صحيفة المثقف

قوى تسخيرية للجذب والإكراه .. الشاعرة السويدية كارين بوي وقصيدتها: فانتازيا بوذية

adnan aboandolisبمعرفة راسخة وإطلاع مميز، إستطاعت الشاعرة أن توظف غرائبية في العتية النصية- بهذه التسمية البعيدة عن المنظورالعام. فانتازيا + بوذية = مواءمة من حيث القدرة التحكمية في خرق الأشياء، والمعتقد المساير لها، فالفنتازيا خيال وهمي ضخم يعتمد على السحروالتعامل بالخداع والخرافة البارعة، والبوذية معتقد مستمد من موروث مبني على فرضية تلائم مجتمع يتقبل بطواعية أو تحت الإكراه، قد جمعا للتوائم بهذه الصيغة المباركة، كونهما لايخلوان من قوة متسلطة بإكراهٍ – كاريزما – قوة متسلطة بالسحر والمراوغة والحيل هذا الذي جمعهما بقاسم مشترك، أن قوة الجذب لهما تتحرك وفق خط واحدٍ للمشاهد والمستمع معاً، ناهيك عن الآثار النفسية المترتبة عنهما، فالرضوخ حالة إنقياد ناتجة عن خوف – رعب – تسلط = كاريزما أو كازوما= جذب – إ قناع – إغراء وغيرها . تتمحور البوذية على عقيدة ثلاثية في الجوهر، تستمد قوتها من مؤسسها – بوذا – المُصلح – المُتيقظ بتعاليمهِ الشفهية المتناثرة في العقول عبر قرون، هكذا أُعتنق المجتمع الغريب الأطوار بموروثهِ المبني على تعاطي الشعوذة وتعاويذ الخرافة وميثولوجيا راسخة عمقاً في الذات:

 

مشرعة بوابة العالم النحاسية

في حالق عند قنطرتها أقف ها هنا،

وما أراه عظيم بلا أي حد،

وما من مشهد مثل هذا بلا أي حد

 

إن شيوع مفردة – مشرعة – لكل جنس يبذل جهدهِ للحصول عليها، مفتوحة بلا غلق أو ماوراء ستار مموه، يراد من ذلك الولوج إلى عام تسير عليه قوى خارجية بمنظوره – كقوى الطبيعة – لذا تأمر البشر بمطاوعتها كـتسخير .أن بوابة العالم النحاسية ما هي إلا تحكيم يذود عن مثالية خارقة، ربما هي صداً التحلل المعدني للذات الإنسانية قبل إعتناقه كتطهير بدني، أو كخلاص من أردان متلبسة معنوياُ، فـ أبواب النحاس – كمقارب لجنس الكلمة – نحس – وما تتحملهُ من مقاربة كـجناس ناقص . هي إرادة للشر المتلبس به كروح غير مطاوعة للتغيير، حيث أن الجنس البشري يحتوي دمهِ على بعضٍ من المعادن، ربما كمقاومة أو في بناء تركيب الجسم ومنها النحاس الذي يشكل نسبة عالية عند النساء أكثر من الرجال، ولتأثيره على المزاج وقوى الجاذبية والإكتآب في النساء في أمراضهن الدورية، فالقنطرة – المعبر الذي ترواح عليه الخلائق عند الحساب، فالخالق واحد – المشهد الوحيد لا يتكرر كونه موحد لكل البشرية :

مهما نظرت بعمق، مهما نظرت ببعد،

نظرتي ترجع دون أي مدد.

كل ما أعرف ما عاد يوجد --

لا عظيم، لا صغير -- لا حياة، ولا موت.

 

إن إستحالة تخطي الخوارق ظاهرة في هذا المقطع نتيجة العجز البصري الذي يرتد ببعد المدى، فماهية المجهول المعلوم أصل الكون – رغم التركيز على دفقة مملوءة بالجزم – مهما – بعمق – ببعد مديات كـ إستحالة التخطي، نظرتي ترجع دون أي مدد، وكأنهُ تناص من النص القرآني – "يرجع البصر خاسئاً وهو حسير " تتشابك كل القوى غير أنها في حيرة من عظمة الجبار –لا عظيم –لا صغير –لا حياة –لا موت – كلها هباء أمام قدرة خارقة لاتضاهيها أية قوة أُخرى .

 

خطوة واحدة في الطريق الذي لا يصد،

ولن يك لي ثمة عود يرد ...

لم ترتجف؟ هلم، وأتبعني!

فبوابة الكون النحاسية منزوعة القيد!

 

خطوة واحدة .. هذه الخيالات تتابعت مع حبس النفس، الرعب خيم على هذا الشعور، فالنص وكأنهُ يشكل بحد ذاته تعويذة مربكة مشروطة بإفلاس – فمرة تتوكأ المباشرة رغم تسميتها الرصينة – فانتازيا، ومرة نوعاُ من الهذر الذي لايعني شيئاً فقط ، سوى تراكم رؤى عصية لاتجد غير إيهامات غارقة في الغموض .إن ترصين القصيدة بقافية موحدة وبحرف روي هو – دال – مثل حد – بعد – مدد – يوجد – يصد – يرد – القيد وهكذا، ربما كان المترجم قد تصرف بالنص أراد من ذلك أن تترنم بإيقاع أو كانت الشاعرة تبغي الترصيع للزينة اللفظية .أن الخطوة واحدة بتخطي الرذيلة والدخول إلى بوابات الفضيلة هي متماثلة لكل الديانات بما فيها الوثنية، فالطريق السالك واحد نحو سمو بوابة الكون .

 

عدنان أبو أندلس

كركوك

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم