صحيفة المثقف

تداعيات الأزمة السياسية في اليمن وانعكاساتها علي منطقة الخليج

adil amirتفاقم الأزمة في اليمن بوتيرة سريعة بعد إقامة منطقة عازلة في محيط القصر الرئاسي من القوى الأمنية في العاصمة صنعاء، فيما لا يزال الرئيس المتحصن علي عبد الله صالح يرفض التنحّي، زاعماً أن "أغلبية الشعب اليمني" تدعمه. وفي حين يتصدّر تدخل عسكري بقيادة الغرب في ليبيا العناوين، سيكون للأزمة التي اندلعت في اليمن ومضاعفاتها بالنسبة إلى الاستقرار في منطقة الخليج عواقب أكبر من الناحية الإستراتيجية، علماً بأن المملكة العربية السعودية تواجه تهديداً ناشئاً عن حملة إيرانية ترمي إلى زعزعة الاستقرار في المناطق الشرقية وأنها أرسلت قواتها إلى البحرين في مسعى لمنع الاضطرابات الشيعية من الانتشار. ومع اشتعال جبهة ثانية تهدد خاصرة المملكة الآن، لم يعد في وسع السعوديين تأجيل التعامل مع الوضع في اليمن.

برزت نقطة التحول في اليمن في 18 آذار عقب صلاة الجمعة عندما تعرض عشرات الآلاف من المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع مطالبين برحيل صالح لوابل من النيران أدى إلى مقتل نحو 46 شخصاً وإصابة المئات بجروح. لم يُعرف إن كان صالح هو من أصدر الأمر بإطلاق النار، أو أن الذي قام بذلك عضو في المؤسسة العسكرية اليمنية بهدف تسهيل إيجاد مخرج سياسي للرئيس صالح، أو أن التوترات في الشوارع هي التي قادت إلى ذلك، لكن ليس لذلك أهمية في الواقع. ففي أعقاب أحداث 18 آذار، توالت الاستقالات من الحزب الحاكم، وانشقت قبيلة حاشد البارزة في الشمال والحرس القديم العسكري، مما يعرّض صالح لخطر إزاحته عن السلطة بانقلاب عسكري وإغراق ذلك البلد شديد التمزّق أصلاً في حرب أهلية.أن إيران من حيث التسليح لا تقارن بالخليج وقدراته، لكنه أوضح أن طهران خلقت جذورا في كل المناطق، في حين يحتاج الخليج إلى بناء تحالفات سليمة وسريعة.

أن التطورات الأخيرة في اليمن تجعل إيران قادرة على ضرب أي تجارة نفطية دون أن يلحق بها أي ضرر، موضحا أن "إيران لا تستطيع إغلاق مضيق هرمز لأنه سيجعلها في مواجهة مع المجتمع الدولي، لكن بإمكان أي مجموعة صغيرة من الحوثيين ضرب قافلة نفطية لدى عبورها مضيق باب المندب بإيعاز من إيران".أن الخليج العربي من ناحية الجيوسياسية، أكثر اتساعاً من الخليج العربي الجغرافي، حيث يتسع بهذا المعيار إلى عدد من الدول التي ليست لها سواحل على الخليج العربي، وعلى رأس تلك الدول تأتي دولة اليمن حيث التواصل الجغرافي الذي يجعل كلاً منهما يتأثر بأية تطورات يمكن أن يشهدها الطرف الآخر حيث يشكل اليمن مع دول الخليج كتلة إستراتيجية واحدة. لذلك فصيغة الفوضى والتشرذم هي الصورة الأقرب للتصور إذا قدر للحراك الجنوبي أن يحقق مآربه حيث إن الجنوب اليمني يعاني في داخله هو أيضًا من تراث المشيخات والسلطنات القديمة والتي كانت قائمة إلى عهد الاحتلال البريطاني وينخرط كثير من أبناء وأتباع تلك السلطنات الآن في الحراك الجنوبي على أمل العودة إلى مجدهم القديم؛ منهم على سبيل المثال طارق الفضلي نجل السلطان ناصر بن عبد الله الفضلي آخر سلاطين السلطنة الفضلية، التي ألغيت مع بقية السلطنات في 1967 بعد خروج الاستعمار البريطاني نهائيا من جنوب اليمن. وهو ما يعني أن اليمن قد يعاني ليس من انفصال الجنوب فقط بل ربما تظهر مشكلة شمال الجنوب وجنوب الجنوب. لا يمكن النظر إلى هذا الوضع بعيدًا عن التطورات التي تشهدها عدة دول في المنطقة، وخاصة في العراق والسودان والصومال، حيث أدت الممارسات الحكومية الخاطئة والتدخلات الخارجية، وطموحات السياسيين المحليين الضيقة إلى انفصال عرى تلك البلاد وتحول الصراع فيها إلى حرب شبه أهلية، وخرجت أجزاء كبيرة من تلك الدولة عن إطار وسيطرة الدولة المركزية وأسست لنفسها نظامًا مستقلاً، فالعالم العربي الآن على بعد خطوة واحدة من انفصال جنوب السودان، والصومال مقسم بالفعل غير أن هذا التقسيم لم يحظ باعتراف دولي بعد. لذلك فإنه ليس من المستبعد أن تلحق اليمن بقطار تلك الدول، وعليه فلنا أن نتصور اليمن وقد تحول إلى صومال أو سودان جديد، لكنه هذه المرة في حدود مشتركة مع الدول الخليج. والتي ستقع بين فكي التفكك، من الشمال العراق بفسيفسائه العرقية والطائفية، ومن الجنوب اليمن أيضًا بتعقيداته الطائفية والمذهبية، وليس من المستبعد سريان سرطان ذلك التفكك إلى ما جاورهما من دول الخليج.

وفي سياق الاهتمام الدولي بتطورات الشأن اليمني برزت "المبادرة الخليجية" التي رأت النور في عام 2011 واستطاعت أن تخرج اليمن من عنق الزجاجة في توقيت دقيق وصعب سادته مخاوف من مواجهات بين اليمنيين وخصومهم بعدما نجح الشعب اليمني بتجسيد حقائق انتصار ثورة شعبية يمنية أذهلت العالم كله فأطاحت سلميا بالنظام السابق.

يؤدي الحل الذي سيفضي إليه هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وأن يلبي طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح، وأن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني. كما نصت على أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا وتوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لهذا الغرض.

كما ركزت على أهمية التوافق بين اليمنيين، ومن بنودها المهمة التي توضح أهمية الدور الخليجي والدولي أنها نصت على أن "تكون دول مجلس التعاون والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شهودا على تنفيذ الاتفاق".

ويلاحظ أن المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر يجدد الحديث من وقت لآخر عن أهمية "المبادرة الخليجية"، وقال لدى مخاطبته مجلس الأمن في منتصف اكتوبر الجاري إن المبادرة الخليجية ما زالت أساس العملية الانتقالية وأن مخرجات الحوار واتفاقية السلم والشراكة الوطنية أكدت التزام الأطراف بها.

وها هي تداعيات الأحداث الدموية في اليمن وتطوراتها الساخنة تفرض وجودها بشدة، كما أثارت حيرة واستغراب وغضب أوساط عدة في اليمن وخارجه، كما أحدثت أصداء واسعة في الأوساط الخليجية الرسمية والشعبية في ضوء علاقات تاريخية وجغرافية لا فكاك منها للجانبين الخليجي واليمني، وأيضا في ظل وجود مصالح مشتركة تفرض بدورها معادلة تأثير وتأثر متبادلة، ولعل أحدث تطور عكس أبعاد الاهتمام الخليجي بالوضع في اليمن تمثل في الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء داخلية دول مجلس التعاون بجده بالمملكة العربية السعودية في نهاية سبتمبر الماضي، حيث أعلنت الدول الخليجية الست موقفا جماعيا موحدا أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخلات الخارجية الفئوية في اليمن"، وأكدت أن "أمن اليمن وأمن دول المجلس يعتبر كلا لا يتجزأ".

وبدا واضحا أن اجتماع وزراء الداخلية الخليجيين سادته روح التفاهم والتنسيق، خاصة أنه وفقا لتأكيدات خليجية "عقد بناء على توجيه قادة دول المجلس للنظر في الأحداث التي تشهدها الجمهورية اليمنية، وتقييم المستجدات والتطورات على الساحة اليمنية ومخاطرها وانعكاساتها المباشرة على الأمن المحلي والإقليمي لدول المجلس". أن الفوضى الصومالية قد أسفرت عن ظاهرة القراصنة التي تركت للتداعي، الأمر الذي يفتح المجال للتكهن عن وجود أجندات خارجية تقف وراء التزايد والاتساع الملفت لعمليات القرصنة التي قد تجاوزت البحر الأحمر إلى المحيط الهندي وسواحل كينيا والسواحل اليمنية في البحر العربي. ويحذر معهد “شاتام هاوس” في اكتوبر 2008 بأنه لابد من التعامل مع القراصنة، إذ أن انعكاسات ارتفاع التكلفة ستؤدي بالسفن إلى تجنب الإبحار في خليج عدن لتسلك الطريق الأطول عبر أوروبا وأميركا الشمالية ورأس الرجاء الصالح. ويفضي القلق والتساؤل المتراكم منذ دخول منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر في حلقة أحداث أمنية ومواجهات عسكرية وأخيراً عمليات القرصنة التي أسفرت عن تداعي عشرة دول أوروبية في حلف الأطلسي لإرسال قواتها البحرية لمواجهة القراصنة إلى القول بأن مخاوف اليمن القديمة بخصوص مايجري في المنطقة كانت طبيعية. فقد كرر اليمن نداءاته لأميركا والعالم الغربي (وحتى العالم العربي والخليجي تحديداً) بضرورة مكافحة القرصنة ومنذ وقت باكر، ناهيك عن تأكيداتها منذ سنوات الفوضى الصومالية الباكرة أن ذلك سيخلف تداعيات وانعكاسات على المنطقة برمتها.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم