالي المتجدد لدر الزنايدي وهو ينظر تجاه العناصر المختلفة يحاولها ويحاورها ضمن القول بالتعاطي الثقافي والفكري والوجداني معها ..

الفنان علي ومن خلال ما يسكنه من الرؤى المعاصرة سعى لتقديم أعمال ضمن عنوان المشهدية في أشكالها المختلفة لنشاهد على اللوحات حالات من الحكايات فيها البانوراما وفيها المواضيع المحددة ولكنها تحتفي بذاتها بعيدا عن الاجترار حيث الألوان الدالة على الأعماق العربية الاسلامية والعلامات التونسية المستلهمة في الحياة الومية .. حيات تنبض حركة .. و تدرج في الموضوع للوصول الى بنورامية الحالة .. هناك عشق مبثوث في تفاصيل الأعمال .. هو عشق البيئة الغنية والمتنوعة .. الغنية بثقافتها والمتنوعة في ممكنات التأويل .. ان الفنان علي الزنايدي يستبطن جيدا جغرافيا المدينة ودلالات ألوانها وعطورها من حكايات وذاكرة ومناسبات وعلامات وتقاليد ..

ان أسلوب الزنايدي اتخذ خطه الخاص به حيث المفردة التشكيلية لا تلوي على غير القول بالعمق المرادف للبساطة وفق عنوان عام هو حميمية الفهم لحظة النظر حيث تنعدم حالة الانبهار تجاه الفنان والانسان .. انها فقط لحظة ارضاء الذات التي يحتشد فيها ذاك التراكم الثقافي والوجداني والشعبي بمعناه العميق .. وهنا تشتغل قدرات الزنايدي .. لتواصل سيرها نحو الآفاق الرحبة التي يمنحها الفن ..

لوحات بالألوان وأخرى بالخطوط .. و الكولاج بخبرة الفنان ليصبح وجها من وجوه اللوحة جماليا .. كل ذلك وفق ايقاع فني عرف به علي الزنايدي وراح ضمنه يطور أساليب العمل والبحث والابتكار .. و الزمن في كل ذلك اطار متحرك ومفتوح ..

نعم .. هكذا هو التجوال في بستان الزنايدي الفني .. " ثمار وقمر " و" أ زهار وسطوح " و" الرجوع الى السوق " والفطائري والصانع " و" ساحة المدينة " ولعبة الشكبة " و" الخلايعية " وعلى مر الأيام " و" مشاهد ليلية " ..

مرة أخرى تبرز القيمة والعلامة في تجربة فنان تونسي رأى في اللوحة اطارا حرا وفسيحا لمحاورة الذات والآخرين والعالم وفق ايقاع تسكيلي هاجسه التجدد ومزيد التوغل في البيئة الثرية .. البيئة التونسية بحكاياتها وأشجانها وبمختلف رموزها وعلاماتها .. و لا شيء سوى نشدان الامتاع والابداع .. قولا بالعذوبة .. و السحر والجمال الوجداني والمكاني والمبثوث وفي الحالة وهي في عنفوان بهائها .. النادر .

" .. يفتح قلبه للغرباء

يرتجي شيئا من لطفي .. من خجلي .. و من صبري

.. ترقص الكلمات والذكرى وعناصر الربيع الزرقاء ..

و أنا أدون على أوراق الأشجار وأجنحة الفراشات و .. و ..

أدون أمنياتي القادمة

و أ مشي في سوق الكذابين

ولا يعنيني من الأمر سوى الحالة على القماشة

حيث اللوحة معلقة على الجدار ..

بامضاء الفنان الأمهر .. علي الزنايدي .. "

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم