صحيفة المثقف

كوبا درة البحر الكاريبي

neeran alobaydiكوبا، اكبر جزيرة في البحر الكاريبي. يسكنها اناس مختلفوا الاعراق والاشكال ذابوا في بودقة الوطن الجديد، منهم المهاجرين القدامى من الشرق الاوسط. و من امريكا الجنوبية وبعض من مهاجري امريكا الشمالية، و الهنود المواطنيين الاصليين، الذين قُضي عليهم بسبب معاركهم مع الوجود الاسباني والحملة الاستعمارية اللاحقة، بعد رجوع كرستوفر كولمبوس، الى الجزيرة مصطحباً معه قساوسة ورجال دين، للتبشير المسيحي بالمنطقة، تارة وبسبب الامراض الآسيو- اوربية التي جلبها المستعمر الجديد، والتي فتكت بالسكان الاصليين، مع عدم وجود مناعة طبيعية تساعدهم على البقاء والتأقلم تارةً اخرى. المستعمر الاسباني كان بحاجة الى عبيد، من اجل زراعة قصب السكر، والتبغ، ومنتوج القهوة، وتربية المواشي. هذه الاعمال كان المستعمر يستنكف العمل بها. من هنا ظهرت شريحة عرقية واثنية جديدة مسلمة اغلبها، من زنوج غرب افريقيا، وبربر وعرب صحراويين من شمال افريقيا. الا ان المتتبع التاريخي يلاحظ وجود آثار ومساجد مكتوبة بحروف عربية، يرجع تاريخها الى تاريخ سابق لاكتشاف كرستوفر كولمبس للجزيرة الامريكية. اذ يقول بارتو لوميو لاس كاسأس، نقلا عن مذكرات كولمبس الضائعة المعنونة " يوميات الرحلة الاولى " انه شاهد اثر مسجد على جبل له مأذنة وعليه نقوش بأحرف عربية. يرجح البعض ان يكون هذا الوجود بسبب بعض الرحلات العربية البحرية، التي ضلت طريقها، في بحر الظلمات ‘ المحيط الاطلسي‘، واتجهت صوب البحر الكاريبي، وسكنت الجزيرة، ومن ثم ذابت مع السكان الاصليين بعد ان حافظت على طابعها لفترة من الزمن. والبعض الاخر، يعتقد ان الوجود العربي هناك، بسبب رحلات تجارة الرقيق، التي كان يقوم بها عرب المغرب العربي الى العالم الجديد ورفده بالعمالة الرخيصة من الزنوج.

659-havana2عند زيارتي الى هذه الجزيرة النائية والجميلة، كنت اقرأ اسماء الفلل. لاحظت وجود اسماء عربية لبعضها، منها مثلاً اسم فلة عبدالله، في وسط مدينة فادفيرا السياحية، مما اثار استغرابي. بدأت البحث والسؤال عن الوجود العربي هناك واكتشفت وجود ما يعرف بالبيت العربي، وهو متحف للتجار العرب الذي يرجع بناؤه لاواسط القرن السابع عشر ويتوسط محلات هافانا القديمة. لقد قامت الحكومة الكوبية بتطوير هذا المتحف، بعد ان حصلت على مبلغ 40الف دولار، مساعدة من دولة قطر، من اجل ذلك الغرض. علما يبلغ تعداد مسلمي كوبا الآن 1000 شخص. يعيشون بين اكثر من 11 مليون نسمة، الذين هم سكان جزيرة كوبا المتعددة الاعراق.

يرجع الوجود العربي من المشرق العربي في كوبا، الى اواسط القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. كان اغلبهم من مسيحي سوريا ولبنان وفلسطين. استوطن اغلبهم سواحل هافانا وشواطيء دي سانتياغو وغواتيمالا ومارسوا عمل التجارة وفتحوا المطاعم المشهورة بالاكلات التقليدية، وتجارة المجوهرات الجوالة، بداية القرن العشرين، حيث كانت هناك هجرة عربية كبيرة بلغت 10 الف مهاجر تقريبا، دخلوا الجزيرة مرة واحدة، بسبب المجازر التي ارتكبتها تركيا ضد الاثنيات المسيحية والدرزية العربية. رفضت، سلطات الجزيرة الكوبية انذاك، تسجيلهم على انهم مجموعة عربية. فقامت بتسجيلهم على انهم اتراك. بعد اندحار تركيا بالحرب العالمية الاولى، سجلوا على انهم مهاجرين سوريون. بعد الثورة، بقيادة فيدل كاسترو وجيفارا، شارك العديد منهم بنفس كوبي، آمال شعبهم، واعطوا ضحايا حالهم حال بقية اعراق الجزيرة.

659-havanaتتطلع كوبا الان، الى علاقات جديدة مع الولايات المتحدة الامريكية، التي يأمل اغلب الكوبيين خيرا منها. سمعت البعض يرحب بها، على امل دخول خدمة الانترنيت، الى الشعب الكوبي، حاله حال بقية شعوب العالم. وحقيقة، كان هناك ارتفاع في الاسعار، بعد اخبار المفاوضات، بين البلدين. سمعنا بتشدد الموقف الكوبي مع الوفد الامريكي، اذ كان اهم طلب لكوبا عدم قبول امريكا، لاجئين جدد للمهاجرين غير الشرعيين، والذي قوبل برفض امريكي، باعتبار ان هذا الامر يخص الجانب الداخلي لامريكا، ولا يحق لكوبا التدخل فيه. ربما نحن نستغرب هذا الطلب من دولة كوبا، لكن تجربة حرب خليج الخنازير، التي وضفت فيه امريكا المهاجرين الكوبيين وسلحتهم، لمحاربة دولتهم الاصلية كوبا، تجربة لا تنسى، وان كان انتهت بفشل المليشيات الكوبية الامريكية، فشلا ذريعا. انتهت بمقايضة اسرى هذه المليشيات بمساعدات امريكية لكوبا. واتفاق لرفع الصوايخ السوفيتية الموجهة ضد امريكا، مقابل عدم الهجوم من قبل امريكا على الجزيرة.

 

بقلم نيران العبيدي

2 شباط 2015

كندا

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم